توصل "عربي بوست" إلى تفاصيل حالة الوفاة الثالثة نتيجة الإصابة بفيروس كورونا في مصر، التي لم تقم وزارة الصحة المصرية بالكشف عن تفاصيلها كما جرت العادة في الحالتين السابقتين، وسط حالة من التعتيم الإعلامي، بعدما حاول الأمن المصري منع نشر أي أخبار عن الموضوع والضغط على الأقارب.
حالة الوفاة الجديدة وقعت في مدينة المنصورة، شمال العاصمة المصرية القاهرة، فجر يوم الإثنين 16 مارس/ آذار، واستطاع "عربي بوست" التواصل مع بعض أقارب المتوفى ومعرفة تفاصيل ما حدث.
من نزلة برد إلى الوفاة بكورونا
إحدى قريبات المتوفى -التي رفضت ذكر اسمها- ذكرت في مكالمة هاتفية مع "عربي بوست" أن المتوفى يدعى أحمد علي عامر، في الأربعينيات من عمره، ويعمل موظفاً بمصلحة الضرائب في المنصورة، ولديه 3 أطفال.
تشير السيدة التي لم تستطع إخفاء انفعالاتها خلال المكالمة إلى أن أحمد كان يعاني من نزلة برد وسعال قبل أيام، وعندما ذهب إلى الطبيب أعطاه علاجاً بعد تشخيص حالته بأنها نزلة برد، لكن بعد مرور 4 أيام من تناول العلاج لم تتحسن صحته بل ساءت حتى أنه لم يعد يستطيع التنفس.
لم تجد زوجته التي تعمل مدرسة بإحدى المدارس الإعدادية مفراً من نقله للمستشفى، لكنها لم تجد من يساعدها في ذلك بسبب خوف الناس مما تم تداوله من شائعات في محيط الجيران، بأن الرجل يحمل فيروس كورونا الجديد.
لم يسعفها سوى صاحب توك توك، اتجه بهما إلى مستشفى بلقاس العام بمحافظة الدقهلية، وتم تشخيص الحالة بوجود انحباس في الأوكسجين ورئة متوقفة عن العمل لديه.
وبالفعل تم وضع المريض على أجهزة التنفس، وتم التعامل مع الحالة على أنها التهاب رئوي، لكن مع استمرار التدهور لعدة ساعات قام المستشفى بسحب عينة منه وأرسلها للمعامل المختصة بالقاهرة لتأتي النتيجة إيجابية بأن الرجل يحمل فيروس كورونا.
هذا الأمر أثار حالة من الارتباك داخل المستشفى، حتى تقرر نقله على وجه السرعة لمحافظة الإسماعيلية حيث يتواجد مستشفى العزل، رغم توصية الأطباء المناوبين في مستشفى بلقاس بعدم نقله لأن حالته لا تسمح بذلك كونه على أجهزة التنفس.
جاءت سيارة إسعاف مجهزة ومعها سيارة شرطة لأخذ المريض، وبالفعل نقلوه للمستشفى، وعندما كانت أسرته تتصل للاطمئنان عليه كانت الممرضات تخبرهم بأن حالته تتحسن.
جنازة سرية وإصابة الأسرة بالفيروس
ثم كانت الصدمة حين تلقت الأسرة اتصالاً هاتفياً فجر الإثنين بوفاته، وأن الجثمان سيصل إليهم فجر يوم الإثنين 16 مارس/آذار، مع التشديد عليهم بعدم الإدلاء بأية تصريحات وعدم إذاعة خبر وفاته.
ووصل الأمر إلى أن إجراءات التأمين بلغت حد عدم السماح بإقامة صلاة الجنازة عليه، وتم دفنه بواسطة اثنين من موظفي الصحة ورجلين من الشرطة يرتديان الزي المدني، وسمحوا فقط لأخيه الذي يعمل بالشرطة بالتواجد.
وتم أخذ عينات من جميع أفراد أسرته وهم زوجته وأبناؤه الثلاثة وزوج أخته، لتكون النتيجة إيجابية بالنسبة لهم جميعاً، ويتم نقلهم على وجه السرعة إلى مستشفى العزل بالإسماعيلية.
ضغط على الأقارب
"لن أصدق مرة أخرى ما يقال في أي وسيلة إعلامية في مصر".. هكذا قالت قريبة المتوفى بغضب واضح. من وجهة نظرها فإن هذه "مأساة" عاشتها بنفسها لم يقصّها عليها أحد ولن تأتي إليها كرسالة صوتية مثل التي يتم تداولها على الشبكات الاجتماعية.
وعند سؤال السيدة عن أسباب غضبها من وسائل الإعلام المصرية، قالت إنها تظن أن تلك الوسائل لا تقول الحقيقة بدليل أن قريبها وأسرته يمثلون 6 أفراد مصابين بالفيروس مات منهم واحد، فكيف نصدق الحكومة عندما تعلن أن كل المصابين في مصر 150 شخصاً وأن المتوفين اثنان فقط؟!
اختبار المحيطين بالمتوفى
وفي تصرف مسؤول من وزارة الصحة المصرية، قال أحد أقارب المتوفى -رفض الكشف عن اسمه- إن المستشفى أرسل مَن يأخذ عينات من 54 شخصاً هم إجمالي المخالطين للحالة.
لكن ما أثار قلقهم أن أحداً لم يخبرهم بنتيجة الفحص، وهو ما رفع درجة التوتر في المنطقة التي كان يسكن بها الراحل.
ويخشى أقارب المتوفى من أن تكون عمة المتوفى التى كانت عضو سابق بمجلس الشعب أيام الرئيس الراحل حسني مبارك قد أصيبت بالعدوى هي الأخرى.
لكن بعض مَن تم أخذ عينات منهم قالوا لـ"عربي بوست"، إن فرداً عرّف نفسه بأنه من الشرطة هاتفهم وقال لهم إن نتيجة التحليل سلبية.
ورغم أن مطالبة أسرة المتوفى بكتمان الحديث عن ملابسات الوفاة كان الهدف منها منع نشر الفزع في المناطق المحيطة، فإن الوساوس كانت أقوى من المنع، حيث يروي أحد الأقارب أن زميلاً للمتوفى بمصلحة الضرائب بمجرد أن سمع باحتجازه في مستشفى العزل، أسرع بالذهاب إلى مستشفى الحميات بذات المحافظة للكشف على نفسه.
لكن أطباء الطوارئ رفضوا استقباله، على حد قوله.
لكن مصدراً طبياً في المستشفى قال إن الرجل لم يكن يعاني من أية أعراض تشبه تلك التي ترافق الإصابة بفيروس كورونا المستجد وفق النشرة الطبية التي وزعتها عليهم وزارة الصحة قبل أيام، وبالتالي لم يكن هناك مبرر لاحتجازه أو حتى إرسال عينة من دمه لإجراء فحص الفيروس عليها، مضيفاً أنه لا يمكن منطقياً إجراء الفحص لأي إنسان سليم يريد إسكات وساوسه.
انتشار الخوف بين المصريين
حالة الهوس التي أصابت المصريين من انتشار فيروس كورونا المستجد المعروف علمياً باسم "كوفيد 19" امتدت إلى كل مكان. وبات الآلاف من المواطنين يتداولون قصصاً عن إغلاق أماكن معينة بعد اكتشاف إصابة عدد من العاملين فيها بالفيروس.
وكان أحدث ما استهدفته "قصص الهوس المصرية" المركز القومي للبحوث بمنطقة الدقي، وسط العاصمة، حيث قال أحد الموظفين العاملين فيه لـ"عربي بوست" إنه تم غلق مبنى إحدى الشُّعب في ظل معلومات متداولة عن أنهم يطهّرونه للمرة الثانية خلال الأيام الماضية بسبب إصابة ثلاثة من العاملين هناك بالفيروس.
19 ألف حالة إصابة محتملة والحكومة ترد
وكانت حالة من الفزع قد انتابت أعداداً كبيرة من الشعب المصري بعدما تم تداول تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية ينقل عن دراسة كندية "افتراضية" أن عدد المصابين الحقيقي في مصر بفيروس كوفيد 19 يصل إلى 19 ألف مصاب.
لكن ما فاقم الفزع هو التناقضات غير المبررة في التصريحات الحكومية، حيث أكد أسامة هيكل وزير الدولة لشؤون الإعلام، أن عدد المصابين في مصر وصلوا إلى ما يقرب من 150 حالة، 3 منهم توفوا بالفعل، لافتاً إلى أن القرارات الأخيرة التي أصدرها مجلس الوزراء هي من أجل الحفاظ على صحة المصريين والسائحين.
في نفس الوقت تقريباً نقل موقع قناة الحرة الأمريكية عن وزارة الصحة والسكان المصرية أنه تم تسجيل 16 حالة جديدة الإثنين السادس عشر من مارس/آذار مصابة بفيروس كورونا، نصفها لمصريين ونصفها الآخر لأجانب، مشيرة إلى تعافي 26 حالة من إجمالي الإصابات الـ126 التي تم تسجيلها.
وأوضح خالد مجاهد، المتحدث باسم الوزارة المصرية، أن الـ16 حالة الجديدة التي ثبتت إيجابية تحاليلها لفيروس كورونا المستجد، الأحد، هم من المخالطين للحالات الإيجابية التي تم اكتشافها والإعلان عنها مسبقاً، باستثناء حالة مصرية عائدة من إيطاليا، مضيفاً أن الحالات المكتشفة من ضمنهم 8 مصريين و8 أجانب من جنسيات مختلفة.
إجراءات لمكافحة الانتشار
من جهته قال هيكل إن قرار تعطيل الدراسة جاء لمحاصرة فيروس كورونا وعدم انتشاره في مصر، لكن بعد صدور القرار "رأينا أبناءنا متواجدين على المقاهي وفي المولات، وهذا يعد استهتاراً، لافتاً إلى أن الدول التي اتخذت التعامل مع فيروس كورونا باستهتار تفاقمت الأمور لديها".
في غضون ذلك اتخذت الحكومة المصرية إجراءات تصاعدية وقائية ضد تفشي فيروس كورونا المستجد، حيث أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في مؤتمر صحفي بثّه التلفزيون الرسمي، الإثنين، تعليق حركة الطيران في المطارات المصرية اعتباراً من يوم الخميس 19 مارس/آذار لمدة أسبوعين، بهدف تقليل عملية الاختلاط سواء من حركة السياحة أو القادمين أو حتى الخارجين من مصر في هذه المرحلة.
ونوّه مدبولي إلى أن مجلس الوزراء سيصدر قراراً خلال ساعات "بتخفيض عدد العاملين في أجهزة الدولة والمصالح الحكومية للحد من الاحتكاك بين المواطنين، ويُستثنى منه تقديم الخدمات الأساسية للدولة".
وحاول رئيس الوزراء تهدئة روع المواطنين الخائفين، مؤكداً أن هذه القرارات " مجرد إجراءات احترازية ووقائية تضمن عدم انتشار المرض، وهي قرارات لها تبعات وخسائر اقتصادية تتحملها الدولة عن نفس راضية في سبيل الحفاظ على أرواح المواطنين".
وحول حالة الهوس الشرائي التي انتابت ملايين المصريين في اليومين الماضيين، خصوصاً بعد انتشار شائعات متكررة عن نية الدولة فرض حظر التجول (أكثر من مسؤول حكومي نفى هذا الأمر)، قال أسامة هيكل إن الدولة المصرية لديها مخزون استراتيجي من كافة السلع يكفي عدة شهور، كاشفاً أن هناك توجيهاً للمحافظين باتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية لتوفير السلع.
وكانت دراسة كندية أجراها أخصائيو الأمراض المعدية في جامعة تورنتو بكندا، ونشرتها صحيفة "الغارديان" البريطانية قد رجحت أن معدلات الإصابة في مصر تفوق الأرقام الرسمية بكثير، مشيرة إلى أن العدد الحقيقي قد يصل إلى 19 ألف إصابة بفيروس كورونا المستجد.
لكن الدراسة لم تستند إلى أرقام فعلية من الواقع وإنما فقط على تحليل بيانات الرحلات الجوية وأعداد المسافرين، والقياس على عدد السياح الذين أصيبوا بالفيروس في مصر.
وأعلنت مصر يوم السبت الماضي الرابع عشر من مارس/آذار إغلاق المدارس والجامعات لمدة أسبوعين اعتباراً من الأحد الماضي لمنع تفشي الفيروس، وسبق ذلك قرارات بإلغاء التجمعات العامة الكبيرة، والقيود على الوقت المخصص لصلاة الجماعة في المساجد، ووقف مباريات الدوري المحلي لكرة القدم.
كما دعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى تخصيص ميزانية تبلغ 100 مليار جنيه مصري (6.38 مليار دولار) للتعامل مع أي تداعيات محتملة لفيروس كورونا المستجد.