عادت الحياة السياسية في إسرائيل للاستقرار، في ضوء إبرام زعيم حزب أزرق-أبيض بيني غانتس اتفاقاً مع زعيم معسكر اليمين بنيامين نتنياهو، على تشكيل حكومة طوارئ لمدة ثلاث سنوات، ليُنهي بذلك مرحلة الفراغ السياسي التي عاشتها إسرائيل لمدة عام ونصف العام، نظراً لفشل أي من الكتل السياسية في حسم ملف تشكيل الحكومة رغم إجراء ثلاث جولات انتخابية.
أُبرم الاتفاق الائتلافي في وقت كانت تستعد فيه إسرائيل لجولة انتخابات رابعة، في أغسطس/آب القادم، حيث انقضت المهلة التي حددها رئيس الدولة رؤوفين ريفلين لغانتس لتشكيل الحكومة، وهي 28 يوماً، وجرى تمديدها أسبوعين آخرين، وحاول الطرفان كسب معركة الوقت، إلى أن نجحا في التوصل لاتفاق يقضي بتشكل حكومة طوارئ بالتناوب لمدة 3 سنوات.
حسب الاتفاق، سيترأس نتنياهو الحكومة في الفترة الأولى لمدة 18 شهراً، ثم تنتقل الصلاحيات لنائبه، وهو منصب جديد يتقلده غانتس، يكون خلاله النائب ووزير الدفاع لمدة 18 شهراً أخرى، تبدأ من أكتوبر/تشرين الأول 2021، وتضم الحكومة الجديدة 36 حقيبة وزارية.
تحديات داخلية وخارجية
على الصعيد الداخلي تواجه الحكومة الإسرائيلية العديد من التحديات لترتيب البيت الإسرائيلي، خاصة في ظل اتساع حدة الخلافات بين أقطاب الكتل السياسية، ومن أبرز هذه الملفات إعادة صياغة ما يُعرف بقانون التجنيد الإجباري للحريديم "تيار ديني متدين"، الذي يواجه معضلة بالنسبة للكثير من الأحزاب، تحديداً من زعيم حزب إسرائيل بيتنا أفيغدور ليبرمان، وزعيم المعارضة يائير لابيد، إضافة إلى الأزمات الاقتصادية المتراكمة التي تسبب بها فيروس كورونا، وإقرار موازنة خطة "تنوفا" لتطوير قدرات الجيش، وإصلاح جهاز القضاء.
يقول توفيق محمد، وهو صحفي فلسطيني من الداخل الإسرائيلي لـ"عربي بوست"، إن "ملف تجنيد الحريديم سيكون معضلة أمام حكومة نتنياهو- غانتس، لأنه الملف الذي حظي باهتمام واسع من قبل الأحزاب السياسية في الجولات الثلاث من الانتخابات، وبالنظر لما تمثله المعارضة التي تمتلك قرابة 50 مقعداً، فإن مستقبل نتنياهو السياسي قد يكون على المحك، واحتمالية انهيار الاتفاق مع غانتس تبقى واردة، لأن الأخير لديه تحفظات على الوضع الحالي فيما يخص إعفاء المتدينين من التجنيد، وليس مستبعداً أن يصوت غانتس وكتلته في الكنيست لتعديل القانون، وبذلك سيتعرّض نتنياهو لضغط مزدوج من المعارضة وشركائه من المتدينين، قد يضطر إلى اختيار أحد الطرفين لإنقاذ حكومته".
كورونا يخلّف أزمات أخرى
أما بخصوص ملفات الوضع الاقتصادي والاجتماعي التي خلفها وباء كورونا، فتوقع محمد أن "الوضع لن يتغير بشكل كبير، لأن هذا الملف يعد حالة طوارئ عالمية، وإسرائيل بمقدورها تجاوز تبعات الوباء خلال عام أو عامين، لكن تداعيات الأزمة ستنعكس على خطط الجيش الذي ينتظر استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية للحصول على الموازنات اللازمة لتطبيق خططه العسكرية، أما ملف القضاء فقد انتصر نتنياهو في معركته؛ لأن التسريبات الأولية تشير إلى أنه قبل توقيع اتفاق تشكيل الحكومة مع غانتس اشترط أن تصوت كتلة الأخير لتمرير قانون الحصانة".
وقد واجه اتفاق نتنياهو- غانتس معارضة شديدة من قبل المعارضة الإسرائيلية، وهو ما يشير لحالة من عدم الرضا السياسي والشعبي على ما جاء فيه، حيث علق حزب "ميرتس" اليساري على الاتفاق بأن حكومة نتنياهو- غانتس ليست حكومة وحدة ولا طوارئ، بل حكومة فساد.
واعتبرت ميراف ميخالي من حزب العمل (يسار) في تغريدة على تويتر، أن حكومة نتنياهو-غانتس "حكومة ضم خطيرة وفاسدة تمنح لرئيس وزراء متهم بالفساد فيتو على تعيين القضاة".
حماس.. الاتفاق يحمل أجندة متطرفة
في ردود الأفعال الفلسطينية اعتبرت حماس على لسان فوزي برهوم الناطق باسمها، أن الاتفاق يحمل أجندة متطرفة لشطب حقوق الشعب الفلسطيني، من خلال تبنيها لمشاريع الضم وإقامة دولة يهودية.
وبدا ملف غزة حاضراً في أجندة الحكومة الإسرائيلية الجديدة، كونه لم يغب خلال الجولات الانتخابية الثلاث، وبات مادة للمزايدات الحزبية، وهو ما يضعه أمام جملة من التساؤلات، أبرزها: هل ستتغير الطريقة الإسرائيلية في التعامل مع ملف غزة، خاصة بعد تولي غانتس وزارة الدفاع، الذي يروج دائماً لفكرة استخدام القوة المفرطة ضد حماس، ويضع مستقبل تفاهمات التهدئة بين حماس وإسرائيل على المحك.
يقول سعيد بشارات، وهو رئيس تحرير شبكة الهدهد للشؤون الإسرائيلية، لـ"عربي بوست" إن "ترتيبات المرحلة القادمة بين غزة وإسرائيل ستشهد نقلة نوعية، خاصة أن نتنياهو بات أقوى بعد تشكيل الحكومة، وتردده في الملفات العالقة مع حماس قد يحسمها بالاتفاق مع غانتس، كإبرام اتفاق تهدئة طويل الأمد مع غزة مقابل الحصول على ضمانات بعدم تطوير حماس لقدراتها العسكرية، ما يفتح الباب أمام ملف إعادة الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى حماس".
على الجانب الآخر، اعتبرت السلطة الفلسطينية أن حكومة غانتس- نتنياهو في حال أقرت العمل بمشروع ضم الضفة الغربية سيعني ذلك إنهاء حل الدولتين، وهدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالتنصل من كافة الاتفاقيات بين السلطة وإسرائيل في حال أقر الكنيست قانون الضم.
ضم الضفة عمود الاتفاق
عصمت منصور، الباحث في الشؤون الإسرائيلية، قال لموقع "عربي بوست" إن "ملف ضم الضفة الغربية كان جزءاً أصيلاً من الاتفاق بين الليكود وأزرق أبيض لتشكيل الحكومة، وجرى الاتفاق على أن يبدأ العمل بسنّ التشريعات في الكنيست مطلع يوليو/تموز المقبل، لكن حجم التباين والاختلافات بين غانتس ونتنياهو قد يعطل أو يؤجل حسم الملف، لأن الأخير يريد سن التشريع قبل انتهاء فترة ولاية ترامب، فيما يرى الأول أن الوقت غير ملائم بعد لإقرار هذا القانون، خشية تدهور الأوضاع بين إسرائيل من جهة والسلطة الفلسطينية والأردن من جهة أخرى، لذلك فإن احتمالية تأجيل سن القوانين واردة على الأقل في الأجل القريب".
وعلى الصعيد الخارجي، يشير بقاء نتنياهو في سدة الحكم لمدة عام ونصف العام إلى ارتياح على مستوى بعض الدول العربية، تحديداً دول الخليج العربي، التي فتحت باب التطبيع مع إسرائيل خلال السنوات الماضية، ويرى البعض أن مستقبل العلاقة بين الطرفين قد يأخذ منحنى مختلفاً خلال الأشهر القادمة.
وهو ما أكده هاني المصري، مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات "مسارات"، لـ"عربي بوست"، الذي قال إن استقرار الحالة السياسية في إسرائيل التي أفضت لبقاء نتنياهو كرئيس للوزراء لأطول فترة ممكنة، سيعزز التقارب بين إسرائيل والدول العربية، وقد يمثل اتفاق تشكيل الحكومة مع استمرار أزمة كورونا فرصة لإظهار مزيد من هذا التقارب، وإسرائيل قد تستغل هذه الجائحة بإظهار جانب إنساني لكسب تعاطف الشعوب التي لديها تحفظات في العلاقة مع إسرائيل.