في ظل نفي نظام بشار الأسد وروسيا استخدام الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري، لجأت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية إلى فتح باب التحقيق حول تعرُّض بعض الأماكن لقصف بأسلحة محرمة دولياً، وكان منها التحقيق حول تعرض منطقة حماة الغربية لذلك، في مارس/آذار 2017.
المنظمة المعنية بمراقبة استخدام الأسلحة الكيماوية، المعروفة اختصاراً بـ(O.P.C.W)، شكَّلت فريقاً من البحث، بدأ العمل في عام 2018، لينتهي في الأربعاء 8 أبريل/نيسان 2020، إلى نتيجةٍ مفادها في تقريره الأول، أن سلاح الجو السوري استعان بطائرات عسكرية من طراز سوخوي-22 الروسية وطائرة هليكوبتر في إسقاط قنابل تحتوي على الكلور السام وغاز السارين على قرية بمنطقة حماة الغربية في مارس/آذار 2017.
مدينة دوما كذلك: حماة لم تكن المدينة الوحيدة التي طالها تحقيق من جانب منظمة حظر الأسلحة الكيماوية؛ بل إن مدينة دوما أيضاً كانت محل تحقيق للمنظمة، ففي تقرير لـ"عربي بوست" في الأول من مارس/آذار 2019، ذكرت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أن مفتشيها خلصوا إلى أن "مادة كيماوية سامة" تحتوي على الكلور استُخدمت في قصف دوما بسوريا في أبريل/نيسان 2018.
كانت دوما في ذلك الوقت خاضعة لسيطرة جماعات من المعارضة المسلحة وتحاصرها قوات موالية لنظام الأسد، وأسفر الهجوم الذي وقع في السابع من أبريل/نيسان 2018، عن مقتل عشرات المدنيين، ودفع بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة إلى توجيه ضربات جوية لأهداف تابعة للحكومة السورية.
في حين ألقت واشنطن بالمسؤولية على الحكومة السورية، وقالت إنها استخدمت أسلحة كيماوية. وتنفي دمشق استخدام أية أسلحة كيماوية على الإطلاق.
وخلال تحقيق بدأ منتصف أبريل/نيسان 2018، زار محققون من منظمة حظر الأسلحة الكيماوية موقعين في دوما، لإجراء مقابلات مع شهود وأخذ عينات، جرى تحليلها في معامل تابعة للمنظمة.
من المسؤول؟ لكن لم يحمّل التحقيق أي جهةٍ المسؤولية، لكن المنظمة قالت إن المعلومات التي جمعتها قدمت "أسساً معقولة للقول إن مادة كيماوية سامة استُخدمت كسلاح في السابع من أبريل/نيسان عام 2018".
أضافت في بيان: "هذه المادة الكيماوية السامة كانت -على الأرجح- الكلور الجزيئي".
التقرير الجديد: لكن في تقرير المنظمة الجديد، (8 أبريل/نيسان)، يكشف دون تورية،عن مسؤولية نظام بشار الأسد وبشكل واضح عن استهداف حماة بالسلاح الكيماوي، وهي خطوة إيجابية من الممكن أن تتخذ المعارضة السورية بناء عليها إجراءات لمقاضاة نظام بشار الأسد دولياً.
نظام بشار الأسد: وكالعادة، نفى مسؤولون في حكومة بشار الأسد وروسيا الداعم الرئيسي له، مراراً استخدام الأسلحة الكيماوية، واتهموا مقاتلي المعارضة بشن هجمات لتوريط القوات السورية.
وفي حين لم تردَّ بعثة سوريا بالأمم المتحدة في نيويورك على طلب للتعليق، لم يصدر أي رد فعل من دمشق على التقرير.
لجنة التحقيق: من جانبها قالت اللجنة التي عارضت موسكو ودمشق تشكيلها، إن أكثر من 100 شخص تضرروا من الهجمات التي شُنت على بلدة اللطامنة، في 24 و25 و30 مارس/آذار 2017.
حيث جاء في ملخص للتقرير، أن الكتيبة 50 من الفرقة 22 لسلاح الجو السوري أسقطت قنابل من الجو من نوع "إم4000″، تحتوي على غاز السارين فوق البلدة، وبرميلاً يحتوي على الكلور على مستشفى. وأشار التقرير إلى أن الهجمات انطلقت من قاعدتي الشعيرات وحماة الجويتين.
شخصيات مسؤولة: في حين حدد محققو منظمة حظر الأسلحة الكيماوية الشخصيات المسؤولة عن الهجمات، تم حجب الأسماء من التقرير الذي وُزِّع، الأربعاء، على الدول الأعضاء بالمنظمة وعددها 193 دولة.
في حين قال رئيس لجنة التحقيق، سانتياغو أوناتي لابوردي، في بيان: "هناك أسس معقولة لاعتقاد أن مستخدمي السارين كسلاح كيماوي باللطامنة في 24 و30 مارس/آذار 2017 واستخدام الكلور كسلاح كيماوي في 25 مارس/آذار 2017، هم أفراد من سلاح الجو السوري".
أضاف لابوردي: "هجمات بمثل هذه الطبيعة الاستراتيجية تقع فقط بناء على أوامر من سلطات أعلى بقيادة الجيش العربي السوري".
كذلك قال فرناندو أرياس رئيس منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، إن فريق تحديد الهوية ليس جهة قضائية، والأمر متروك لأعضاء المنظمة والأمين العام للأمم المتحدة والمجتمع الدولي "لاتخاذ أي تحرُّك آخر قد يرونه مناسباً وضرورياً".
مشاهد أخرى رصدتها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في تقرير لها نشرته في 8 أبريل/نيسان 2018 وترجمه "عربي بوست"، باعتبارها جزءاً من حالات هجوم النظام السوري على مناطق سورية بالأسلحة الكيماوية، ذكرت منها:
- أغسطس/آب 2013: غاز السارين
بدأ الهجوم بانفجارات في أثناء الليل. ووصف بعض الأهالي الذين سمعوا الانفجارات ونجوا منها، بأنها تشبه صوت انفجار صهريج المياه. وكتبت صحيفة The New York Times في ذلك الحين: "ثم ظهرت الرائحة، التي أحرقت العيون والحلق، كما لو كانت رائحة بصل أو كلور".
في حين ذكرت جماعات المعارضة أن صواريخ تحمل أسلحة كيماوية أصابت مدن عين ترما زملكا وجوبر والمعضمية. وأظهرت الصور ومقاطع الفيديو التي انتشرت على شبكة الإنترنت مئات الجثث التي لا تظهر بها جروح واضحة. فقد عانى عديد من الضحايا من القيء وإفراز اللعاب الشديد والاختلاج والاختناق. ويُعتقد أن المواد الكيماوية المستخدمة كانت مزيجاً من غاز الأعصاب السام المعروف باسم السارين وغيره من المواد الأخرى.
ونشر نشطاء المعارضة أيضاً صوراً للصواريخ التي ذكروا أنها استُخدمت خلال الهجوم. وكان أكبر عدد من الضحايا من نصيب الغوطة الشرقية.
- أبريل/نيسان 2014: الغاز السام
أدى الهجوم على قرية كفر زيتا إلى اندفاع كثير من المرضى المصابين بالاختناق إلى المستشفيات، وذكر التلفزيون السوري والنشطاء المناهضون للحكومة، أنه تم استخدام الغاز السام في القرية الخاضعة لسيطرة المعارضة بالمنطقة الشرقية لحماة.
وفقاً لما ذكره نشطاء المعارضة، فقد أسقطت الطائرات الحكومية القنابل على القرية؛ وهو ما أدى إلى انتشار دخان كثيف له رائحة الكلور. وألقى تلفزيون سوريا الرسمي اللوم في الاعتداء، على جبهة النصرة، التابعة لتنظيم القاعدة بسوريا.
ذكرت منظمة حظر الأسلحة النووية، في بيان لها، في سبتمبر/أيلول 2014، أنها جمعت الأدلة على استخدام الكلور كسلاح "بصورة منتظمة ومتكررة" في ثلاث قرى شمال سوريا خلال أبريل/نيسان. وذكر تقرير صادر عن الأمم المتحدة أيضاً أن الاعتداءات بغاز الكلور قد وقعت خلال شهري أبريل/نيسان ومايو/أيار.
- مايو/أيار 2015: غاز الكلور
في ربيع 2015، أي بعد عامين من موافقة الأسد على القضاء على مخزون الأسلحة الكيماوية بسوريا، غمرت رائحة الغاز مدينة سرمين السورية؛ وهو ما أدى إلى تعرُّض سكان المدينة للاختناقات.
خلال شهر مايو/أيار، بدأ عمال الإنقاذ إطلاق أجهزة الإنذار. فقد كانت هناك أدلة متزايدة على استهزاء الحكومة بالقانون الدولي وإسقاط قنابل غاز الكلور على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. ويتم إسقاط المواد الكيماوية داخل براميل تنفجر بمجرد ارتطامها وتنشر سحباً من الغاز. ويصيب الغاز الجهاز التنفسي، ويمكن أن يؤدي في بعض الحالات إلى الاختناق والموت، من جراء امتلاء الرئتين بالسوائل.
- أغسطس/آب 2015: غاز الخردل
في وقت لاحق من عام 2015، ذكرت الجمعية الطبية السورية الأمريكية أنها استقبلت أكثر من 50 مريضاً، 23 منهم تظهر عليهم أعراض التعرض لمادة كيميائية.
كان البعض يعانون من بثرات ترتبط بغاز الخردل بعد الاعتداء على مدينة ماري. وألقى تقرير الأمم المتحدة اللوم في الاعتداء، على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
- سبتمبر/أيلول 2016: غاز الكلور
أدى هجوم آخر عام 2016 إلى مصرع شخصين على الأقل، حينما تم إسقاط براميل تحتوي على غاز الكلور، على المنطقة الخاضعة لسيطرة المعارضة في حلب.
ويعد استخدام غاز الكلور محظوراً، ولكنه غير مدرج ضمن اتفاقية القضاء على الأسلحة الكيماوية بسوريا؛ نظراً إلى تعدد استخداماته السلمية أيضاً.
- أبريل/نيسان 2017: غاز السارين
لقي عشرات الأشخاص، ومن بينهم أطفال، حتفهم في 4 أبريل/نيسان 2017، في خان شيخون شمال سوريا، في حين أصيب مئات، فيما وصف بأسوأ اعتداء كيماوي على مدار سنوات.
في هذه المرة، شكك الأطباء وعمال الإنقاذ في أمر ما، يتجاوز غاز الكلور. وسرعان ما أكد وزير الصحة التركي، في تقرير مبدئي، وجود غاز الأعصاب المعروف باسم السارين في دماء وبول الضحايا الذين تم نقلهم إلى تركيا.
نتيجة لذلك، أصدر الرئيس ترامب أوامره بشن ضربة عسكرية أطلقت 59 صاروخ توماهوك على مطار الشعيرات، الذي انطلقت منه الطائرات التي ألقت الأسلحة الكيماوية.
وأعرب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن تشكيكه في وقوع الاعتداء، وذكر أن نظام بشار الأسد ليس وحده من يمتلك الأسلحة الكيماوية؛ بل يمتلكها أيضاً المقاتلون. واتهم البيت الأبيض روسيا بالتورط في التغطية وإخفاء الحقائق.
- أبريل/نيسان 2018: "المواد الكيماوية"
في أحدث وقائع العنف، لقي عشرات السوريين مصرعهم خلال الاعتداء الكيماوي المشتبه به على ضاحية دوما الخاضعة لسيطرة المعارضة، بحسب ما ذكرته جماعات المساعدة.
ذكر الدفاع المدني السوري والجمعية الطبية السورية الأمريكية، في تقرير مشترك، أن أكثر من 500 شخص قد توجهوا إلى المراكز الطبية في أعقاب الاعتداء، "حيث ظهرت أعراض تشير إلى التعرض لمادة كيميائية". وتضمنت الأعراض مشاكل في التنفس ورغوة بالفم وحرقة في العين، و"انبعاث رائحة تشبه رائحة الكلور".
لكن ما هي منظمة حظر الأسلحة الكيماوية؟
تُعد المنظمة إحدى المجموعات القليلة التي حازت جائزة نوبل للسلام، إذ حصلت عليها عام 2013، لكن ما هي المنظمة؟ وكيف يعمل محقِّقوها؟ وما الثقل الذي تحظى به نتائجها؟
تعمل المنظمة في 192 دولة حول العالم، وهي التي وقَّعت على اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية، وهو اتفاق دولي "يحظر استخدام، وتطوير، وإنتاج، وتخزين، ونقل الأسلحة الكيماوية".
يتمثَّل دور المنظمة في مراقبة الامتثال للاتفاقية، والعمل على تخليص العالم من الأسلحة الكيميائية، كما أنَّ لها أيضاً دوراً في التأكد من التخلص منها.
تصف المجموعة نفسها بأنَّها "منظمة دولية مستقلة تتمتع بإدارةٍ مستقلة، وتجمعها علاقة عمل بالأمم المتحدة".