انتقدت روسيا مساعي إدارة الرئيس دونالد ترامب لنشر رؤوس نووية منخفضة القوة، إذ تقول إنها قد تؤجج احتمالات نشوب حرب نووية. ولكن في الوقت نفسه، تشير تقديرات واشنطن إلى أن أبرز خصومها المتمثل في الدب الروسي، يمتلك ما يزيد عن 2000 من تلك الرؤوس.
مجلّة Newsweek الأمريكية، قالت الجمعة 6 مارس/آذار 2020، إن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، انتقدت تلك الميزانية المقترحة بقيمة 28.9 مليار دولار أمريكي، المخصصة لتمويل نشاطات وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في مجال تحديث القوّة النووية، وذلك إلى جانب 15.6 مليار دولار أمريكي مخصصة لجهود الإدارة الوطنية للأمن النووي الأمريكي، والرامية إلى تجديد ترسانة الرؤوس النووية الأمريكية.
ميزانية "ضخمة" ترصدها أمريكا لتحديث قوتها النووية
من بين الأسلحة التي تنطوي عليها جهود التطوير والنشر، يوجد الرأس الحربي النووي ذو القوة المنخفضة W76-2، الذي ربما قد يصير خياراً مُتاحاً أكثر سهولة في حالة نشوب نزاع، وذلك بحسب ما قالته المتحدثة باسم الخارجية الروسية وآخرون.
قالت ماريا زاخاروفا في مؤتمرٍ صحفي: "إننا نلاحظ أن واشنطن لا تُقصر جهودها على تحديث قوتها النووية فحسب، بل تسعى على قدمٍ وساق أيضاً لإضافة قدرات جديدة، وهو ما يفسح مجال استخدام تلك القوة".
كما أضافت ماريا: "تأتي من الأمور التي تثير قلقاً بعينه في هذا السياق، تلك الإجراءات الأمريكية التي تتخذها الولايات المتحدة لزيادة ما لديها من أسلحة منخفضة القوة ضمن ترسانتها النووية، بما ينطوي على تطوير ونشر مثل هذه الذخائر لدى حاملات الأسلحة الاستراتيجية. وهذا يؤدّي بدوره إلى "تمهيد سبيل" استخدام الأسلحة النووية".
لكن مفهوم الأسلحة النووية منخفضة القوّة تعود أصوله إلى الحرب الباردة، وقد طوّر كلا البلدين مثل تلك القدرات النووية.
الرد الأمريكي
صرّح متحدّث باسم البنتاغون في حديث أجراه لمجلة Newsweek قائلاً: "لدى روسيا في الوقت الراهن قرابة 2000 سلاح نووي غير استراتيجي منخفض القوة. ينطوي ذلك على الطوربيدات النووية، وصواريخ الدفاع الصاروخي الجوي، والقنابل النووية للأعماق، والألغام الأرضية النووية، وقذائف المدفعية النووية، من بين أكثر من عشرة أنواع. ولا تخضع أيّ منها لمعاهدات تحديد الأسلحة".
أضاف المتحدّث: "إذا اعتقدت روسيا أن الرؤوس النووية W76-2 تمهّد سبيل الاستخدام النووي، فعليها أن تفسر السبب الذي يجعل أسلحتها النووية غير الاستراتيجية ذات القوّة المنخفضة لا تزيد من احتمال نشوب صراع نووي. من المرجح أن تنظر روسيا إلى نشر W76-2 على أنه دليل على عزم الولايات المتحدة، ومن ثمّ يصير الغرض هو الإسهام في ردع أي هجوم نووي".
اتهامات متبادلة
طالما تبادلت الولايات المتحدة وروسيا الاتهامات بتطوير أجهزة نووية تكتيكية، التي برغم من أنها قد تكون أقل تدميراً من نظرائها الأكبر حجماً، فإن تلك الأسلحة لا تزال أكثر قوة حتى من أكثر الذخائر التقليدية قوّة وتدميراً.
قد يُنتج الرأس النووي W76-2 البالغة طاقته خمسة إلى سبعة كيلوطن ثلث قوة التفجير التي كانت لدى القنبلة الذرية البدائية التي أُسقطت على هيروشيما في عام 1945، ولكنها تنفجر بقوة تصل إلى 500 ضعف قوة الانفجار الهائل الناجمة عن قنبلة جي بي يو-43/بي، والمعروفة باسم "أم القنابل".
قد انكشف الستار عن الرؤوس الحربية W76-2 في ميزانية العام الماضي ضمن تقرير استعراض الموقف النووي 2018 الذي أعدّته إدارة ترامب. وأشارت الوثيقة، في اتهام من الجانب الأمريكي لروسيا بمواصلة برنامجها الخاص بالرؤوس النووية منخفضة القوة، إلى أن "مدّ نطاق الخيارات النووية المرنة أمام الولايات المتحدة، لتتضمّن الخيارات منخفضة القوّة، أمرٌ مهمّ للحفاظ على قوّة ردع يُعتمد عليها ضد العدوان الإقليمي".
في يناير/كانون الثاني، ذكرت مجلة Newsweek أن W76-2 قد أُرسِلت إلى المواقع المُحددة لها وتسلحت بها صواريخ باليستية تُطلق من الغواصات من طراز Trident II. وفي الشهر التالي، أعلنت البنتاغون أنه قد جرى نشر الرؤوس الحربية ذات القوّة المنخفضة في إطار جهود إدارة ترامب "للتعامل مع الاستنتاج القائل بأن ثمّة خصوماً محتملين، مثل روسيا، يعتقدون أن استخدام الأسلحة النووية منخفضة القوّة سيعطيهم ورقة يتفوقون بها على الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها".
مشاريع أمريكية
أعلنت البنتاغون العام الماضي كذلك أنها سوف تنظر في تطوير الصاروخ المسلح نووياً المطلق من البحر (SLCM-N). وقال المتحدث باسم البنتاغون في حديثه مع Newsweek إن كلاً من الرأس الحربي W76-2 والصاروخ المسلح نووياً SLCM-N "يُعد ردين مدروسين على ثغرات الردع الإقليمي التي ظهرت في السنوات الأخيرة".
قال المتحدث: "استخدام W76-2 لم يغير سقف موجبات استخدام الأسلحة النووية بالنسبة للولايات المتحدة، بل إنه يرفع سقف موجبات الاستخدام النووي من قبل الأعداء المحتملين، عن طريق معالجة تصور الخصم لورقة التفوّق المشار إليها، وتحسين منظومة ردعنا النووية، ويتيح للولايات المتحدة التفاوض من موقع قوة، ويتمخّض عن عنصر ضمان بالنسبة لحلفائنا".
أما بالنسبة للبنتاغون نفسها، فإن الجزء المتعلق بالجهود النووية من ميزانيتها البالغة 705 مليارات دولار لعام 2021، يشمل الأموال المخصصة لتجديد القيادة والسيطرة والاتصالات النووية، وكذلك الغواصات الهجومية الأمريكية المُسلّحة من طراز كولومبيا، وقاذفة القنابل طويلة المدى B-21، والصواريخ المضادة للصواريخ، وأنظمة الردع الاستراتيجي الأرضية.
في حديث صريح أدلى به خلال شهادته أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأسبوع الماضي، طرح رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال مارك ميلي من جديد مسألة روسيا بوصفها أولوية قصوى في سياق تحديث جهود الولايات المتحدة النووية. وقال للمشرعين "إنه البلد الوحيد، على الأرض الذي يمثل تهديداً وجودياً للولايات المتحدة".
وأضاف ميلي: "يمكن قتل كل رجل وامرأة وطفل على أيدي الروس، ويمكننا فعل الشيء نفسه، ومن ثم يتعيّن علينا الردع. فإن الحفاظ على مؤسسة نووية مضمونة أمر بالغ الأهمية بالنسبة لروسيا. وفيما يتعلق بالصين، فإن مشروعها النووي ينمو بسرعة".
ووافق المتحدث باسم البنتاغون على هذا الطرح، لكنه أشار إلى أن "الولايات المتحدة لا تحاول مطابقة أو مواجهة الأعداء بنظام يُقابل نظام، بل إن تعديل عدد صغير من الصواريخ الباليستية الممكن إطلاقها من غواصات سيعالج خلل التوازن في الأسلحة النووية غير الاستراتيجية ويضمن بقاء قوّة ردعنا في مواجهة الأجواء النووية المتغيرة مع كل من روسيا والصين".
من هو الطرف المعتدي
لكن موسكو رفضت هذا المنطق، بحجة أن واشنطن كانت الطرف المُعتدي الواضح.
في مؤتمر صحفي عقدته البنتاغون الشهر الماضي، كشف مسؤولو الدفاع الأمريكيون عن أن الجيش الأمريكي أجرى "تدريباً مصغراً "يحاكي سيناريو" تقرر فيه روسيا استخدام سلاح نووي منخفض القوة لشن هجوم على موقع بأراضي حلف الناتو". وقد ردّت الولايات المتحدة بضربة نووية مُحاكاة وصفها أحد المسؤولين بأنها "محدودة" في طبيعتها.
وردت روسيا على هذا الكشف بالغضب، إذ اتهمت الولايات المتحدة بالترويج للخوف وتطبيع الحرب النووية بتلك المُمارسة "السقيمة". وفي يوم الجمعة، ناقشت زاخاروفا النهج الأمريكي للتحديث النووي، إذ قالت للصحفيين: "لدى المرء انطباع بأنهم في واشنطن قرروا النظر في النزاع النووي عن قصد على أنه خيار سياسي قابل للتطبيق وأن يعدّوا الإمكانيات لذلك".
واتهمت المتحدثة باسم الخارجية الروسية الولايات المتحدة بمحاولة تبرير أفعالها من خلال إلقاء اللائمة على روسيا والصين. وقالت: "إننا نعد هذه الخطط مزعزعة للاستقرار؛ فهناك طريقة أكثر فعالية لضمان الأمن القومي تتمثل في مواصلة سياسة الحد من الأسلحة وخلق تفاعل سلمي مع الدول الأخرى، وهو ما ندعو الولايات المتحدة إليه مرة أخرى".
على الجانب الآخر، انسحبت إدارة ترامب رسمياً من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، في أغسطس/آب الماضي، بعد أن اتهمت موسكو بتطوير صاروخ محظور قادر على السفر في نطاق محدود لمسافة تمتدّ من 310 أميال إلى 3420 ميلاً. ورفض الرئيس الأمريكي المحاولات الروسية لمد نطاق معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية الجديدة (ستارت)، إلا إذا أُعِد إطار جديد للحد من الرؤوس الحربية بما ينطوي على منصات جديدة لإطلاق الصواريخ فوق الصوتية، وتضم كذلك بلداناً إضافية مثل الصين.