يُبدي الأردن تعاملاً استثنائياً مع أزمة فيروس كورونا. وحتى كتابة هذه السطور، تبدو الإجراءات الحكومية جيدة، بعد تسجيل حالة وحيدة مصابة بالفيروس، تمّ إعلان شفائها وخروجها من المستشفى، وهذا في ظل إيمان الجميع بأن البلد لن يبقى محصناً، وغير بعيد عن احتمال ظهور إصابات جديدة.
ليس هذا كل ما يحدث في الأردن، لكنها ظرفية جديدة تدخلها حكومة عمر الرزاز، وتنجح إلى الآن في تحقيق أفضل إدارة لأزماتها التي مرّت عليها خلال عامين، وقد جرّبها الأردنيون سابقاً بين عامي 2018 و2019 في أزمات متعدّدة، منها فيضانات السيول وإضراب المعلمين وغيرهما. ولكنها اليوم تُحدث فرقاً في التعامل مع أزمة عابرة للقارّات عنوانها فيروس كورونا. الجديد ربما في هذا في إطلاق اليد للمركز الوطني لإدارة الأزمات الذي يعتبر مركزاً أمنياً متخصصاً في إدارة هذا النوع من الأزمات، ومهيأً لكوارث وأزمات أكبر من التي تشهدها البلاد، وهو مجهز بملاجئ وتحضيراتٍ لحروب جرثومية، بالإضافة إلى وجود وزير صحة من خلفية عسكرية يتابع ويتعاون مع الجميع بشكل لافت، وكذلك وجود إدارة إعلامية ناجحة من الحكومة.
ومع ذلك، ارتفعت شهوة الأردنيين للسخرية من إجراءات الحكومة، وممارسة النقد وإثارة الشائعات وبث التسجيلات والمطالبة بتعطيل المدارس، ومع أن ذلك كله يندرج ضمن سلوك الخوف والهلع، إلا أن ذلك له ما يبرّره، فالبلاد محاطة بدول يتفشى فيها الوباء، وقدرات الأردن المالية وظروفه صعبة، ومع ذلك نجده يُحدث قدرة كبيرة على مكافحة الفيروس، ويسجل كفاءة عالية في المواجهة.
ولم تنفك شهوة بعض الجمهور في تربص الأخطاء، غير أن المباشرة في الرد حاضرة. وهنا يقول وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إن رئيس الوزراء، عمر الرزاز، جرّب الاتصال برقم الطوارئ في أحد المستشفيات، ولكن الرقم لم يجب، وهنا طلب منه رئيس الحكومة إحداث خط ساخن مجاني، عبر تطبيق طبي بالتعاون مع شركة خاصة في السوق المحلي، وخلال ثماني ساعات كان التطبيق والخط الساخن جاهزيْن، وأعطي الرقم 111، ويعمل فيه أكثر من 70 طبيباً، وتمت تجربته في الساعات الأولى وكانت حصيلة الاتصالات أكثر من أربعة آلاف اتصال، تم الاستماع للمرضى، وتم نقل 12 حالة منهم إلى المستشفى، وجرى فحصهم، وخرجوا من دون أي إصابات. وما يقدمه الأردن في هذا الإجراء امتلاك البلد خبرات وقدرات طبية هائلة، على عكس دول عربية محيطة تفتقر إليها، أو تشهد هجرة الكفاءات الطبية منها، كما في تونس التي هاجر منها عام 2013 أكثر من ستة آلاف طبيب. وهنا يمكن الحديث عن مستقبل الأردن الطبي إذا ما استمر في هذا النجاح في مكافحة "كورونا" بأقل الخسائر وأقل معدل انتشار أو تسجيل حالات.
فجأة، اكتشف الأردنيون أن بلدهم خالٍ من كورونا، بعد مغادرة المصاب الوحيد المُسجّل، وفجأة وجدوا أن هناك تطبيقاً طبياً للاتصال به مجاناً، وشرح حالتهم الصحية. وفي حال كان الخط مشغولاً، فإنه يسجل الرقم، ويعاود الطلب، ويستمع للمواطن المتصل عن الأعراض التي يعاني منها. وفجأة وجدوا أن بلدهم يصدّر المعقّم الكحولي إلى الصين، لكن الشعب الأردني لا يتوقف عن التشكيك في صدقية تصريحات الحكومة، ولا يمل من المطالبة بقراراتٍ مشابهة لما حدث في بلاد أخرى، ومنها تعطيل المدارس والجامعات والذي تقرر أمس، مع غيره من إجراءات احترازية مشابهة للدول الأخرى، مطلوبة دولياً من منظمة الصحة العالمية، ذلك أن منع انتشار الفيروس لم يعد شأناً وطنياً، بل هو حالة عامة وعالمية. والمهم هو الاستفادة من الدروس المكتسبة، والتي تفيد الكلّ الوطني في تحقيق إنجازات كبيرة، وتجاوز التحدّي الراهن الذي لا يعني أن البلاد خالية من "كورونا"، أو محصنة من تسجيل حالات جديدة مصابة بالمرض، ولكن العقلانية في التصرف والثقة بالإجراءات الحكومية الصحية مطلوبتان.
الحديث عن كورونا المُعدية، والمرض الذي يراه بعضهم مؤامرة عالمية كونية، لا يعني استبعاد حدوث كورونا سياسية في الأردن، وهذا يعني تحقيق مطالب الجمهور وفقاً لشهوة التغيير. ولكنه على الأقل حديث راهني، يسأل عن عمر الحكومة الأردنية ومجلس النواب وتوقيت الحل والتحضير للانتخابات البرلمانية المقبلة التي أعلن عنها العاهل الأردني، والتي سيكون موعدها الصيف المقبل، ما يعني حل البرلمان قبيل نهاية شهر إبريل/ نيسان المقبل.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.