تحاول سحق تركيا في عيون حلفائها.. هل نشهد نهاية العلاقات التركية-الروسية؟

عدد القراءات
4,252
تم النشر: 2020/03/04 الساعة 13:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/04 الساعة 13:05 بتوقيت غرينتش
الرئيسين التركي والروسي في لقاء سابق

لا شكّ أن مقتل الجنود الأتراك يُمثِّل لحظةً فاصلة في العلاقات التركية-الروسية، حتى لو كان نظام الأسد هو المُنفِّذ الفعلي.

إذ لم تُنفّذ الطائرات الروسية هجمات في منطقة إدلب التي تعرّضت داخلها الوحدات التركية للقصف الجوي، بحسب وزارة الدفاع الروسية، بعد مقتل 33 جندياً تركياً في هجومٍ وحشي على يد نظام الأسد المدعوم من موسكو، مساء الخميس الـ27 من فبراير/شباط.

ورغم محاولات روسيا إخلاء مسؤوليتها، فإن العلاقات التركية- الروسية لن تعود لسابق عهدها. وبذلك يُصادف الـ27 من فبراير/شباط، يوم انتهاء سحر بوتين على أنقرة بعد أن دام ثلاث سنوات.

ومع قرار موسكو بفرض حلٍّ عسكري في إدلب -وبالتالي في الأزمة السورية ككل- قُلت مراراً إنّ واشنطن تتمتّع بفرصةٍ ذهبية لاستعادة علاقاتها مع أنقرة. ورغم ذلك، لم يقتنع غالبية الناس بمخاطر مواجهةٍ مُباشرة في إدلب السورية.

وربما أعلنت الحكومة التركية تنفيذ الهجمات على يد نظام الأسد، لكن اللوم الحقيقي في هذا الهجوم الشنيع يقع على عاتق روسيا كما ظهر في تصريحات وزارة الدفاع التركية، حول أنّ نشر الجنود الأتراك جاء بالتنسيق مع الجانب الروسي، كما أن الهجمات السورية على القوات التركية لم تتوقّف رغم الاتصالات المستمرة مع الروس.

وتُظهِر اللقطات التي نشرتها وسائل الإعلام التركية العديد من الدبابات والعربات المُدرّعة والناقلات السورية وهي تتعرّض للتدمير بواسطة الطائرات التركية المُسلّحة بدون طيار، وليس بواسطة مقاتلات F-16 التركية. ولا تزال موسكو تحمي شركاءها السوريين، رغم تحرّكهم الاستفزازي ضد تركيا، وهو الموقف الذي لم تكُن أنقرة لتقبل به قبل شهر واحد.

وظنّ الأتراك أنَّ موسكو ستُقدّر تعاونها الأخير مع تركيا في مختلف المجالات. إذ تتعاون تركيا وروسيا في مجال الطاقة، من خلال مشروع ترك ستريم الاستراتيجي أو محطة أكويو للطاقة النووية، فضلاً عن زيادة الارتباطات الدبلوماسية والعسكرية مثل شراء أنظمة الدفاع الجوي S-400 وعملية الأستانا.

لكن روسيا قلبت الصفحة.

إذ فضّلت موسكو الحل العسكري في إدلب وسوريا بشكل عام، أكثر من تفضيلها للتعاون الدبلوماسي والسياسي مع تركيا، وهذا صار مفهوماً بشكلٍ واضح في أنقرة.

التحوّل في العلاقات التركية-الروسية

ومنذ ذلك اليوم، بدأت العلاقات التركية-الروسية في التحوُّل.

لكن مدى التباعد بين تركيا وروسيا سيعتمد على صُنّاع القرار في أنقرة وموسكو، فضلاً عن رد فعل حلفاء تركيا التقليديين في الناتو. فهل سيُوفّر الناتو دعماً كبيراً لعضو التحالف؟

إذا قرّرت تركيا التصعيد أكثر، وهو ما بات أكثر قبولاً الآن من أيّ وقتٍ مضى، وكان هذا القرار مدعوماً من جانب الناتو، فسوف يتغيّر موقع تركيا الاستراتيجي في المعادلة.

وفي سيناريو من هذا النوع سينتهي الرهان الروسي داخل سوريا والشرق الأوسط نهايةً سيئة بالنسبة لموسكو. وسيبدأ العدوان والتوسُّع الروسي منذ ضم القرم -غير القانوني- في الانعكاس.

وفي الواقع، لو أعربت الدول الغربية عن موقفٍ ومقاومةٍ مماثلة لما فعلته تركيا في سوريا؛ لاختلف الوضع الجغرافي الاستراتيجي كثيراً اليوم. وفي هذه المرحلة الزمنية، باتت هناك فرصةٌ كبيرة أمام حلف الناتو لإعادة ترسيخ تفوُّقه على روسيا.

ولكن ماذا سيحدث في حال لم يدعم الناتو تركيا؟

ستُواصل تركيا استخدام قوتها العسكرية للحيلولة دون كارثة إنسانية في إدلب، وستمضي إلى المخاطرة بمواجهةٍ مع أكبر داعمي نظام الأسد. وبحسب تصريح وزير الدفاع التركي فقد جرى تحييد خمس مروحيات، و23 دبابة، و23 مدفعية، ومنظومة الدفاع الجوي بوك SA-17، وأكثر من 300 من مُسلّحي النظام.

وهذا خير دليل على عزم تركيا أن تُقاوم الحل العسكري الروسي، والتزامها بمسؤولية الحماية الخاصة بالأمم المتحدة.

وحتى في حال كانت تركيا عازمةً وجاهزةً لتحمُّل التكلفة بمفردها، فيجب الإشارة بوضوح إلى أنّ تجاهل الناتو سيُشجّع عدوان نظام الأسد وروسيا أكثر وأكثر. وهذا لن يزيد التكاليف على تركيا فقط، بل سيُجبر أنقرة أيضاً على إعادة النظر مرةً أخرى في حجم التصعيد والمواجهة، الذي يُمكن أن تُخاطر به مع موسكو.

لكن الخيار الآخر سيتمثّل في تقديم موسكو عرضاً مفاجئاً لن تستطيع أنقرة رفضه، من خلال الإشارة إلى خيانة حلفاء تركيا لها. وبهذا سيُحقّق الروس انتصاراً جيوسياسياً كبيراً ضد التحالفات الغربية.

ورغم ذلك، ليست هناك أيّ مؤشرات على عزم موسكو فعل ذلك. وعلى الجانب الآخر، تبدو موسكو وكأنّها تُحاول سحق الأتراك في عيون تحالف الناتو.

ودفع الهجومُ على الجنودِ الأتراكِ بلادهم إلى مفترق طرق. ورغم ارتفاع احتمالات المواجهة التركية-الروسية، وترجيح عدم عودة العلاقات الثنائية إلى سابق عهدها فإن تقاعس الناتو وذكاء الدبلوماسية الروسية قد يُؤدّي إلى قلب الطاولة بالكامل.

ولا شكّ أنّ هذه الواقعة، واعتداء البعض، وتقاعس الآخرين أو دعمهم، وكل ما سيعقُب ذلك سوف يترسّخ في أذهان الشعب التركي لفترةٍ طويلة مستقبلاً، بغض النظر عن النتيجة.

– هذا الموضوع مُترجم عن شبكة TRT World.

عمر أوزكي زيلجيك هو مُحلِّلٌ بمؤسسة SETA ومُحرِّرٌ بموقع Suriye Gundemi التركي.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر أوزكي زيلجيك
عمر أوزكي زيلجيك هو مُحلِّلٌ بمؤسسة SETA ومُحرِّرٌ بموقع Suriye Gundemi التركي.
عمر أوزكي زيلجيك هو مُحلِّلٌ بمؤسسة SETA ومُحرِّرٌ بموقع Suriye Gundemi التركي.
تحميل المزيد