"أنت متورط في اغتيال سليماني"، اتهام صريح وجَهه تقرير سري لتنظيم حزب الله العراقي لرئيس المخابرات العراقية مصطفى الكاظمي، في ظل تصعيد من قِبل حلفاء إيران ضد الكاظمي، الذي يتهمونه بأنه رجل أمريكا.
وذكرت مصادر خاصة لـ"عربي بوست"، أن هناك تقريراً سرياً أعده تنظيم "حزب الله" بالعراق، يتهم المخابرات العراقية ورئيسها مصطفى الكاظمي بالتورط في اغتيال كل من قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، الذي كان يعتبر الرجل الثاني بميليشيات الحشد الشعبي، بل كان المسؤول عن جميع العمليات التي نفذها الحشد الشعبي.
ويزعم التقرير السري الذي أعده الحزب، أن عملية قُتل قاسم سليماني وأبومهدي المهندس التي تمت في 3 يناير/كانون الثاني 2020، بعد غارة جوية أمريكية استهدفت موكبهما قرب مطار بغداد- تمت بإيعاز من مصطفى الكاظمي وبسبب المعلومات التي قدمها للقوات الأمريكية.
من هو مصطفى الكاظمي؟ وكيف وصل إلى هذا المنصب الحساس؟
وينتمي الكاظمي إلى الطائفة الشيعية، وتسلَم منصب جهاز المخابرات الوطني العراقي منذ 7 يونيو/حزيران 2016. وكان معارضاً لنظام صدام، وعاش في المنفى عدة سنوات، وهو حاصل على درجة البكالوريوس في القانون، وسبق أن عُيِن مديراً تنفيذياً لمؤسسة الذاكرة العراقية، ورُشِح لمنصب رئيس الوزراء بعد الاحتجاجات العراقية.
ويُعرف عن الكاظمي أنه صاحب دور مهم في توثيق جرائم النظام العراقي السابق في أثناء عمله مديراً تنفيذياً لمؤسسة الذاكرة، حيث اكتسب خبرة في توثيق الشهادات عن الأحداث المفصلية التي مر بها العراق.
وكان رئيس ائتلاف الوطنية العراقي، إياد علاوي، قد دعم شخصية مصطفى الكاظمي للدفع به نحو منصب رئاسة الوزراء العراقية، إلا أن علاوي اعتبر في تصريحات متكررة، أن منصب رئيس الوزراء لا يمكن أن يمرَر من دون موافقة إيران، في إشارة منه إلى أن الكاظمي لن يحظى بالقبول الإيراني.
قصة اتهامه بالتورط في اغتيال سليماني
التقرير الذي أعده حزب الله العراقي يحتوي على معلومات ودلائل خاصة تثبت تورط الكاظمي بشكل مباشر في عملية مقتل القياديين البارزين، حسبما قالت المصادر لـ"عربي بوست".
وتقول هذه المصادر إن الكاظمي المدعوم شخصياً من الولايات المتحدة الأمريكية، ساعدهم في عملية الاغتيال، من خلال تقديم معلومات حول تنظيم "حزب الله" بالعراق، وميليشيات الحشد الشعبي، كما ساعدهم بشكل متكرر في قصف مقرات الحشد الشعبي وحزب الله.
المصادر نفسها أكدت أن مدير المخابرات العراقية، مصطفى الكاظمي، اضطر إلى التحصن في الفترة الماضية وتحديداً بعد مقتل سليماني والمهندس، حيث كان يتردد على السفارة الأمريكية بشكل يومي، وذلك لتوفير حماية شخصية له؛ نظراً إلى الخوف الذي ينتابه بعد تلقيه تهديدات متكررة من حزب الله، بسبب تورطه في عملية الاغتيال.
الكاظمي كان من الشخصيات المرشحة لنيل رئاسة الحكومة
مصطفى الكاظمي كان من الشخصيات الوافرة الحظ لنيل رئاسة الحكومة العراقية الجديدة في الوقت الراهن، خصوصاً بعد وصول رسائل من جهات سياسية سُنية وكردية، داعمة لهذا الترشيح.
وكشفت مصادر سياسية مطلعة، أن عدداً من القوى والجهات الشيعية كانت أيضاً تسعى إلى الدفع بالكاظمي، رئيس جهاز المخابرات العراقي، لتولي رئاسة مجلس الوزراء العراقي، في ظل وصول رسائل كردية وسُنية داعمة.
لكن الكاظمي تعرَّض لهجمة كبيرة من حزب الله، الذي هدد بشن حرب شعواء على القوات والجيش العراقي إذا ما تم تمرير شخصيته لتولي المنصب.
وسبق أن هددت ميليشيا حزب الله بإشعال العراق وإعلان الحرب إذا تم ترشيح رئيس جهاز المخابرات، مصطفى الكاظمي، لمنصب رئيس الوزراء.
وردَّ جهاز المخابرات العراقي على هذه التهديدات، قائلاً إن بعض التصريحات التي تداولتها وسائل الإعلام حول رئيس الجهاز، مصطفى الكاظمي، تؤذي البلاد وتهدد السلم الأهلي، في ردٍّ على كتائب حزب الله العراقية، دون أن يسميها.
وشدد على حقه في الملاحقة القانونية "لكل من يستخدم حرية الرأي لترويج اتهامات باطلة تضر بالعراق وبسمعة الجهاز وواجباته بحفظ أمن العراق وسلامة شعبه".
ويشهد البيت الشيعي العراقي إرباكاً شديداً في العملية السياسية وفيما يتعلق بإعادة اختيار شخصية جديدة تقود "الحشد" بعد اغتيال أبومهدي المهندس، الذي يعد بمثابة قائد العمليات العسكرية للحشد الشعبي.
ويؤكد المحلل السياسي العراقي زياد السنجري لـ"عربي بوست"، أن عملية اغتيال سليماني والمهندس تعد عملية معقدة ومحكمة، مشيراً إلى وجود اختراقات كبيرة في أجهزة الأمن العراقية من قِبل أجهزة المخابرات الدولية، وعلى رأسها المخابرات الأمريكية.
ويرى السنجري أن شخصية مصطفى الكاظمي لم تعد موضع ثقة من قِبل الأمريكان؛ وذلك بعد أن بات ورقة محروقة تم استعمالها في فترات سابقة، مشيراً إلى أن الكاظمي كان قد خدم وتعاون مع المخابرات الأمريكية بشكل كبير ومكثف بعد الغزو الأمريكي للعراق وتحديداً في فترة ما بعد 2004م، إلا أنه تم استقطابه فيما بعد من قِبل الإيرانيين، وتحديداً من الحرس الثوري والاستخبارات الإيرانية "الإطلاعات"، وجعله أحد أدواتها المهمة في العراق.
ويشير السنجري إلى أن "حزب الله" بالعراق كان قد أعدَّ تقريراً سرياً فيه تفاصيل اغتيال كاملة عن سليماني والمهندس، أورد فيه ما يقول إنها إثباتات تورُّط مصطفى الكاظمي في قضية اغتيالهما، وأراد تقديمه إلى رئاسة الوزراء العراقية، إلا أن تدخُّل علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، حال دون تقديم التقرير.
ويرى أن البيت الشيعي يعاني من انقسامات وصراعات في المشهد السياسي، وهو الأمر الذي جعل علي شمخاني يزور العراق قبل أيام، حيث أثارت زيارته كثيراً من الأسئلة التي تبعث على القلق بشأن مستقبل العراق السياسي، منذ اندلاع ثورة أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، حيث يرى السنجري أن تلك الزيارة تأتي لتدارك الوضع في العراق، ولإحكام السيطرة الإيرانية على القرار السياسي، وترتيب البيت الشيعي.
وقال إن شمخاني نجح نسبياً في زيارته، واستطاع تأجيل الخلافات والمشكلات الداخلية التي يشهدها البيت الشيعي، وعلى رأسه تنظيمات وميليشيات الحشد الشعبي.
وقال إن ترشيح مصطفى الكاظمي تم استبعاده بعد أن تبين أنه "كارت محروق" من قِبل الأمريكان والإيرانيين.
وفي سياق متصل يؤكد مصدر خاص لـ"عربي بوست"، رفض الكشف عن اسمه، أن مصطفى الكاظمي أحد الأسماء التي تم طرحها بقوة، لتولي رئاسة الحكومة العراقية المقبلة، عقب عدم تمرير محمد توفيق علاوي.
وأوضح المصدر أن الإدارة الأمريكية أبدت مخاوف من تولي الكاظمي رئاسة الوزراء، وهذا يعود إلى سببين أساسيين؛ يتمثل الأول في أن منصب رئاسة الحكومة منصب مؤقت، وليس لأربع سنوات، والسبب الثاني يتمثل في مخاوف واشنطن من قيام الفصائل المسلحة، المدعومة من إيران، بتعيين شخص مقرب لها في منصب رئاسة جهاز المخابرات العراقية، بعد ترك الكاظمي للمنصب واستغلال الفراغ القادم، أُسوة بما حصل في مناصب أخرى.
تخبُّط إيراني
"هذا الاتهام سببه تخبُّط إيراني"، هكذا علّق رئيس حزب المستقبل الدستوري العراقي، انتفاض قنبر، على التقرير الذي أعده حزب الله.
وقال قنبر لـ"عربي بوست": "بعد مقتل سليماني هناك غضب وتخبُّط، وهو خليط ومزيج خطير، لأن هناك ضياعاً في الاستراتيجية الإيرانية، فلا يستطيع أحد أن يملأ الفراغ الذي تركه قاسم سليماني، وبسبب هذا الفراغ والتخبط، تحاول طهران أن تلقي اللوم على كل الأطراف التي لها علاقة مع واشنطن حتى ولو كانت طفيفة، وتسعى لتوريطها".
ويرى أن مصطفى الكاظمي له علاقات في واشنطن، خاصة مع الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية، وهذا الشيء ليس سراً؛ بل هو معروف، وتم تعيينه في هذا المركز بناء على نوع من التوازن، وإيران قبِلت به، لأنها كانت تشعر بأن العراق تماماً تحت سيطرتها وهي تستطيع أن تتحكم في أي شخص وفي أي موقع حتى لو كانت له علاقات مع أمريكا، لأنها تضمن السيطرة على تحركاته وتعلم ماذا يقول لأمريكا بالتفاصيل، ولذلك قبِلت به، لأن إيران -خاصة في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما- كانت تقوم بسياسة إرضاء إدارة أوباما بشكل أو بآخر، من خلال إنجاز صغير هنا وهناك، لكي تُبقي العلاقة الوطيدة مع إدارة أوباما التي أبرمت الاتفاق النووي مع إيران.
ولكن الوضع تغيَّر بعد انتهاء فترة أوباما ومجيء ترامب للرئاسة وبدء سياسة جديدة عدائية، وبدأت إيران تراقب وتتخوف ممن لهم علاقة مع واشنطن ومنهم مصطفى الكاظمي.
ولفت إلى أن جهاز المخابرات العراقي ليس واحداً، وهذا من مهازل الدولة العراقية بعد عام 2003، فهو جهاز متعدد الأوجه، موضحاً أن أمريكا حاولت أن تجعل هذا الجهاز موالياً لها بعد 2003 ، وجاءت بأطراف لقيادة هذا الجهاز، لتكون موالية لها وقريبة من الدوائر الأمنية والاستخباراتية الأمريكية، لكن هذا الشيء تغيَّر تدريجياً، خاصة بعد مجيء أوباما للحكم وخروج القوات الأمريكية وتوقيع معاهدة نووية بين إيران وواشنطن.
ويوضح قنبر أنه بعد خروج القوات الأمريكية من العراق، انفردت إيران بالعراق وسيطرت، ومن له ولاء لأمريكا بشكل أو بآخر، أو له علاقات معها، تم عزله واستبعاده، ومن تم إبقاؤه من المحسوبين على أمريكا كبادرة من إيران تجاه أمريكا، ومن هذه الشخصيات المحسوبة على واشنطن مصطفى الكاظمي.
معارضة لتمرير شخصية "أبو فدك"
لا يزال البيت الشيعي يشهد انقسامات ومعارضات كبيرة حول تعيين شخصية عبدالعزيز المحمداوي، الملقب بـ"أبو فدك"، رئيساً لأركان قوات الحشد الشعبي في العراق، وذلك خلفاً لأبومهدي المهندس الذي قُتل مع قاسم سليماني في غارة أمريكية ببغداد، وذلك بحسب ما أكدته مصادر خاصة لـ"عربي بوست"، أكدت اعتراض المخابرات العراقية عبر مصطفى الكاظمي، على تمرير تعيين "أبو فدك" في منصب رئيس العمليات العسكرية للحشد الشعبي، لأن "أبو فدك" محسوب بالكامل على الجانب الإيراني.
كما أن تعيين "أبو فدك" ترفضه بعض الفصائل والميليشيات العراقية التي تتوافق في هذا الشأن مع توجهات المخابرات العراقية، ومنها أربعة فصائل شيعية هي: لواء أنصار المرجعية ولواء علي الأكبر وفرقة العباس القتالية وتشكيلات فرقة الإمام علي القتالية، حيث أصدرت بياناً مشتركاً، قالت فيه: "ليس لنا علم بأي تنصيب لمنصب نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الآن".
وأضاف البيان أن اختيار بديل المهندس "يحتاج لسياقات قانونية، غير متوافرة الآن، في ظل حكومتين: إحداهما تصريف أعمال، والأخرى لم يكتمل تكليفها".
المصادر أشارت إلى أن تعيين "أبو فدك" جاء بعد اجتماع ضمَّ قادة فصائل موالية لإيران منضوية تحت مظلة الحشد العشبي مثل: ليث الخزعلي شقيق زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، والقيادي في كتائب حزب الله أبو إيمان الباهلي، وأحد قيادات منظمة بدر، أبو منتظر الحسيني، وزعيم كتائب سيد الشهداء أبو آلاء الولائي.
وتنظيم "حزب الله" بالعراق من أبرز الداعمين لشخصية "أبو فدك"، لكن الصراعات الدائرة بينه وبين المخابرات العراقية وأطراف شيعية أخرى حالت دون تمرير شخصية "أبو فدك".
ويسعى رئيس جهاز المخابرات العراقي، مصطفى الكاظمي، إلى تعطيل تمرير تعيين "أبو فدك".
وحسبما قالت مصادر عدة لـ"عربي بوست"، فإن الميليشيات المسلحة الموالية لإيران، وعلى رأسها "حزب الله"، تبدي كُرهها الواضح لشخصية مصطفى الكاظمي؛ لكونه أبرز من يطالب بحصر السلاح بيد الدولة ومحاسبة الخارجين عن القانون.
ويرى ضرورة أن يقتصر حمل السلاح على الدولة فقط، ولا يجوز لأي ميليشيا امتلاك الأسلحة؛ منعاً لنشر الفوضى في العراق، وهو الأمر الذي لا تريده تلك الميليشيات.
لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
توافق « عربي بوست » أحياناً على عدم التعريف بأسماء مصادر تقدم معلومات حساسة لقرائنا. وبموجب إرشادات الموقع، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر وذات مصداقية، وأننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، وبعضهم يتساءلون ما إذا كانت هذه المصادر موجودة أصلاً. لكن لدينا قواعد وإجراءات لمحاولة معالجة هذه المخاوف.
فبالإضافة إلى المراسل، يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر. ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم أو من ينوب عنه قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. وعندما تكون القصة مبنية على معلومة مركزية من مصدر مجهول، فيجب الموافقة عليها بشكل عام من قبل رئيس التحرير.
نحن نتفهم حذر القراء، ولكن لا يمكن أبداً الحصول على المعلومات حول العديد من القصص المهمة في مجالات حساسة، مثل السياسة والأمن القومي والأعمال، إذا استبعدنا المصادر غير المعرّفة. فالمصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية. حتى في بعض الأحيان من أجل سلامتها.
يعتقد بعض القراء أن المصادر تكون أكثر صدقاً إذا تم نشر أسمائها، ومن غير المرجح أن يكذبوا إذا تم الكشف عن هويتهم. إلا أن المراسلين في العديد من المناطق يعرفون أن العكس هو الصحيح. فالمصادر في المناصب الحساسة غالباً ما سيتحدثون ببساطة بحسب التوجهات الرسمية. وسيكونون صريحين فقط إذا كانوا يعرفون أن أسماءهم لن يتم الكشف عنها.