يبدو أن جدل دواء "الملاريا" وفاعليته للمصابين بفيروس كورونا قد خَفتَ نوعاً ما في أوروبا، لكنه بات في أوجه بالولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن جعله الرئيس دونالد ترامب "حلاً سحرياً" للمرضى، وردّد في أكثر من مناسبة أنه "فعال للعلاج، وأظهر الكثير من المؤشرات الإيجابية".
تصريحات الرئيس الأمريكي ما لبِثث أن أشعلت الخلافات بين العديد من الأوساط الطبية في البلاد، وقسمت الجسم الطبي في أمريكا بين مؤيد لتوجه الرئيس ومعارض له، خاصة أن العديد من الأبحاث والدراسات العلمية شكّكت في فاعليته، بل دقت ناقوس الخطر بخصوص الأضرار الجانبية الوخيمة التي يمكن أن يسببها.
ففي ظهورٍ نادرٍ له، حسب تقرير لصحيفة "نيورورك تايمز" الأمريكية، يوم الثلاثاء 7 أبريل/نيسان 2020، حضر الرئيس دونالد ترامب إلى غرفة عمليات البيت الأبيض، يوم الأحد 5 أبريل/نيسان، بينما كان فريق عمل التعامل مع جائحة فيروس كورونا المستجد يجتمع لمناقشة دواء الملاريا الذي روَّج الرئيس له بقوة على أنه علاج لفيروس كورونا المستجد مؤخراً، في الوقت الذي تشير فيه العديد من التقارير إلى أن دوافع تشجيع ترامب لهذا الدواء تجارية محضة ومرتبطة بمصالح مالية.
"حدس" ترامب وتحذيرات العلماء
نقلت الصحيفة وفقاً لشخص اطّلع على تفاصيل اللقاء، تحذيرات الخبراء مرة أخرى من الإفراط في بيع دواء لم يثبت أنه علاج آمن بعد، وبالأخص لمرضى القلب، وهو الأمر الذي أقر به الرئيس الأمريكي فعلاً بالقول "نعم، النقطة المتعلقة بالقلب".
لكنه ما لبث أن غادر الاجتماع، حتى وقف أمام الكاميرات وروَّج للدواء بالرغم من كل شيء، بل اعترف للصحفيين في إحاطته الإعلامية اليومية: "ما الذي أعرفه؟ أنا لست طبيباً، لكنني أتمتع بحسن الإدراك".
وبدعم من مستشاره التجاري لاري إليسون، اعتبر ترامب الدواء علاجاً سحرياً للفيروس الذي قتل الآلاف وشلّ الحياة الأمريكية.
وفي هذه الأثناء أثار ترامب جدلاً دولياً حول الدواء الذي يختبره باستماتة العديد من الأطباء في نيويورك وأماكن أخرى على مرضى "كوفيد-19″، حتى من دون دراسات علمية قاطعة.
وفي هذا السياق، قال الدكتور جوشوا روزنبيرغ، طبيب الرعاية الحرجة في مستشفى بروكلين: "أتفهم بالفعل السبب الذي يجعل الرئيس يدفع بهذه المسألة، فهو رئيس الولايات المتحدة، وعليه أن يحيي الأمل، وحين تكون في موقف يخلو من الأمل تتخذ الأمور منحى سيئاً، لذا أنا لا ألومه على الضغط في هذا الاتجاه، حتى لو لم يكن هناك الكثير من الأدلة العلمية التي تدعمه، لأنه في الموقف الحالي هذا أفضل خيار مطروح نستغله".
أمل كاذب ومخاوف لمرضى آخرين
قال طبيب كبير في مركز وايكوف الطبي في بروكلين، حيث لا يقدِّم الأطباء هذا الدواء كعلاج للفيروس، إنَّ الطلب الحالي على الدواء يثير قلق المرضى الذين يعانون من أمراض الروماتيزم المزمنة.
وفي مستشفى سانت بارناباس في برونكس، قال طبيب آخر إنَّ طاقمه كان يعطيه لمرضى فيروس كورونا المستجد، لكنهم انتقدوا الرئيس وحاكم نيويورك أندرو كومو بسبب "التشجيع" على استخدام الدواء من دون وجود دليل، معتبراً أن "الأمل الكاذب يمكن أن يكون سيئاً أيضاً".
من جانبها، غيّرت منظمة The International Society of Antimicrobial Chemotherapy، المنظمة المختصة التي نشرت دراسة إيجابية فرنسية التي استشهد بها حلفاء الرئيس ترامب، غيرت رأيها في الأيام الأخيرة بخصوص هذا الدواء، مشيرة إلى أن المقال لا يفي "بالمعايير المتوقعة للمنظمة".
أما في السويد، وحسب صحف محلية، فإن بعض المستشفيات في البلاد توقفت عن تقديم عقار الهيدروكسي كلوروكوين لعلاج فيروس كورونا المستجد، عقب صدور تقارير عن إحداثه آثاراً جانبية عكسية.
الدكتور فوسي يحذر
قال الطبيب ميتشيل كاتز، المدير التنفيذي لمجموعة ﺍﻟﻣﺳﺗﺷﻔﻳﺎﺕ ﻭﺍﻟﺭﻋﺎﻳﺔ ﺍﻟﺻﺣﻳﺔ في مدينة نيويورك، المسؤولة عن إدارة المستشفيات العامة، إنَّ المجموعة لا تُلزِم الأطباء باستخدام عقار الهيدروكسي كلوروكوين، لكن توصيهم بذلك استناداً إلى تجربة كشفت أنه يساعد في تقليل السعال والحمى، لكنه تسبب في آثارٍ جانبية طفيفة عند مريضَيْن.
كما أعرب الدكتور فوسي، كبير العلماء الأمريكيين، عن قلقه، الأسبوع الماضي. وقال في حديث لشبكة Fox News، يوم الجمعة 3 أبريل/نيسان: "أعتقد أننا يجب أن نحذر من عدم القيام بهذه القفزة النوعية، ونفترض أنَّ هذا عقار حاسم للقضاء على الفيروس، فما زلنا بحاجة إلى إجراء الدراسات التي تثبت إثباتاً قاطعاً ما إذا كان أي تدخل دوائي، وليس هذا التدخل فقط، آمناً وفعالاً حقاً".
لكن في إحاطته الإعلامية عقب الاجتماع، قال ترامب إنه من الخطأ الانتظار لحين إجراء تلك الدراسات التي يرغب فيها فوسي، وأضاف: "ليس لدينا الوقت، ليس لدينا حتى ساعتان لأنَّ الكثير من الأشخاص يموتون الآن".
وربما يتبيّن في النهاية أنَّ ترامب محق، ويخرج الأطباء بأدلة قصصية عن فاعلية الدواء، تحيي الأمل في النفوس، لكن ذلك لا يزال غير مؤكد، وإصرار الرئيس في دعم فاعلية الدواء على خلاف رأي مستشارين مثل الدكتور أنتوني فوسي، أكبر مختصي الأمراض المعدية في الحكومة، قد دق إسفيناً بين أعضاء فريق عمل البيت الأبيض للتعامل مع فيروس كورونا المستجد، وأثار تساؤلات حول دوافع ترامب.
مصالح مالية متشابكة وأهداف تجارية
إذا اعتُمِد هيدروكسي كلوروكوين علاجاً للفيروس، فالعديد من شركات الأدوية ستنتفع من ذلك، بما في ذلك مساهمون ومديرون تنفيذيون كبار لهم صلات بالرئيس، إلى جانب أنَّ ترامب نفسه يمتلك مصالح مالية شخصية في شركة Sanofi الفرنسية لتصنيع الأدوية، التي تنتج عقار بلاكونيل، الاسم التجاري لمادة هيدروكسي كلوروكوين.
وقال ترامب إنَّ الحكومة الفيدرالية ستُوزِّع 29 مليون جرعة من العقار، وأشار إلى أنه اتصل برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي طالباً استيراد المزيد.
إلى جانب ذلك، بعض زملاء ترامب لديهم مصلحة مالية وراء اعتماد هذا العقار علاجاً للفيروس، إذ من بين أكبر المساهمين في شركة Sanofi، هي Fisher Asset Management، شركة الصناديق المشتركة التي يديرها كين فيشر، أحد أهم المانحين للجمهوريين، ومنهم ترامب.
وأحد المستثمرين الآخرين في كل من Sanofi وشركة Mylan للأدوية شركة Invesco لإدارة الاستثمارات، التي كان يديرها في السابق وزير التجارة الحالي ويلبر روس.
وقال روس، في بيان يوم الإثنين 6 أبريل/نيسان، إنه "لم يكن على علم بأنَّ Invesco لديها أية استثمارات في الشركات المنتجة للدواء، ولم يكن لدي يد في قرار استكشاف هذا العقار علاجاً" للفيروس.
وكان الرئيس ترامب قد أفاد العام الماضي بأنَّ الصناديق الائتمانية الثلاثة المملوكلة لعائلته لديها استثمارات في Dodge & Cox mutual Funds، التي تستثمر أكبر حصة لها في شركة Sanofi.
بالإضافة إلى ذلك تستعد العديد من شركات تصنيع الأدوية العامة لإنتاج أقراص هيدروكسي كلوروكوين، بما في ذلك Amneal Pharmaceuticals، التي يمتلك مؤسسها المشارك شيراج باتيل عضوية في ملعب ترامب الوطني للغولف في منطقة بيدمينستر بولاية نيوجيرسي، وقد لعب مع ترامب مرتين على الأقل منذ أن أصبح رئيساً، وفقاً لشخص رآهما معاً.