أنا أمريكي فلسطيني عربي. والدي فلسطيني مسيحي، ووالدتي فلسطينية مسلمة (وهم من الهيبيز كما هو واضح). طردت إسرائيل والديّ من مسقط رأسيهما في يافا وعكا. وبعد مولدي في الأردن نشأت في ضواحي فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا. والتحقت بالمدرسة، ثم كلية القانون في ميشيغان. ثم أصبحت كوميدياً، ولكن والدتي لا تزال تخبر الناس بأنّي محامٍ.
أعيش الآن في مدينة ديربورن بولاية ميشيغان، حيث يُوجد أكبر تجمّع للعرب والمسلمين في الولايات المتحدة. وهنا المكان الوحيد داخل الولايات المتحدة الذي يمكنك أن تتناول فيه الشاورما اللذيذة، وتشرب القهوة العربية، وتدخن النرجيلة (الشيشة)، ثم تهتف "الحرية لفلسطين" مع مئات الأصدقاء. إنها بمثابة ديزني لاند العرب.
كما أنني ألعب دور البديل الوطني للمرشح الرئاسي بيرني ساندرز، أي أنّني أظهر في حملاته الانتخابية نيابة عنه حين يُطلَب مني ذلك. نعم أنا فلسطيني أتطوع بساعات كثيرة من وقتي من أجل وصول الرجل اليهودي العجوز إلى الرئاسة، وأنا فخورٌ بذلك.
وتدعم الأغلبية الساحقة من عرب أمريكا (من كل الأديان) ومسلمي أمريكا (من كل الجنسيات) بيرني ساندرز. وفي الواقع، كنا ندعم ساندرز، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فيرمونت، منذ عام 2016.
وقبل أربع سنوات، نجح عرب أمريكا في جعل ساندرز يتصدر سباق الترشح في ميشيغان. وأظهرت نتائج الاقتراع تفوق ساندرز على هيلاري كلينتون بنسبة 3-1 في الانتخابات الديمقراطية التمهيدية عام 2016. ويعيش حوالي 400 ألف عربي في كافة أنحاء ميشيغان، حيث فاز ساندرز بفارق 17 ألف صوت.
كنت ناشطاً سياسياً في ذلك الوقت، ولا أزال كذلك حتى الآن. ولكن في ذلك الوقت -وحتى الآن- كان المراسلون يتصلون بي بشكلٍ مستمر ويطرحون نفس الأسئلة:
"كيف تفسر دعم العرب الأمريكيين لمرشح يهودي للرئاسة؟ هل هناك أي صعوبة في إقناع مجتمعك بدعم ساندرز لأنه يهودي؟ أنت تعلم أن بيرني ساندرز يهودي، أليس كذلك؟".
في البداية، نعم، جميعنا نعلم تماماً. ثانياً، الأسئلة من هذا النوع عنصرية تماماً، إذ يفترض من يطرح تلك الأسئلة أنّ العرب، والفلسطينيين على وجه الخصوص، يميلون وراثياً بشكلٍ ما إلى معاداة السامية. وهو افتراضٌ في غاية السخافة والسطحية.
إذ نميل نحن العرب، إلى العديد من الأشياء ومنها: الثوم، والمساومة على الأسعار، ووضع مفارش على الأثاث، والاختلاف بصوت عالٍ، والاتفاق بصوتٍ أعلى، والصوت العالي عموماً، ونحرّك أيدينا حين نتحدث، حتى على الهاتف. ولكن معاداة السامية لا وجود لها في جيناتنا الوراثية.
ودعوني أحاول أن أوضّح لكم شيئاً ما: حين يدعم عرب أمريكا بيرني ساندرز لا نقول إنّهم يدعمونه على الرغم من أنّه يهودي، بل نقول يدعمونه لأنّه يهودي. إذ تحدّث ساندرز في كثير من المرات عن أنّ معاناة أسرته في مذابح الهولوكوست جعلته أكثر تعاطفاً مع مآسي الآخرين، بما في ذلك محنة الفلسطينيين الذين يعيشون في ظروف ظالمة تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي.
وأوضح في العديد من المرات كيف يجب ألا تقتصر السياسة الخارجية الأمريكية على التركيز على رفاهية الشعب الإسرائيلي، بل يجب أن تركز بنفس القدر من الأهمية على رفاهية الفلسطينيين. ويتصدّر الوضع الإنساني المؤسف والمتكرر في غزة عادةً بؤرة تركيزه واهتماماته. ولا يكتفي بترديد وجهات نظر من يقولون دائماً "إنّه خطأ حماس"، بل يلقي مسؤولية حصار غزة على عاتق الحكومة الإسرائيلية، لأنّه يتسبب في معاناة لا يمكن تصورها لأكثر من مليونيّ فلسطيني في القطاع.
وكرّر ذلك مجدداً ليلة الثلاثاء، 18 فبراير/شباط، في اجتماع مبنى البلدية في نيفادا: "ينتابني شعورٌ قوي تجاه ذلك، لأنّي يهودي، وأعلم مقدار معاناة شعبنا اليهودي منذ سنوات طويلة. وها هو التاريخ يعيد نفسه مع الشعب الفلسطيني الآن في قطاع غزة"، وأشار إلى بيانات تفصيلية حول معدلات البطالة الهائلة في القطاع إلى جانب الظروف غير الإنسانية التي يعيش فيها سكان قطاع غزة.
وفي نفس الفعالية، قال أيضاً: "دعمنا للشعب الإسرائيلي وللسلام في الشرق الأوسط لا يعني أنّنا مضطرون إلى دعم الحكومات اليمينية المُتشدّدة الموجودة حالياً في إسرائيل". وقال إنّ رؤيته تتضمن جمع الفلسطينيين والإسرائيليين معاً "تحت مظلةٍ من العدل".
وهذا النوع من الخطاب يُعَدُّ غير مسبوق في السياسات الرئاسية الأمريكية. ويستطيع بيرني الخوض في تلك المنطقة، ويرجع ذلك بنسبةٍ كبيرة إلى كونه يهودياً. إلّا أنّ ذلك لم يمنع الجماعات المؤيدة لإسرائيل من انتقاده. إذ تُوجد لجنة عمل سياسي، لم يمر على تشكيلها عام واحد، تُعرف باسم "الأغلبية الديمقراطية الداعمة لإسرائيل" وتبُث إعلاناتها المناهضة لساندرز. ووفقاً لموقع The Intercept الأمريكي، هناك روابط وثيقة من حيث التمويل والتوجيه تجمع تلك اللجنة السياسية بلجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك). وبالتأكيد لم يتراجع ساندرز عن آرائه ومواقفه.
وفي عام 2016، راهن النشطاء الفلسطينيون والعرب الأمريكيون على بيرني. إذ شجّعنا حملته على الحديث عن العدالة المطلوبة للشعب الفلسطيني، في مقابل دعمنا. وأوفى بوعده، فأوفينا بوعدنا. وها نحن نفي بوعدنا مجدداً.
فضلاً عن أنّ الشعارات الرئيسية لحملته ترتبط مباشرةً بقيمنا الثقافية. إذ إنّ شعارات مثل: "جميعنا نخوض ذلك معاً"، و "كافح من أجل من لا تعرفهم"، و "تحدثوا عن المستضعفين بيننا"، هي نفس العبارات التي كنا نسمعها من آبائنا وأمهاتنا العرب طوال سنين. فضلاً عن أنّ شعاره الشهير #NotMeUs (لا تقل أنا، بل قل نحن) يتناسب مع فطرتنا. وهو يقول هذه العبارات لأنّه يهودي، ونجدها نحن مألوفة على أسماعنا لأنّنا عرب.
وكما أقول كثيراً في عروضي، العرب واليهود ليسوا مختلفين. في العربية، نقول إنّ اليهود "أبناء عمومتنا"، ونعني ذلك حقاً. إنّنا متشابهون بدرجةٍ كبيرة. نفس الأنوف الكبيرة، والأمهات سريعة الغضب، والأذرع المشعرة (وينطبق ذلك على الرجال والنساء). الفارق الوحيد هو أنّهم شعب الله المختار، بينما يستهدفنا مكتب التحقيقات الفيدرالي.
وفي هذه الدورة الانتخابية الأمريكية، شاهدونا -نحن العرب- نمنح أصواتنا للعجوز اليهودي. ولا تعتبروه أمراً غريباً، فهذا طبيعي تماماً.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Haaretz.
عامر زهر هو كوميدي فلسطيني أمريكي، وكاتب وصانع أفلام، وناشط سياسي، وأستاذ مساعد بكلية الحقوق في جامعة ديترويت.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.