أجسادهم تُرسل رماداً في علبة إلى بلدانهم! عمال أجانب بالإمارات يموتون بكورونا دون أن يودعهم أحد

يواجه عمال أجانب في الخليج كورونا لوحدهم، حتى بعدما يقضي الفيروس على حياتهم، حيث يُنقلون بصمت إلى مثواهم الأخير، دون أن يلقي أحد عليهم نظرة الوداع، في مشهد يمثل جزءاً من معاناة البشرية مع الفيروس الغامض الذي يواصل حصده للأرواح في العالم.

عربي بوست
تم النشر: 2020/04/22 الساعة 10:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/22 الساعة 10:50 بتوقيت غرينتش
عمال أجانب يموتون في الإمارات دون أن تُلقى عليهم نظرة الوداع - رويترز

يواجه عمال أجانب في الإمارات كورونا لوحدهم، حتى بعدما يقضي الفيروس على حياتهم، حيث يُنقلون بصمت إلى مثواهم الأخير، دون أن يلقي أحد عليهم نظرة الوداع، في مشهد يمثل جزءاً من معاناة البشرية مع الفيروس الغامض الذي يواصل حصده للأرواح في العالم.

جثث تتحول لرماد: من بين هؤلاء العمال الأجانب، مواطن هندي توفّي في دبي جرّاء إصابته بفيروس كورونا المستجد، وظلت جثته داخل سيارة الإسعاف مقابل غرفة حرق الجثث في انتظار وصول صديق أو زميل يلقي عليه نظرة وداع، لكن بعد ساعة تقريباً لم يظهر أحد.

بصمت مطبق بدأ أربعة رجال ارتدوا ملابس الحماية من الفيروس مهمّتهم، فحملوا الجثة التي لفّت بغطاء أبيض إلى غرفة المحرقة، حيث تحوّلت في غضون ساعتين ونصف إلى مجرد رماد في علبة فضية.

تقول وكالة الأنباء الفرنسية إن ملايين المغتربين يعملون في الإمارات ودول الخليج الأخرى، وقد شكّلوا على مدى عقود طويلة العمود الفقري للقوة العاملة في مستشفيات ومصارف ومصانع وورش البناء في هذه الدول الثرية.

أمضى العديد منهم سنوات طويلة وهم يكدّون في عملهم لإرسال المال لذويهم، حالمين بالعودة يوماً إلى موطنهم لبدء عملهم الخاص أو حتى بناء منزل، لكن حتى وهم جثة هامدة، فإن نقلهم إلى أوطانهم في زمن فيروس كورونا المعدي أمر شبه مستحيل.

كل شيء تغيّر: يقول إيشوار كومار، المسؤول في مركز حرق الجثث في موقع صحراوي بعيد عن المناطق السكنية في جنوب دبي: "العالم كله تغيّر. لم يعد يأتي أحد، ولا أحد يلمس شيئاً، ولا أحد يقول وداعاً".

يضيف متحدثاً للوكالة الفرنسية أنّه قبل بدء اجتياح الفيروس للعالم في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2019 "كان الناس يأتون إلى هنا، 200 أو 250 شخصاً، للبكاء وتقديم الورود. الآن يموت الأشخاص وحيدين".

تُعد غالبية ضحايا الفيروس في الخليج وعددهم أكثر من 170، وغالبية المصابين الذين تجاوز عددهم 29 ألفاً، هم من العمّال المغتربين الباحثين عن لقمة عيشهم بعيداً عن بلدانهم وبينها الهند، وباكستان، وبنغلاديش، والفلبين والنيبال.

عبارة مشتركة للوفاة: قبل ساعات من حرق جثة المواطن الهندي الذي كان في الخمسين من عمره، وهو شريك تجاري في شركة سياحية في دبي، واجهت جثة اختصاصية تجميل فلبينية المصير ذاته في الموقع نفسه.

حملت شهادتا وفاتهما عبارة مشتركة هي "التهاب رئوي جرّاء فيروس كورونا" كسبب للوفاة.

بعد حرق الجثث، عادة ما تُسلّم العلبة الفضية التي تُشترى من سلسلة متاجر محلية كبرى ويوضع فيها الرماد، إلى قريب أو شخص مسؤول عن مصالح الضحايا إذا تواجد في بلد الوفاة، أو تُرسل إلى السفارة.

يقول سوريش غالاني، مسؤول آخر في موقع حرق الجثث الذي يضمّ معبداً هندوسياً، إنّ الضحايا "عمّال ومعظمهم لا أقرباء لهم هنا. يأتي أحيانا زملاء لهم" يعملون لصالح الشركة ذاتها لأخذ العلبة.

في الموقع الهندوسي في دبي، لا تحمل شهادة وفاة كل من مات بسبب أمر مرتبط بفيروس كورونا، اسم المرض، ويقول فيجاي الهندي إنّ شقيقه رام (45 عاماً) توفّي بذبحة قلبية بعدما دخل في حالة من الكآبة خلال إقامته وحيداً في غرفة لمدة 14 يوماً كإجراء احترازي إثر اختلاطه بشخص كان يحمل الفيروس.

في الغرفة المظلمة حيث توجد ثلاث آلات لحرق الجثث، وقف أربعة من أصدقاء الضحيّة قرب جثة رام قبل حرقها ورموا الورود عليها، وذكر فيجاي أنّ نتيجة فحص شقيقه "جاءت سلبية بعدما أمضى فترة الأسبوعين في الغرفة، لكنّه تضرّر ذهنياً وأصبح كئيباً بسبب بقائه وحيداً".

توفي الأب لثلاثة أبناء الذي كان يعمل في محل لغسل الملابس، بينما كان في الإسعاف في طريقه إلى المستشفى بعدما شعر بآلام شديدة في الصدر، ويقول شقيقه: "سنعود غداً لتسلّم الرماد. سنرسلهم إلى بلدنا عندما تُستأنف الرحلات الجوية".

صعوبة نقل بقايا الجثث: ورغم وقف الرحلات الجوية في غالبية دول الخليج لوقف انتشار الفيروس، تحاول الحكومات في المنطقة تسيير رحلات خاصة لترحيل العديد من العمّال الذين بات كثيرون منهم بلا عمل. غير أنّ التعامل مع جثث الضحايا هو تحدٍّ من نوع آخر، إذ إن وجود مرض معد يستوجب الدفن أو الحرق من دون تأخير.

في هذا السياق، قال مصدر في وزارة الصحة السعودية للوكالة الفرنسية، شرط عدم الكشف عن هويته: "حتى الآن، تطالب العائلات بدفن الجثث داخل السعودية، لأنها تفضّل ذلك".

ومن بين هؤلاء وزير محمد صالح الأفغاني (57 عاماً) الذي عمل وعاش في المدينة المنوّرة منذ الثمانينيات، بعدما فر من بلده خلال فترة الحرب مع الاتحاد السوفييتي السابق، وتوفي الرجل صاحب متجر القرطاسية جرّاء إصابته بالفيروس الأسبوع الماضي.

كان صالح يقيم مع عائلته في المدينة المقدّسة، لكن لم يُسمح إلا لأربعة أفراد من عائلته بحضور الدفن، ولم يستطع ابن شقيقه، عامد خان، مندوب المبيعات المولود في المملكة، من حضور مراسم الدفن إلا من خلال صور وتسجيلات فيديو تلقاها على هاتفه.

يقول خان إن عمّه "كان يحلم بأن يدفن في المدينة وقد تحقّق حلمه"، معتبراً أنه "ليس هناك شخص يموت في المدينة ويرغب بأن يُدفن في مكان آخر. هذه مدينة معروفة بأنّها قطعة من الجنة".

تحميل المزيد