أنا سورية وأريد أن أسأل: هل هناك أحد يخفي الكورونا في جيبه؟

عدد القراءات
77,571
عربي بوست
تم النشر: 2020/03/15 الساعة 16:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/15 الساعة 16:31 بتوقيت غرينتش
فيروس كورونا

أعلنت منظمة الصحة العالمية، قبل أيام، مرضَ كورونا جائحة عالمية، وتوضح أن ذلك لا يعني أنه أصبح داءً متمكّناً وخارجاً عن السيطرة، وإنما مرضاً منتشراً على رقعة جغرافية واسعة تغطي قارات العالم. وقد أعلنت دولٌ كثيرة عن تسجيلها حالات إصابة بالفيروس، وحالات وفاة بسببه، ربما كان أكثرها في الصين وإيطاليا وإيران. وشدّدت منظمة الصحة على أن مواجهة هذا الفيروس العابر للحدود تتطلب جهوداً حكومية، وإجراءات احترازية جماعية، تتضمن عزل المصاب أو المشكوك بإصابته.. لم نطالع إعلاناً عن حالاتٍ مصابةٍ بالفيروس الخطير في دول عديدة من بينها سورية، على الرغم من أن كل الدول المحيطة بها، والمتداخلة بحركة تنقل معها، قد أعلنت عن إصاباتٍ. وفي إيران، حيث ينتشر الفيروس طولاً وعرضاً حتى أصاب مسؤولين على عدة مستويات، قبل أن يعلن عن موت عضو في البرلمان وعضو في مجلس تشخيص النظام، بعد الإصابة بالفيروس الجديد. وسط كل هذه الفوضى الصحية تلتزم المنصّات الإعلامية التابعة للنظام السوري الصمت.

يتخذ النظام دور الكائن المعقم العصي على كورونا، على الرغم من كل ما نعرفه عن سلوكيات مرافقه الصحية ومستوياتها المتدينة، ووسائل إعلامه التي تتعامل مع الجائحة كأنها طُرفة، وتتقمّص أحياناً دور الواعظ الحكيم، فتوزع إرشادات الوقاية، في إشارة إلى الخلو التام من المرض، على الرغم من أن حركة النقل في مطاراته لا تنقطع فيها الطائرت الإيرانية عن التدفق بكثافة، مع كل التحذيرات العالمية لتنفيذ إجراءات الحد من انتشار المرض. ولكن على العكس، فوزير الصحة لدى النظام اعتبرها فرصةً للتأكيد على فعالية الجيش في مكافحة "الجراثيم"، من دون أن يلفت أحد نظره إلى أن كورونا هو فيروس، وأن الأمر جدّي، وليس مناسبةً لإعلان الولاء.

أقام العالم مباريات رياضية عديدة مهمة من دون جماهير، كما تم تأجيل معظمها، والقرار المستفز هو الذي اتخذه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بوقف الرحلات القادمة إلى بلاده من أوروبا، عدا بريطانيا التي لا يعتبرها أوروبية، على الرغم من التثبت من إصابة وزيرة الصحة فيها بالمرض، في حين أن صحيفة تشرين التي يصدرها النظام السوري تعرض خبراً عن ارتفاع مؤشر دمشق للأوراق المالية بسبع نقاط (!)، وسط أخبار الهلع العالمي، وانخفاض مؤشرات أسواق المال، وإفادات وكالات الأنباء التي تنقل أخبار انتقالات الفيروس السريعة.

حساسية النظام الإعلامية ضد نشر الأخبار حالة مزمنة، وكأن المعلومات سلاحٌ خطيرٌ يتم التعامل معه بحرص وسرّيةٍ وتكتم محموم، مهما بلغت درجة أهمية نشر المعلومة. ونحن هنا نتحدث عن حالةٍ غير عادية، تتطلب تعاملاً شفافاً وصادقاً مع الجمهور، مع تحديثٍ آنيّ للمعلومة يبنى عليها فرض إجراءاتٍ على مستوى الدولة، ولكن هذه الدولة ما زالت تعيش عهدها الخشبي في السبعينيات، عندما كانت تمتلك قناة تلفزيونية واحدة ومحطة راديو يتيمة، تمرّر عبرهما فقط ما تريد للمواطن أن يعرفه. وكما كانت في السابق تتستر على أوبئة موسمية ضربت سورية، كالكوليرا والسل، وحصدت أرواح المئات، تمارس الآن اللعبة ذاتها بالاختفاء وراء ترف نقل أخبار انتشار كورونا في الجوار، وكأنها تعيش في كوكب بعيد.

في مرحلة مبكرة من عمر هذه الدولة المتكتمة، والتي تفرض الصمت على أبنائها، كَسَرَ الشاعر المتمرّد ممدوح عدوان حدة هذا الصمت، وتحدث في مؤتمر خاص لما كانت تسمى الجبهة الوطنية التقدمية، بجرأة نادرة، لم يعتد النظام أن يشهد مثلها فقال: الأنظمة السياسية كذابة لذلك لا يصدقها (الشارع)، لا يصدِّق بياناً عن معركة بعدد الشهداء، ولا يصدّق حتى درجات الحرارة القصوى والصغرى. الإعلام كمعبّر عن السلطة يكذب أيضاً، أنا أشتغل في إعلام أخجل منه لأنه يكذب بهذا المقدار، يكذب بدرجة الحرارة، يكذب بإخفاء الكوليرا، وهل هناك أحد يخفي الكوليرا؟

اليوم وبعد أربعين عاماً على صرخة الشاعر تلك، نجدنا نسأل: هل هناك أحد يخفي الكورونا؟

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

فاطمة ياسين
كاتبة سورية مقيمة في تركيا
كاتبة سورية مقيمة في تركيا
تحميل المزيد