عندما تقدم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس، الإثنين 6 أبريل/نيسان 2020، بتقرير تحدث فيه عن قصف المنشآت المدنية الحيوية في سوريا وعلى رأسها المستشفيات، أثار مواقف سلبية من منظمات حقوقية لأنه لم يشر صراحة إلى دور روسيا المباشر في قصف المرافق الطبية.
لكن حسابات الدول والمنظمات الدولية وتقاريرها مختلفة تماماً عن حسابات السوريين الآن، سواء الذين يعيشون في مناطق نظام بشار الأسد أو المعارضة، والذين يواجهون وحدهم خطر تفشي فيروس كورونا، الذي تتوقع منظمة الصحة العالمية انفجاراً بأعداد الإصابات بينهم، ليجدوا أنفسهم أمام سؤال مصيري: "أين سيُعالج مرضى كورونا في سوريا؟".
خلف هذه الإجابة عن السؤال حصيلة مرعبة لعدد المستشفيات التي دمرتها العمليات العسكرية لنظام بشار الأسد وحلفائه، وسيناريو في غاية السوء لأعداد الناس الذين يُحتمل إصابتهم بكورونا، والتي تفوق قدرة النظام الصحي المتهالك في سوريا، الذي سينهار في حال التفشي الكبير للفيروس.
المشهد العام: يرجح مسؤولون أمميون، ومن بينهم روزماري ديكارلو مسؤولة الشؤون السياسية بالأمم المتحدة، إلى احتمال أن يترك فيروس كورونا أثراً مدمراً في سوريا، وكتبت روزماري في تغريدة على تويتر: "إن كان هناك أحد بحاجة -ويا للعجب- إلى سبب لوقف القتال هناك، فها هو"، وفقاً لوكالة رويترز.
أما غير بيدرسون، مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا، لمجلس الأمن، فقال إنه "بعد عنف رهيب يسود هدوء غير مستقر على الأرض، يواجه السوريون الآن تهديداً مدمراً جديداً، وهو كوفيد 19".
وعندما بدأت الحالات الأولى من كورونا بالظهور في سوريا قال مارك لوكوك، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، إنها ليست "سوى قمة جبل الثلج"، ومن المتوقع أن يكون هناك "تأثير مدمر" لذلك على المجتمعات الضعيفة.
أشار لوكوك إلى أن حوالي نصف مستشفيات الدولة ومرافق الرعاية الصحية كانت تعمل بكامل طاقتها في نهاية عام 2019، لكن ما تحدثت عنه عشرات المنظمات السورية من أرقام عن خسائر القطاع الصحي تشير إلى خسائر أكبر من التقديرات الموجودة لدى الأمم المتحدة.
السيناريو الأسوأ: في حال تحولت مخاوف مسؤولي الصحة في العالم بسوريا إلى واقع، فمن المُحتمل أن تكون مناطق المعارضة الأكثر تضرراً، هنالك حيث شهدت المناطق قصفاً متواصلاً على مدار سنوات من طائرات نظام بشار الأسد وروسيا.
أحمد الدبس من منظمة "أوسوم" الطبية ومقرها أمريكا، يقول إن القتال في سوريا خلال 9 سنوات أدى إلى تدمير معظم المنشآت الصحية في المنطقة، ولم يترك سوى 175 جهاز تنفس، في وقت يعيش في الشمال السوري ما لا يقل عن 3.5 مليون شخص، ويفتقر هؤلاء إلى أساليب الوقاية من الفيروس.
يتساءل الدبس: "دول مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا ودول أخرى لم تستطع الهروب من أزمة فيروس كورونا، فكيف سيكون الحال في شمال غرب سوريا؟".
أما السيناريو الأكثر سوءاً فتحدث عنه أطباء في المنطقة لصحيفة New York Time، عندما قالوا إنه بحسب التقديرات فمن المُحتمل أن يُصاب في إدلب مليون شخص، وأنه قد يقتل الفيروس ما بين 100 ألف إلى 120 ألف شخص، متحدثين عن حاجة ماسّة لأجهزة التنفس الصناعي.
في هذا الصدد، قال الطبيب عبدالرزاق زقزوق، من منظمة الجمعية الطبية السورية الأمريكية، لصحيفة New York Time: "لسوء الحظ ليس لدينا أماكن للحجر الصحي في شمال سوريا، إذا كانت هنالك أية حالة من فيروس كورونا فإن الوضع سيكون مأساوياً".
كم خسرت سوريا من المشافي؟ في بيان عاجل إلى المجتمع الدولي أصدرته لـ70 منظمة مجتمع مدني سورية، تمت دعوة الأمم المتحدة إلى حماية السوريين من جائحة فيروس كورونا، مشيرةً إلى هشاشة كبيرة في القطاع الصحي بسوريا.
أكدت المنظمات أنه لا يعمل سوى 64% من المستشفيات، و52% من مراكز الرعاية الصحية الأولية، متحدثة عن تسجيل 595 هجوماً على 350 منشأة صحية في سوريا منذ عام 2011، مضيفةً أن 90% من الهجمات نفذها النظام وحلفائه، فضلاً عن قتل ومغادرة مئات الكوادر الطبية، وهذه الإحصاءات أكدتها أيضاً منظمة الصحة العالمية.
تُظهر إحدى الصورة التي نشرتها صفحات موالية للنظام عن ضعف النظام الصحي في سوريا مع بدء انتشار فيروس كورونا، فالإصابات بسوريا لم تتجاوز الـ 20، ورغم ذلك بدأ النظام يُجهز صالة رياضية كبيرة في دمشق، وضع بها أسرَّة تعزل بينها ألواح خشبية فقط.
الحلقة الأضعف: يتوقع أن يكون اللاجئون والنازحون السوريون الأكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا، وتقول الأمم المتحدة إن عدد النازحين داخلياً في سوريا تجاوز الـ 6.5 مليون شخص، وأكثر من مليون مدني (معظمهم نساء وأطفال) يقيمون على طول الحدود مع تركيا في شمال غرب سوريا في العراء أو في خيام مكتظة أو في مخيمات مؤقتة.
يُعدّ الحصول على الماء النظيف أو الصرف الصحي محدوداً للغاية في تلك المناطق. أما في سائر أنحاء البلاد، وفي أماكن أخرى من البلاد، فلا يزال عشرات الآلاف محتجزين في ظل محدودية فرص الوصول إلى الرعاية الطبية، بما في ذلك 70 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، في مخيم الهول شرق سوريا.