على نحو مفاجئ اعتقلت السلطات السعودية ليل الجمعة السبت، 7 مارس/آذار 2020، الأمير أحمد بن عبدالعزيز، الشقيق الأصغر للملك سلمان، والأمير محمد بن نايف ابن شقيق العاهل السعودي، إضافة إلى ابنه الأمير نواف بن نايف، في تكرار لمشهد اعتقال الأمراء عام 2017 في فندق ريتز كارلتون.
وكالة رويترز، إلى جانب صحف غربية من بينها "نيويورك تايمز"، و"وول ستريت جورنال"، أكدت اعتقال السلطات السعودية للأمراء، مشيرةً إلى أنهم يمثلون خطراً على حكم محمد بن سلمان للمملكة.
أسباب مُحتملة للاعتقال: حتى الساعة 11:30 بتوقيت غرينتش، لم يصدر أي تعليق رسمي سعودي على التقارير التي تحدثت عن اعتقال الأمراء البارزين.
لكن وكالة رويترز والصحف الغربية التي نقلت عن مصادر سعودية مطلعة على حادثة الاعتقال، ذكرت العديد من الأسباب التي يمكن أن تكون وراء قرار الرياض باعتقال الأمراء أصحاب النفوذ الكبير في المملكة.
1- انزعاج من الأمير محمد: تحدث مصدران مطلعان لوكالة رويترز -لم تذكر اسميهما- أن الأمير "محمد بن سلمان أثار استياءً بين بعض الفروع البارزة للأسرة الحاكمة بسبب تشديد قبضته على السلطة".
تساءل البعض في الأسرة عن قدرة ولي العهد على قيادة البلاد، عقب قتل الصحفي البارز جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول في 2018، وتعرُّض البنية التحتية النفطية السعودية لأكبر هجوم على الإطلاق، العام الماضي.
أثار هذان الحدثان إشارات استفهام حول قدرة الأمير محمد على إدارة العلاقات الخارجية للمملكة، حيث تعرّضت السعودية لانتقادات كثيرة بسبب قتل خاشقجي، وأثّر ذلك على علاقاتها بعدد من البلدان، لاسيما أن اتهامات وُجهت للأمير محمد بضلوعه المباشر في عملية قتل خاشقجي.
كذلك فإن الضربات التي تعرضت لها المنشآت النفطية السعودية من قبل الحوثيين، كبّدت المملكة خسائر فادحة، وأثارت تساؤلات حول إخفاق المملكة في حماية شريانها الاقتصادي، رغم الإنفاق العسكري الكبير الذي تخصصه المملكة للتسلح.
2- وراثة العرش: المصدران اللذان تحدثا لرويترز قالا إن بعض أفراد الأسرة الحاكمة سعوا لتغيير ترتيب وراثة العرش، معتبرين أن الأمير أحمد -الذي تم اعتقاله- أحد الخيارات الممكنة الذي يمكن أن يحظى بدعم أفراد الأسرة والأجهزة الأمنية وبعض القوى الغربية.
تشير الوكالة أيضاً إلى أن "الأمير أحمد كان من بين ثلاثة أشخاص فقط في هيئة البيعة، التي تضم كبار أعضاء الأسرة الحاكمة، عارضوا تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد في 2017".
يملك الأمير أحمد علاقات جيدة مع قبائل السعودية، ويحظى بقبول واسع بين أوساط الأمراء والمؤسسة الدينية، حيث سبق له أن تولى منصب وزير الداخلية في السعودية خلال الفترة من 18 يونيو/حزيران 2012، حتى 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، الأمر الذي جعله مرشحاً لأن يلعب دوراً في مستقبل الحكم.
في تصريح سابق خاص لـ"عربي بوست"، قال الأمير السعودي المعارض خالد بن فرحان آل سعود، إنّ الأمير أحمد "يحظى بتأييد واسع وكبير من غالبية الأطياف الموجودة في الداخل السعودي، وتحديداً من العائلة الحاكمة والقبائل، وكذلك يحظى بقبول الخارج المتمثل في المعارضة".
توقع حينها الأمير خالد أن يتم الالتفاف حول شخصية الأمير أحمد للخروج من الأزمات والمشكلات السياسية التي تعيشها السعودية.
كان الأمير أحمد وفي تصرف نادر من المسؤولين السعوديين، انتقد القيادة السعودية، أثناء رده على محتجين خارج مقر إقامته في لندن عام 2018 (قبل أن يعود للسعودية)، حينما كانوا يهتفون بسقوط أسرة آل سعود، وقال لهم: "آل سعود ايش دخلهم بهذا الهتاف لا ناقة لهم ولا جمل بالذي يحدث"، مضيفاً أنه يجب توجيه "هذا الكلام للمسؤولين الحاليين الملك وولي العهد".
3- محاولة انقلاب: صحيفة "وول ستريت جورنال" التي كانت أول من أكد اعتقال الأمراء، قالت إن "احتجاز الأمير أحمد بن عبدالعزيز، والأمير محمد بن نايف له صلة بمحاولة انقلاب"، مضيفةً أن "الرجلين اللذين كانا يوماً من الأيام على طريق الوصول إلى العرش، أصبحا مهددين الآن بالسجن أو الإعدام".
4- الحالة الصحية للملك سلمان: مصادر تحدثت لصحيفة "نيويورك تايمز"، وقالت إنه "قد يكون واحد من الدوافع المحتملة للاعتقالات الجديدة متعلقاً بتقدم الملك سلمان في العمر، إذ يبلغ 84 عاماً، فقد يكون ولي العهد يسعى إلى احتجاز كل المنافسين المحتملين لخلافة والده قبل وفاة الملك أو تنحيه عن العرش".
لكن الصحيفة أشارت في الوقت ذاته إلى أنه "لم يعط أيٌّ من الأمراء المعتقلين مؤخراً أيَّ إشارة على اعتزامهم منافسة ولي العهد على الحكم".
5– فيروس كورونا: مصادر "نيويورك تايمز" أشارت أيضاً إلى أن الأمير محمد بن سلمان يواجه تضجراً في المملكة، والعالم الإسلامي، بسبب قراره "أحادي الجانب بتعليق الزيارات إلى مكة على خلفية انتشار فيروس كورونا، وهي خطوة رغم ندرتها تمثل سابقة في التاريخ الإسلامي".
في هذه النقطة تحديداً، جادل المحافظون بأنه في حين علق الأمير محمد دخول الحجيج فإن أماكن الترفيه العصرية التي أدخلها محمد بن سلمان على المملكة، مثل دور السينما، لا تزال مفتوحة أمام الجمهور.
من جهتها أشارت صحيفة "الغارديان" البريطانية إلى أن اعتقال السعودية للأمراء الثلاثة من العائلة يأتي في وقت حساس، حيث تمنع السعودية المسلمين من زيارة أقدس المواقع بسبب تفشي فيروس كورونا.
عودة للوراء: سبق أن شهدت المملكة في منتصف سبتمبر/أيلول 2017، توقيف عشرات الأشخاص بينهم كتّاب وصحفيون ورجال دين، أبرزهم الداعية المعروف الشيخ سلمان العودة.
بعد نحو شهر ونصف الشهر أوقفت السلطات، في نوفمبر/تشرين الثاني، عشرات الأمراء ورجال الأعمال والسياسيين لثلاثة أشهر، على خلفية تهم قالت إنها تتعلق بالفساد، فقامت بسجنهم في فندق "ريتز كارلتون" الفخم في الرياض، ولم تطلق سراحهم إلا بعد التوصل لتسويات مالية.
منذ تسلمه منصبه، يقدّم ولي العهد نفسه على أنه إصلاحي، بعدما تمكّن من تقليص نفوذ الشرطة الدينية في المملكة المحافظة، وإعادة الحفلات الموسيقية إلى العاصمة ومدن أخرى، وفتح دور السينما من جديد، متعهداً باعتماد إسلام "معتدل".
لكن الأمير أظهر عزمه على الحكم بقبضة من حديد، وعدم التسامح مع أي معارضة له أو انتقاد لسياساته في الداخل أو في الخارج.