بعد أزمة المهاجرين يضع وباء كورونا وحدة الاتحاد الأوروبي على المحك، إذ تدين دول جنوب القارة "أنانية" دول الشمال التي تهدد مستقبل أوروبا، وانعكس ذلك على تصريحات زعماء أوروبيين حذروا من مستقبل قاتم للاتحاد، كنتيجة لتبعات الفيروس القاتل الذي يتفشى بالقارة العجوز وبقية دول العالم.
الصورة الكبيرة: تعجز دول الاتحاد الأوروبي عن الاتفاق على خطة مالية مشتركة قوية، في مواجهة أزمة صحية غير مسبوقة، يبدو أنها ستسبب ضرراً كبيراً على اقتصاد التكتل، وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية.
فالرئيس السابق للمفوضية الأوروبية جاك دولور، حذر من أن "المناخ الذي يبدو سائداً بين رؤساء الدول والحكومات، وغياب التضامن الأوروبي، يمثلان تهديدا قاتلاً للاتحاد الأوروبي".
خرج دولور (94 عاماً) الذي شغل سابقاً منصب وزير الاقتصاد الفرنسي وترأس المفوضية الأوروبية بين 1985 و1995 عن صمته، لإطلاق تحذير "الجرثومة عادت من جديد".
فعلى غرار ما حصل خلال أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو، التي بدأت عام 2010 في أعقاب أزمة 2008 المالية، عاد الشرخ القديم للظهور بين دول الشمال، مثل ألمانيا وهولندا، التي لها سياسة مالية عمومية سليمة، وبين دول الجنوب على غرار إيطاليا وإسبانيا، وحتى فرنسا التي تتهم بالتراخي في تطبيق القواعد الضابطة للموازنة.
تصريحات غاضبة: رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي، الذي تعد بلاده الأكثر تضرراً في العالم من الفيروس من حيث عدد الوفيات التي تجاوزت 10 آلاف، وجّه دعوة إلى الاتحاد الأوروبي "لكي لا يرتكب أخطاء مأساوية".
أضاف في تصريح إلى جريدة "إل سولي 24″، السبت 28 مارس/آذار 2020: "يوجد خطر بأن يفقد الاتحاد الأوروبي سبب وجوده".
كذلك عبّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن الخشية ذاتها، وقال في تصريحات لصحف إيطالية، الجمعة 27 مارس/آذار 2020: "لن نتغلب على هذه الأزمة دون تضامن أوروبي قوي على مستوى الصحة والموازنة".
كما تساءل ماكرون: "هل يُختصر الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو بمؤسسة مالية ومجموعة قواعد شديدة المرونة، تسمح لكل دولة بالتصرف بشكل أحادي؟ أم نتصرف معاً لتمويل مصروفاتنا وحاجاتنا خلال هذه الأزمة المصيرية؟".
من جانبه، نقل دبلوماسي عن الرئيس الفرنسي تحذيره لزعماء الاتحاد الأوروبي، وقال إن تفشي فيروس كورونا يهدد الدعائم الأساسية للتكتل، مثل منطقة الحدود المفتوحة، إذا لم تُبدِ دول التكتل تضامناً في هذه الأزمة، وفقاً لما ذكرته وكالة رويترز.
المصدر -الذي لم تذكر الوكالة اسمه- أضاف أن ماكرون أبلغ قادة الاتحاد البالغ عددهم 26، خلال مؤتمر صحفي عُقد على الهاتف: "المشروع الأوروبي معرض للخطر… التهديد الذي نواجهه هو القضاء على منطقة الشنغن".
المشهد عن قرب: كانت تسع دول أوروبية بينها فرنسا وإيطاليا، دعت الأسبوع الماضي، إلى اعتماد قرض مشترك لجميع دول الاتحاد الأوروبي، يعزز مكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد، مشددة الضغط على ألمانيا المعارضة لأي تشارك في الديون.
تشير الوكالة الفرنسية إلى أنه منذ وقت طويل، تطالب دول جنوب أوروبا المتدينة، على غرار إيطاليا، بتشارك الديون، لكنها تواجَه برفض دول شمال القارة، وتواجه الدول التي تعاني اختلالاً مالياً صعوبة في الاقتراض من الأسواق، إذ يطالبها المستثمرون القلقون على استرداد أموالهم بنسب فائدة أكثر ارتفاعاً لإقراضها.
لكن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الحكومة الهولندي مارك روتي لا يريدان البحث في الموضوع حالياً، وسيخضع هذان المسؤولان للمساءلة من برلمانيي بلديهما بخصوص الالتزامات التي قدماها خلال الأزمة، ويخشيان أن يصب التضامن مع دول الجنوب في صالح الأحزاب الشعبوية الصاعدة في ألمانيا وهولندا.
كبديل، تدعو ميركل وروتي إلى اللجوء إلى صندوق إنقاذ منطقة اليورو (آلية الاستقرار الأوروبية) الذي يمكن أن يوفر خط تمويل للدول التي تواجه صعوبات.
لكن إيطاليا، الدولة الأكثر مديونية في منطقة اليورو (130% من الناتج الداخلي الخام) بعد اليونان، تعارض ذلك لأن ديون الصندوق تترافق عادة مع شروط صارمة.
من ناحية أخرى، تخشى روما أن يرسل اللجوء إلى الصندوق إشارة سلبية للأسواق تعطيها انطباعاً بأنها تتلقى مساعدة، وفي هذه الأثناء، تتزايد الأصوات في ألمانيا وهولندا أيضاً لإظهار تضامن أكبر.
فخلال حوار مع صحيفة "بيلد" الألمانية، عبر وزير الخارجية والاقتصاد الألماني السابق، الاشتراكي الديمقراطي زيغمار غابرييل، عن خشيته من أن يرى "أوروبا تتفكك"، وأضاف "إن لم نكن مستعدين الآن لتقاسم ثروتنا لا أعلم ماذا سيحصل لأوروبا".
أما رئيس البنك المركزي الهولندي كلاس نوت، فتوجه إلى مارك روتي قائلاً "المنزل يحترق. يجب بذل جميع الجهود الآن لإخماد النار".