“لن تكرر خطأ أوروبا مع اليهود”.. لماذا لن تتراجع تركيا عن تدخلها الحاسم في سوريا؟

عدد القراءات
5,705
عربي بوست
تم النشر: 2020/03/09 الساعة 10:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/09 الساعة 10:06 بتوقيت غرينتش
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان/ رويترز

من الممكن القول إن تركيا تأخرت في الدخول، لكنها قطعاً لم تخطئ في التدخل، كما تزامنت طريقة الدخول مع التوقيت بشكل كبير. إن تركيا لها الحق والشرعية في الدفاع عن حدودها وأمنها القومي ومنع وقوع مجزرة جديدة ضد الشعب السوري، وهذه هي وظيفتها وواجبها في المنطقة كما باقي الدول، لكن للأسف تقف كل دول العالم متفرجة أمام المجازر والقتل الجماعي للشعب السوري. 

عندما نتذكر ما حدث في السابق لليهود في ألمانيا النازية من محارق وإبادة جماعية، سنرى أن الاتهام لا يقع فقط على الألمان باعتبارهم منفذي المحارق، ولكن كل العالم الغربي مُتهم في أعين اليهودي لأنه كان يقف متفرجاً على هذه المجزرة الحادثة في قلب أوروبا.

تحت هذا الإحساس بالذنب تحاول أوروبا التكفير عن جريمتها بأن تدفع الثمن لإسرائيل، ورغم ذلك ما زالت متهمة بالمشاركة في الجريمة. بنفس المنطق فإن تركيا لا تريد أن تقف متفرجة على المجازر ضد الشعب السوري حتى لا يحاسبها التاريخ عن ذلك فيما بعد بل تريد أن يكون لها موقف من يشعر بمسؤوليته التاريخية.

إن من يرى الظلم ويقف شاهداً وساكتاً فهو شيطان أخرس.. وتركيا لن تكون يوماً الشيطان الأخرس.

تركيا لها حدود مع سوريا وكل ما يجري في سوريا يهدد تركيا وأمنها ومصالح شعبها، كما يدفع اللاجئين إلى الداخل التركي. وتركيا تحملت قرابة ٤ ملايين لاجئ، دون مِنة فنحن لا نمنن على أحد نحمد الله ونشكره أن جعلنا أنصاراً للمهاجرين، ولكن لماذا ننتظر حتى تتفاقم المشكلة وتصبح هناك موجة من اللاجئين بدلاً من أن نحل أصل المشكلة ونبقيهم في ديارهم آمنين؟

من يدفع الفاتورة؟ 

لماذا لا يتحرك الأوروبيون ويمنعون روسيا وإيران من ارتكاب كل هذه المظالم التي تؤدي إلى موجات اللاجئين؟

الإجابة هي أنهم ببساطة لا يدفعون أي ثمن أو فاتورة، الفاتورة تدفعها تركيا وحدها.

ورغم ذلك، تدفع تركيا هذه الفاتورة نصرة لإخوانها ولا تحاول التنصل من واجبها الديني والإقليمي لشعوب المنطقة، ولكن علينا أن نمنع هذا الظالم أولاً من ارتكاب جرائم التهجير القسري والعنصري حتى نحل هذه المشكلة من جذورها.

نحن لا نقول للمهاجر لماذا جئت إلى تركيا، ولكن علينا أن نمنع أولاً ما يدفعه إلى الهجرة. وللأسف الشديد، لم يكن لدى تركيا قبل 7 سنوات ما يبرر دخولها إلى عمق الأراضي التركية، لأن كل ما كان يجري في سوريا هو داخل أراضي دولة مستقلة معترف من منظمة الأمم المتحدة. والأمم المتحدة لا يوجد لها أي قنوات أو أي أجهزة أو طرق لإبطال هذه العضوية. والنظام السوري هو الذي دعا روسيا للتدخل وإنقاذ الموقف، وبالتالي صار لروسيا مبرر بأنها تلبي دعوة النظام لإنقاذ الموقف والنظام.

ولكن تركيا عندما تتدخل ولو لمنع الظلم يعتبرونها دولة احتلال، ولكن هذه نظرة خاطئة، الآن بلغ الأمر مستوى كبيراً من تعدّي كل الخطوط الحمراء، وتركيا لها كل الحق في دخول سوريا الآن، وعلى عاتقها واجب، ولو تأخرت تركيا ستحاسب أمام التاريخ. 

البعض يتساءل.. هل يمكن أن تتراجع تركيا إذا زادت الخسائر أو تهددت علاقتها بروسيا؟  

وعلى هؤلاء أجيب: نحن ندعو روسيا لتفكر في خسارتها الآن.  نحن دائماً نركز كل معاملاتنا ومساعينا على أساس الربح لكل الأطراف. 

لماذا يخسر الطرفان إذا كان يمكن لكلاهما الفوز؟ نحن لا نؤيد هذه السياسة، نحن ندعو كل الأطراف أن يلبوا نداء العقل. دعوة العقل تدعوكم إلى الربح ولكن لا ربح بدون إرباح الآخر. أفضل الربح هو أن تربح الآخر أيضاً وعلينا أن نركز أن نربح جميعاً وليس طرفاً واحداً فقط. فالربح لنا هو أمن المدنيين وأمن السوريين، نحن لا نريد أن نحتل سوريا وليست لنا أطماع في أراضيها ولا بترولها، ولا نمنع النظام الروسي من البقاء من سوريا لو له أي مصلحة فليحافظ على مصلحته، ولكن ليس على أشلاء وأرواح المدنيين.. لماذا  يحصد أرواح المدنيين لكي يؤسس قواعد عسكرية؟

هذا شيء ليس له أي مبرر ومساهمة في الجريمة. 

الخطوط الحمراء 

الخط الأحمر الذي لم تتجاوزه تركيا كان اتفاقية سوتشي. منذ البداية وهذا الخط الأحمر تم تجاوزه مرات عديدة من قبل الأطراف الأخرى، ومنذ البداية وتركيا تحذر النظام من تلك الانتهاكات والاستفزازات. هذا التجاوز والانتهاك للاتفاقية هو تجاوز للخط الأحمر، وتركيا قالت إنها لن تسمح بتجاوز هذه الخطوط الحمراء ولن يصمت على أي تجاوز، وإذا حدث سوف يتم التعامل معه بأشد الطرق. 

وعندما رأت تركيا أن هناك إصراراً وتعنتاً من قبل النظام الروسي رغم وجود 12 نقطة مراقبة لها بناءً على اتفاقية سوتشي، ولكن عندما رأت هذا التجاوز المتعمد والمتكرر وظنوا أن تركيا غافلة عما يدور على الأرض بدأوا يتجاوزون  خطوة بخطوة.. وجربوا صبر تركيا، ولكن قالت إن هذا انتهاكاً ولابد أن تنسحبوا من الحدود. لكنهم ظنوا تركيا غير جادة وظنوا أنها لن ترد عليهم وعندما وصلوا إلى حد ما رأت تركيا أنهم لا يفهمون لغة الدبلوماسية والسياسة ولا يفهمون إلا بلسان القوة، بدأت تركيا تتحدث بلغة القوة، وعندما بدأت تتحدث بلغة القوة رأينا النظام يبكي وكل من يدعمونه بدأوا في الصياح والبكاء أيضاً.  

خريطة الحلفاء 

يظنون بعد التدخل في سوريا لم يبقَ لتركيا حليفاً، فالعرب يؤيدون النظام السوري وعلاقة أمريكا وتركيا أيضاً متوترة والآن جاء هذا الملف ليوتر علاقة تركيا بروسيا وإيران، فما هو المكسب من كل ذلك؟

نقول لهؤلاء إن المكسب أن نكون مع المظلوم، ننصره ونكون عوناً له، فدعاء المظلوم لنا يكفينا وأذكركم بالآية: "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل".

يكفينا أن نكون على الحق.

شعوب العرب كلها قلوبهم معنا.. فمن يظنون أنهم يسيطرون علي شعوبهم أقول لهم هذا غير صحيح، فقلوب شعوب العرب كلهم مع تركيا ودعاء كل المظلومين لتركيا.

لبعض الأشخاص الذين يظنون أنفسهم علماء الدين، ولكنهم في الحقيقة علماء السلطان، أقول: 

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ

وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. (176)

أما شهداؤنا فنحن نحزن لاستشهادهم لأننا نعرف في ثقافتنا وأعرافنا أن الوطن لابد من التضحيات لأجله. وكلنا جاهزون للشهادة، فالأرض التي تشرب الدماء هي الوطن.

وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ. (154)

فمهمتنا الأولى هي الحفاظ على أرواح أبنائنا وأهلنا.

وشعبنا يدرك أهمية الوطن ولا يتأخر حين ينادي منادي الشهادة.

ياسين أقطاي هو مستشار رئيس الجمهورية التركي

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ياسين أقطاي
مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
تحميل المزيد