بعد 19 عاماً من الصراع الدموي.. واشنطن وطالبان توقعان اتفاقاً ينهي الوجود الأمريكي بأفغانستان

أصدرت حكومتا الولايات المتحدة وأفغانستان، السبت 29 فبراير/شباط 2020، بياناً مشتركاً ذكر أن أمريكا وحلف شمال الأطلسي سيسحبان قواتهما من أفغانستان خلال 14 شهراً إذا أوفت حركة طالبان بالتزاماتها.

عربي بوست
تم النشر: 2020/02/29 الساعة 13:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/02/29 الساعة 15:24 بتوقيت غرينتش
أعضاء من الوفد المفاوض في حركة طالبان - رويترز

وقعت الولايات المتحدة اتفاقاً تاريخياً مع حركة طالبان السبت 29 فبراير/شباط 2020، مما قد يمهد الطريق نحو انسحاب كامل للقوات الأجنبية من أفغانستان في غضون 14 شهراً، ويمثل خطوة نحو إنهاء الحرب المستمرة منذ 18 عاماً، وعلى الرغم من أن الاتفاق يمهد الطريق أمام الولايات المتحدة للانسحاب تدريجياً من أطول حروبها، فإن كثيرين يتوقعون أن تكون المحادثات بين الأطراف الأفغانية المتعددة أكثر تعقيداً بكثير.

وقع الاتفاق في العاصمة القطرية الدوحة المبعوث الأمريكي الخاص بأفغانستان زلماي خليل زاد والمسؤول السياسي لطالبان الملا عبدالغني بارادار. وحضر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مراسم التوقيع.

سياق الحدث: يأتي البيان المشترك الصادر عن الطرفين، بعد توقيع الاتفاق، لينهي بذلك صراعاً بين الجانبين استمر منذ 19 عاماً، ويحضر توقيع الاتفاق وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، ونائب الشؤون السياسية في طالبان الملا عبدالغني، إضافة إلى مشاركة وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل الثاني عن راعية الاتفاق، قطر.

بنود الاتفاق: أعلنت الولايات المتحدة أنها ملتزمة بتقليص عدد قواتها في أفغانستان إلى 8600 جندي من 13 ألفاً في الوقت الحالي، في غضون 135 يوماً من توقيع الاتفاق والعمل مع حلفائها على خفض عدد قوات التحالف في أفغانستان على نحو متناسب خلال هذه الفترة، إذا ما أوفت طالبان بالتزاماتها.

جاء في البيان المشترك أن الانسحاب الكامل لكل القوات الأمريكية وقوات التحالف سيتم خلال 14 شهراً من توقيع الاتفاق، إذا التزمت طالبان بالجزء الخاص بها.

أثناء توقيع الاتفاق في الدوحة، التقى وصل وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر بالرئيس الأفغاني أشرف غني في كابول وأصدر الاثنان إعلاناً مشتركاً.

يمثل الاتفاق بالنسبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرصة للوفاء بتعهده بإعادة القوات الأمريكية إلى الوطن. لكن خبراء أمنيين وصفوا الاتفاق بأنه مقامرة سياسية تضفي الشرعية على حركة طالبان على الساحة الدولية.

موقف السفارة الأمريكية: قالت السفارة الأمريكية في كابول على تويتر "إنه يوم فارق بالنسبة لأفغانستان".

أضافت "يتعلق الأمر بصنع السلام وصياغة مستقبل مشترك أكثر إشراقاً. نقف إلى جانب أفغانستان".

قبل ساعات من توقيع الاتفاق، أمرت طالبان جميع مقاتليها "بالامتناع عن شن أي هجوم… من أجل سعادة الأمة".

قال ذبيح الله مجاهد وهو متحدث باسم الحركة "نأمل أن تظل الولايات المتحدة ملتزمة بوعودها خلال التفاوض واتفاق السلام وهذا هو المهم".

أضاف أن استمرار تحليق الطائرات العسكرية الأجنبية فوق الأراضي الخاضعة لسيطرة طالبان "أمر مثير للقلق واستفزازي".

من جانبها، نقلت قناة "الجزيرة" عن أمير خان متقي، عضو لجنة المفاوضات في حركة طالبان، قوله إن "الاتفاق بين واشنطن وطالبان إنجاز تاريخي لأنه سيسمح بانسحاب جميع القوات الأمريكية"، مضيفاً: "نشعر ببالغ السرور لإنجاز هذا الاتفاق".

كذلك أشار متقي إلى أن "طالبان منفتحة على جميع أطياف المجتمع الأفغاني ولم نقرر بعد أين سنجلس مع الحكومة"، في حين قال خير الله خير خوا، وهو عضو أيضاً بلجنة التفاوض في طالبان، إن "الحركة قدمت ضمانات بعدم استخدام الأراضي الأفغانية ضد الآخرين".

أما الرئيس الأفغاني أشرف غني فقال إن "الاتفاق سيجلب السلام والاستقرار لأفغانستان والجميع أقرّ به"، مبدياً ترحيب بلاده بالمفاوضات بين واشنطن وطالبان، لكنه أضاف: "هناك نقاط سنعمل عليها عبر مفاوضات مباشرة مع طالبان"، دون أن يذكر مزيداً من التفاصيل. 

بدوره قال وزير خارجية أمريكا، بومبيو، خلال مراسم توقيع الاتفاق، إن "الولايات المتحدة وطالبان واجها عقوداً من العمل العدواني وغياب الثقة"، معتبراً "اتفاق اليوم مقياساً للتأكد أن أفغانستان لن تكون مرة أخرى منطلقاً للإرهاب".

كذلك اعتبر بومبيو أن "حركة طالبان أثبتت أنه بإمكانها تحقيق السلام عندما تقرر ذلك"، مشيراً في ذات الوقت إلى أن "تحقيق السلام في أفغانستان يتطلب جهداً وتضحيات من جميع الأطراف".

بومبيو خاطب حركة طالبان قائلاً: "تمسّكو بالسلام وخفض حدة العنف، على طالبان الوفاء بوعودها بقطع علاقاتها بالإرهابيين في أفغانستان"، مضيفاً: "إذا التزمتم بالاتفاق سيتعامل معكم المجتمع الدولي بالمثل".

موقف السعودية: قالت وزارة الخارجية السعودية في بيان إن المملكة ترحب بتوقيع اتفاق بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية السبت.

أضاف البيان أن السعودية تتطلع "لأن تحقق تلك الخطوة وقفاً شاملاً ودائماً لإطلاق الـنار، وسلاماً يعم جميع أنحاء الــبلاد".

الصورة الكبيرة: يجسّد الاتفاق الذي تستعد أمريكا لتوقيعه مع طالبان للخروج من أطول حرب في تاريخها، منعطفاً دبلوماسياً مهماً، إذ إنه يؤشر إلى تراجع زخم التدخلات الأمريكية في أنحاء العالم.

كانت أمريكا قد دخلت أفغانستان ضمن ما سمّتها "الحرب على الإرهاب"، التي أعلنتها واشنطن غداة هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، ولم تبدِ الولايات المتحدة اعتراضات واسعة على ذلك التدخل، إذ ظلت صدمة انهيار برجي نيويورك ماثلة في أذهانها، وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية.

لكن مع مرور الوقت، أدى تراكم الخسائر البشرية في أفغانستان والعراق، وكذلك تخصيص المليارات للنفقات العسكرية، إلى تراجع القناعات، ووصل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعدما تعهد بالانسحاب من "الحروب التي لا تنتهي".

سيتيح الاتفاق انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، ليعلّق مصير هذا البلد بعد عقدين من النزاعات بحبل المفاوضات الغامضة التي يفترض أن تقوم بين الحركة والحكومة في كابول.

يعتبر آدم وونيش، المتخصص في الشؤون الأفغانية في معهد كوينسي الأمريكي والمناهض للتدخلات الخارجية، أنّ الرمال بدأت تتحرك حتى بما يخصّ المسألة الأفغانية التي ظلّت لوقت طويل في خانة المحرمات في الولايات المتحدة.

أضاف قائلاً إن "انتخاب ترامب رئيساً لم يمثّل منعطفاً بحد ذاته، وإنما جاء كمؤشر إلى أن التحوّل حصل"، مستبعداً في الوقت نفسه عودة الولايات المتحدة إلى الوراء في هذه المسألة.

عودة للوراء: منذ 11 أيلول/سبتمبر 2001، أسفرت الحروب التي قادتها الولايات المتحدة بشكل مباشر عن مقتل أكثر من 800 ألف شخص وكلّفت واشنطن ما يقدّر بنحو 6 آلاف مليار دولار، بحسب دراسة أعدتها جامعة براون.

هذا أدى إلى تراجع دعم الأمريكيين للتدخلات العسكرية مع مرور الوقت، ففي إحصاء نشره معهد غالوب في أيلول/سبتمبر تبين أن 43% يعتقدون بأن الحرب في أفغانستان كانت خاطئة منذ البداية.

كذلك يعتبر الجنرال الأمريكي المتقاعد ديفيد بترايوس الذي عمل في العراق وأفغانستان، أنه بمقدور الولايات المتحدة القيام بانتشارات عسكرية طويلة الأمد في الخارج ولكن بشرط تقليص "الكلفة الإنسانية والمالية".

تحميل المزيد