في أوائل شهر مارس/آذار الماضي، قرَّرت إدارة حرس الحدود العراقية إغلاق 5معابر برية مع الجارة إيران؛ نظراً لتفشي فيروس كورونا فيها، ووصول معدلات الإصابة والوفيات بها إلى نحو غير مسبوق.
وبحسب البيان الرسمي، كان إغلاق الحدود بداية من يوم 8 مارس/آذار وحتى 15 مارس/آذار فقط، مع توقف كل المعاملات التجارية بين البلدين، ومنع دخول الإيرانيين إلى الأراضي العراقية براً أو جواً.
لكن ما حدث على أرض الواقع مخالف تماماً لكل البيانات الحكومية الرسمية، فمازالت المعابر تُفتح بشكل "ودي" أمام الإيرانيين، خاصة الدبلوماسيين، ورجال الحرس الثوري الإيراني.
الحادثة الأولى
في بداية تفشي فيروس كورونا المستجد بإيران، طالب عدد من النشطاء العراقيين بإغلاق المعابر البرية والرحلات الجوية مع إيران. استجابت السلطات للأمر بعد المناشدات بوقت قصير، فكان مازال هناك المئات من العراقيين في مدينة قم يريدون العودة إلى بلادهم، بعد انتهاء زيارتهم لتلك المدينة الدينية، والعكس أيضاً، فكان الحجاج الإيرانيون مازالوا بالعراق.
لكن بعد الإعلان الرسمي من قِبل الحكومة العراقية عن إغلاق كافة المعابر البرية، وتوقف رحلات الطيران، وجد أفراد حرس الحدود العراقيون أنفسَهم أمام مأزق كبير، وهو عودة "الدبلوماسيين الإيرانيين في العراق" إلى طهران.
يقول أحد ضباط قوات حرس الحدود العراقية لعربي بوست "في منتصف شهر مارس (آذار)، فوجئنا بالقنصل الإيراني بالنجف ومعه أسرته وأقاربه، كان عددهم حوالي 10 أفراد، يريدون الدخول إلى العراق".
ويؤكد أنه من الناحية القانونية يُسمح لأعضاء البعثات الدبلوماسية الإيرانية بالدخول بشكل طبيعي إلى العراق، لكن لا بد أن يخضعوا بالحجر الصحي لمدة 14 يوماً كإجراء وقائي، لكن قنصل إيران في النجف أراد الدخول هو وأقاربه.
في البداية، رفض العميد العراقي دخول أفراد أسرة القنصل الإيراني بالنجف، غير المدرجين في إذن الدخول الصادر من الحكومة العراقية، وطلب من القنصل الذهاب هو وزوجته إلى الحجر الصحي، وإخضاعهم لاختبار فيروس كورونا.
لكن الأمور لم تسر بهدوء، يقول العميد: "رفض القنصل الإيراني تماماً سماع التعليمات، ورفض أيضاً إخضاعه للحجر الصحي، وبعد أن أجرى العديد من المكالمات الهاتفية تم إصدار الأمر بدخولهم جميعاً إلى الأراضي العراقية".
وفقاً للعميد العراقي في قوات حرس الحدود فإنه تلقّى أوامر من مسؤول حكومي كبير، لم يُفصح عن اسمه، بالسماح للقنصل وجميع من معه بالدخول، "قالوا لي سنوافق تلك المرة فقط".
بعد أيام قليلة من تلك الحادثة، أعلنت إدارة الصحة في محافظة النجف، في بيان لها، أن نتائج اختبار فيروس كورونا الخاصة بزوجة القنصل كانت إيجابية، وتم نقلها على الفور لتلقي العلاج بإيران.
علماً أنه، وحتى آخر لحظة، رفض القنصل الإيراني في النجف إجراء الاختبار الخاص بفيروس كورونا رفضاً تاماً، لكنه غادر هو وجميع أفراد أسرته إلى إيران بعد إصابة زوجته.
الإيرانيون مستمرون في الدخول إلى العراق
"حاولنا التواصل مع السلطات المركزية في بغداد لاحتواء تلك المشكلة، لا يمكننا السماح للإيرانيين بنشر الفيروس في بلادنا، نعم هم إخواننا وأصدقاؤنا، لكن العراق لا يتحمل هذا الوباء".
لم يتلق العميد العراقي أي رد من السلطات الأمنية في بغداد على شكواه، حتى ذلك اليوم، فيقول لـ"عربي بوست": "اعتقدنا أن حادثة القنصل الإيراني ستكون الأولى والأخيرة، لكن لا فائدة، حتى أوائل شهر أبريل (نيسان) مازال الدبلوماسيون الإيرانيون، يأتون إلى العراق بأسرهم".
لم يرغب العميد العراقي في قوات حرس الحدود الإشارة إلى هوية الدبلوماسيين الإيرانيين الراغبين في إدخال أسرهم إلى العراق، مكتفياً بالاشارة لهم فقط بكلمة "الدبلوماسيين وعائلاتهم".
يقول مصدر أمني في مدينة كربلاء لـ"عربي بوست": "لا نستطيع إنكار استمرار توافد أسر الدبلوماسيين الإيرانيين على المدينة، وعلى ما يبدو لا نستطيع منعهم من دخول بلادنا، ولكن نريد فقط إخضاعهم للحجر الصحي للتأكد من خلوهم من الفيروس".
وبحسب المصدر الأمني بمدينة كربلاء، إلى الآن لم يخضع الدبلوماسيون الإيرانيون، الذين أتوا مؤخراً من إيران، وسط تفشي جائحة فيروس كورونا في البلاد، إلى أي فحص طبي للتأكد من عدم حملهم لفيروس كورونا.
لكن، من الذي يوافق على دخول الدبلوماسيين الإيرانيين وعائلاتهم إلى العراق، ولماذا لا يخضعون للحجر الصحي؟
يقول مسؤول بارز في الحكومة العراقية لـ"عربي بوست"، إن جهود الحكومة العراقية لكبح حركة الحدود مع إيران هشة للغاية.
وبحسب المسؤول الحكومي العراقي، فإن الأمر كله بيد رئيس الوزراء المؤقت عادل عبدالمهدي، "هو المسؤول عن هذا المنع حتى الآن، وهو من يُسأل في هذا الأمر، لماذا لم يشدد القيود على المعابر الحدودية البرية مع إيران؟".
يرى المسؤول الحكومي أن الدبلوماسيين الإيرانيين اتخذوا السماح لهم بمواصلة عملهم داخل الأراضي العراقية ذريعة لجلب أقاربهم وعائلاتهم، للهرب من تفشي الفيروس في بلادهم، فيقول "في عيد النوروز توافد العشرات من أسر الدبلوماسيين من خمسة معابر، لقضاء عطلة العيد في بلادنا، ولم يغادروا العراق حتى الآن".
يرى الطبيب رضوان حسين، من إدارة الصحة في محافظة النجف، أن الكارثة ليست فقط في السماح لهم بالدخول، ولكن رفضهم الخضوع للاختبارات أو الحجر الصحي.
ويضيف حسين لـ"عربي بوست": "نحن أمام مصيبة، قطاعنا الصحي ميؤوس منه، ونفعل كل ما في جهدنا لتجنب انتشار الفيروس في البلاد، لا بد من أن تتخذ الحكومة موقفاً صارماً لإخضاع الدبلوماسيين وأسرهم للاختبار، والحجر الصحي، وإلا لن يتحمل أحد في العراق تبعات ما سيحدث".
جنود الحرس الثوري.. أيضاً خطر علينا
بحسب مصادر مقربة من الحرس الثوري الإيراني، فمازالت تحركات الجنود من وإلى العراق مستمرة، حتى في أوقات ذروة تفشي الفيروس في الجمهورية الإسلامية بإيران.
وهذا ما أكده مصدر أمني عراقي لـ"عربي بوست"، فيقول "لم يتحدث أحد عن حركة جنود الحرس الثوري، ولا اجتماعهم بمقاتلي الحشد الشعبي، كل ما نعرفه أن الحرس يفحص جنوده باستمرار، فلا خطر منهم على العراقيين، كما يقولون".
لكن وفقاً للمصدر الأمني العراقي، تم رصد حالة مشتبه بإصابتها بفيروس كورونا المستجد، سيدة إيرانية متقدمة في العمر كانت تمكث في أحد فنادق مدينة النجف، حتى أوائل شهر مارس/آذار الماضي.
يقول المصدر لـ"عربي بوست"، "المفاجأة أن هذه السيدة هي والدة أحد ضباط قوة القدس، وكانت في زيارة دينية إلى مدينة النجف، ولا نعلم كيف دخلت إلى العراق".
حجاج إيرانيون في النجف
في 20 مارس/آذار، كانت ذكرى وفاة الإمام الشيعي السابع (الإمام الكاظم)، وهي مناسبة كان يتوافد خلالها الآلاف من الإيرانيين للعراق، في الظروف الطبيعية.
في هذا العام أتت الذكرى وسط جائحة فيروس كورونا، التي ضربت أغلب دول العالم، وحظيت إيران بضربة ثقيلة وسط دول الشرق الأوسط، وأغلقت الحكومة الإيرانية الأماكن الدينية بالكامل في إيران، وفعل العراق المثل.
وبالرغم من دعوة آية الله العظمى السيستاني، القيادة الدينية الشيعية العليا في العراق إلى التزام العراقيين بحظر التجوال الذي فرضته الحكومة العراقية، خرج الآلاف من العراقيين لإحياء ذكرى الإمام الكاظم.
لكن المثير للدهشة، وكما علم عربي بوست من مصادر أمنية ودينية داخل العراق: وجود عدد من الزوار الإيرانيين في مثل تلك الظروف، مَن سمح لهم بالدخول؟ خاصة أنهم مواطنون عاديون ليسوا دبلوماسيين وعسكريين، لم يجبنا أحد عن هذا التساؤل.
حركة التجارة أيضاً مازالت مفتوحة بين البلدين
بالرغم من إعلان الحكومة العراقية إغلاق المعابر البرية الحدودية مع إيران، وتوقف حركة التجارة بين البلدين، كإجراء احترازي، فإن المسؤولين في إيران أعلنوا عكس ذلك تماماً.
فعلى سبيل المثال، صرّح يحيى إسحاق، رئيس غرفة التجارة الإيرانية العراقية، إلى وسائل الإعلام الإيرانية قائلاً "إن جميع عمليات تصدير البضائع الإيرانية إلى العراق غير معطلة".
ويقول مجيد الحريري، عضو غرفة التجارة الإيرانية لـ"عربي بوست"، إن الحدود الإيرانية العراقية لم تغلق ساعة واحدة أمام حركة التجارة.
ووفقاً للحريري، هناك معبر واحد فقط، وهو معبر سومار هو الذي تم إغلاقه بشكل جزئي أمام حركة البضائع، لكن إغلاقه كان قبل تفشي فيروس كورونا بمدة طويلة، ولأسباب تتعلق بإصلاح البنية التحتية للمعبر.
حاولنا التوصل إلى أي مسؤول في غرفة التجارة العراقية، أو الحكومة، للرد على تصريحات المسؤولين الإيرانيين بخصوص حركة التجارة بين البلدين، لكننا لم نتلقّ أي إجابة.
العراق يبذل كل الجهود لمنع انتشار فيروس كورونا
مع انتشار فيروس كورونا المستجد في جميع أنحاء العالم، إلى الآن ووفقاً للأرقام الرسمية المعلنة من قبل الحكومة العراقية، لا تزال أعداد الإصابات في العراق قليلة نسبياً، ويمكن السيطرة عليها.
فقد أعلنت وزارة الصحة العراقية، يوم الثلاثاء 7 أبريل/نيسان، أن عدد الحالات التي تم تأكيد إصابتها بفيروس كورونا المستجد وصل إلى 1122 مصاباً في عموم العراق.
لكن مازال المسؤولون العراقيون قلقين من احتمالية تدهور الوضع، ففي وقت من شهر مارس/آذار الماضي، أعرب وزير الصحة العراقي جعفر علاوي عن قلقه من قلة الوسائل اللازمة بالعراق لمواجهة الفيروس.
وفي 17 مارس/آذار، أعلن مجلس الوزراء العراقي فرض حظر التجوال طوال اليوم في جميع أنحاء العراق، وتفويض حكام المحافظات بحظر السفر بين المحافظات العراقية.
لكن واجه المسؤولين مشكلة عدم امتثال عدد كبير من المواطنين لقرار حظر التجوال، في 25 مارس/آذار، حذرت القوات الأمنية في بغداد الناس من خرق حظر التجوال، والاستعداد لعقوبات كبيرة.
كما أعلنت الشرطة العراقية عن اعتقال 1542 شخصاً منذ فرض حظر التجوال وحتى نهاية شهر مارس/آذار، لانتهاكهم الحظر المعمول به.
شهد العراق حالات كثيرة لانتهاك حظر التجوال، في أثناء إحياء ذكرى وفاة الإمام الكاظم، بالرغم من تشديد القيادة الدينية العليا المتمثلة في آيه الله العظمى السيستاني على ضرورة الالتزام بتعليمات وزارة الصحة.
إلا أن الآلاف من العراقيين، ومن بينهم أتباع رجل الدين الشيعي والسياسي مقتدى الصدر، وقفوا ضد تلك الدعوات، وأصروا على الذهاب إلى مدينة النجف لإحياء المناسبة الدينية، وشهدت المدينة 44 حالة إصابة حتى يوم الثلاثاء.
ووصل الأمر إلى اشتباك الراغبين في إحياء المناسبة الدينية مع قوات الأمن، التي حاولت منعهم من إقامة الخيام والتجمع بأعداد كبيرة.