اتفاق السلام بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية على الأرجح سيفيد الرئيس دونالد ترامب في حملته الانتخابية للفوز بفترة رئاسية ثانية، لكن ماذا عن نتائج الاتفاق على الصراع داخل أفغانستان نفسها؟ هل سيؤدي إلى إسدال الستار على الحرب الأهلية أم أن ذلك أمر غير مرجح؟
موقع معهد ريسبنسبول ستيتكرافت نشر تقريراً بعنوان: "الاتفاق بين طالبان وأمريكا مُبشِّر.. فما الذي سيحدث الآن؟"، أعده آدم وينيشه، جندي سابق في الجيش الأمريكي، وكان ضمن القوة المنتشرة في أفغانستان في مناسبتين. يلقي الآن محاضرات في جامعة جورج واشنطن، ويحضر لنيل درجة الدكتوراه في السياسة الخارجية والاستراتيجيات العسكرية من كلية بوسطن.
بعد 18 عاماً من الحرب، تم توقيع اتفاقية بين الولايات المتحدة وطالبان، سيُنهي تنفيذها أطول الحروب الأمريكية أخيراً، وهذه الاتفاقية لا تعني نهاية الحرب الأهلية للأفغان، إلا أنها تضع الآن مخرجات هذا الصراع في أيدي الشعب الأفغاني نفسه. ولا تزال هناك عوائق أمام السلام في أفغانستان، لكن ينبغي تنفيذ الاتفاقية وسحب القوات الأمريكية من أفغانستان دون احتمال لعودتها.
تنص البنود الرئيسية للاتفاقية على انسحاب جميع القوات الأمريكية البالغ عددها 13 ألف جندي، والموجودة حالياً في أفغانستان، في مقابل وقف لإطلاق النار بين القوات الأمريكية وقوات طالبان، والحد من العنف بين القوات الأفغانية وقوات طالبان، وتقديم طالبان ضمانات لمكافحة الإرهاب، مثل قطع العلاقات مع تنظيم القاعدة (وهو ما يُستبعد حدوثه) ومواصلة قتال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في أفغانستان (وهو ما يُرجَّح حدوثه). وفضلاً عن ذلك، وافقت حركة طالبان على بدء محادثات مع الحكومة الأفغانية في أوسلو في غضون 10 أيام. ومن المتوقع أن تنخفض أعداد القوات الأمريكية إلى 8600 (العدد الذي وصلت إليه عندما تولى الرئيس ترامب منصبه) بحلول اليوم 135 من الاتفاقية، وأن تنخفض إلى الصفر بعد مرور 14 شهراً. ولا تُلزم هذه الاتفاقية الولايات المتحدة بوقف الانسحاب إذا لم تحترمها طالبان.
الطريق المضطرب إلى السلام الدائم
من المقرر أن تؤدي المفاوضات بين الأفغان إلى ترتيب لتقاسم السلطة، ترتيب سيشمل حتماً تنازلات لم يقبلها الجانبان في السابق، مثل القيود المفروضة على حقوق المرأة، ولكن ليس التهميش الكامل للمرأة كما تفضل طالبان غالباً، والحكم الفدرالي، وإعادة دمج مقاتلي طالبان في قوات الأمن الأفغانية (التي يتجاوز حجمها بالفعل إمكانات الإيرادات الحكومية لاستمرارها). وهذه ليست سوى الخطوة الأولى من العملية.
ولا ينبغي لنا أن نثق في أن هذه الخطوات ستنتهي على وجه السرعة وبنجاح، ففي محادثاتي مع أولئك الذين يعملون في أفغانستان على القضايا الأمنية لم أجد إقراراً كبيراً بأن العديد من هذه الخطوات إما ضرورية أو يصعب تحقيقها. إذ إن إعادة دمج مقاتلي طالبان والمصالحة فيما يتعلق بالفظائع والجرائم المرتكبة خلال الحرب أمران مهمان للغاية لتحقيق سلام دائم. ومن المحتمل أن تعود النزاعات التي لا تشتمل على إعادة الدمج والمصالحة إلى الأعمال القتالية العلنية. وعند السؤال عن إعادة دمج مقاتلي طالبان في قوات الأمن الأفغانية، يكون الرد الشائع: "إذا كانوا يريدون الانضمام إلى قوات الأمن يمكنهم ذلك". وهذا غير كاف، وسيؤدي على الأرجح إلى عودة صراع واسع النطاق أو انشقاقات جماعية لمقاتلي طالبان عن عملية السلام.
ويمكن للولايات المتحدة، وينبغي لها أن تظل مشتركة في هذه العملية لزيادة احتمالات نجاحها، لكن ارتباط الولايات المتحدة بالعالم كثيراً ما اختزل إلى إلقاء القنابل. وكثيراً ما تفشل هذه السياسة الخارجية المُعسكرة في تحقيق الأهداف، لأن مثل هذه الإجراءات غالباً ما تأتي بنتائج عكسية من الناحية الاستراتيجية. بدلاً من ذلك، يمكن للولايات المتحدة مواصلة تقديم الدعم الدبلوماسي للحكومة الأفغانية وتقديم المشورة بشأن عملية التفاوض؛ ويمكنها تقديم مساعدات إلى أي طرف في أفغانستان، ولكن أن تكون مرهونة على الأقل بتوفير أبسط أشكال الحماية للنساء والأقليات؛ ويمكنها التعاون دبلوماسياً مع باكستان وإيران لتحقيق الأهداف المشتركة المتمثلة في احتواء عناصر داعش والقاعدة لمنعهم من إفساد عملية السلام.
القوات الأجنبية المتبقية
يبذل الكثيرون في الولايات المتحدة جهوداً مستميتة من أجل إبقاء قوة مكافحة تمرُّد مكوَّنة من قوات العمليات الخاصة، لمواصلة قتال عناصر تنظيمي داعش والقاعدة. ويبدو أنَّ بعض المرشحين الديمقراطيين للرئاسة الأمريكية يعتقدون أنَّ انتشار القوات الخاصة على نطاقٍ واسع في جميع أنحاء العالم لا يُعدُّ إسهاماً فعلياً في حربٍ بلا نهاية. وربما يكون هذا الترتيب مقبولاً بصورةٍ معقولة لقيادة طالبان والمفاوضين في الدوحة، لكنَّ مقاتلي الحركة العاديين يُقاتلون بضرواةٍ منذ فترةٍ طويلة لإنهاء الاحتلال الأجنبي. لذا من المستبعد أن يقبلوا أي ترتيبٍ يُسفر عن استمرار وجود القوات الأمريكية، بغض النظر عن الغرض منها.
ومن ثَمَّ، فمن المرجح أن يؤدي اتفاق كهذا إلى انقسام مقاتلي الحركة إلى مجموعات أعنف وأكثر تهوراً. وقد أظهرت بعض الأبحاث أن اغتيال قيادات الجماعات الإرهابية يُسفر عن آثار مماثلة. وهذا من شأنه أن يُمدِّد فترة الحرب الأهلية فترةً أطول، لأنَّه لن يكون هناك منظمة مركزية للتفاوض معها. وحينئذٍ، ستلجأ عدة مجموعات إلى المزايدة في ظل تنافسها على الموارد والمجندين والهيبة. أو قد يؤدي الخلاف بين مقاتلي الحركة إلى إجبار الفريق التفاوضي على مراجعة المفاوضات. وحينئذ، سيُقرِّر إلغاء الاتفاق وسيُعيد تأكيد مطالبه برحيل جميع القوات.
النتائج والاحتمالات
تشير التصريحات العلنية للقادة الأفغان ومحادثاتي مع المدنيين الأفغان إلى أنَّهم قلقون للغاية من أيِّ اتفاقٍ مع طالبان يتضمن انسحاباً عسكرياً أمريكياً. إذ يبدو أنَّ السياسات التي تتبناها طالبان مكروهة على نطاقٍ واسع، وبوجهٍ عام، يحمل الأفغان شكوكاً تجاه حركة طالبان نفسها. ويُمكن القول إنَّهم محقون في الشك في صدق طالبان في المفاوضات، لكنَّهم مُخطئون في تعليق آمالهم على الوجود العسكري الأمريكي. فالوجود العسكري الأمريكي يُعد مجرد جزء صغير من التدخُّل الأمريكي في البلاد، وهو الأقل فاعلية في تحقيق نتائج مرغوبة في الوقت الحالي. إذ أدت العمليات العسكرية الأمريكية في أفغانستان في السنوات القليلة الماضية إلى زيادة عدد الضحايا المدنيين. وتجدر الإشارة إلى أنَّ عدد المدنيين الذين قتلتهم القوات الأمريكية والقوات الحكومية الأفغانية في العام الماضي 2019، يتجاوز عدد المدنيين الذين قتلتهم طالبان في العام نفسه.
وكثيراً ما يتعلَّل أولئك الذين يدعون إلى استمرار الوجود الأمريكي بأنَّ إبقاء القوات الأمريكية في أفغانستان إلى أجلٍ غير مسمى سيمنع تطوُّراتٍ افتراضية مستبعدة. ولعل المثال الأفظع من بين هذه الافتراضات هو الادعاء بأنَّ استمرار الوجود الأمريكي إلى أجل غير مسمى سيمنع ظهور تنظيم داعش كما حدث في العراق وسوريا عقب انسحاب القوات الأمريكية من العراق، على حد افتراضاتهم. وفي حين أنَّ هذا السيناريو مستبعدٌ تماماً، فحتى النتائج المحتملة الأخرى لن تتطلب رداً عسكرياً أمريكياً. إذ يُمكن القول إنَّ "انتصار" طالبان -إذا نُظر إلى أي نتيجةٍ على أنَّها انتصار للحركة- لا يُشكِّل في حد ذاته تهديداً أمنياً للوطن الأمريكي؛ لأنَّها منظمة محلية ذات طموحات محلية. أمَّا تنظيم القاعدة، فسوف يُشكِّل تهديداً إذا مُنِح فرصةً لتنفيذ عملياته، لكنَّ الرد العسكري سيكون غير فعال. فأدوات مكافحة الإرهاب التي تحد من عمليات نقل الموارد والمقاتلين عبر حدود الدول كانت فعَّالةً طوال الأعوام الـ18 الماضية في منع وقوع أي هجومٍ ناجح على الوطن الأمريكي، وستظل كذلك. وصحيحٌ أنَّ القيود المفروضة على حقوق الأقليات أو المرأة ينبغي أن تكون موضع اهتمام، لكنَّ الأمن البشري لا يتحقق باستخدام القوة العسكرية، بل سيكون الضغط الدبلوماسي والشروط المفروضة على التنمية والمساعدات الإنسانية أكثر فاعلية في ضمان هذه الحقوق.
خُلاصة القول إنَّ استخدام القوة العسكرية في أفغانستان لم يحقق سوى القليل، مقارنةً بالتكاليف الباهظة التي تكبدوها طوال الأعوام الـ18 الماضية. لذا يُتيح الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان فرصةً عظيمة، فرصةً قد تُمكِّن الولايات المتحدة من تحقيق أهدافها دبلوماسياً، وتفعيل إدراكٍ أوسع نطاقاً، مفاده أنَّ استخدام القوة العسكرية له فوائد محدودة وتكاليف باهظة.