“له ما له وعليه ما علیه”.. هذا ما يجب ألا ينساه المصريون لحسني مبارك

عدد القراءات
1,918
تم النشر: 2020/02/26 الساعة 13:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/02/26 الساعة 13:09 بتوقيت غرينتش

منذ سنوات خرجت جماهیر حاشدة في صعید مصر وراء تشییع جثمان الشیخ العریان، الذي عاش في حفرة حفرها لیعیش داخلها 60 عاماً، یأکل العُشب، وأسماك البرك والمُستنقعات، وعاش بدون ملابس ولا غطاء طوال حیاته، وبـ"إعلان وفاة الشیخ العریان حضرت جماهیر غفیرة لتشییع الجثمان تبارکاً بکراماته، هذا الرجل الذي لا یعرفهم ولا هم یعرفونه وصنعوا منه أساطیر وحکایات، وکانت الطُبول والمزمار تتقدم الجنازة، والیوم أمام نفس المشهد.

25 من فبرایر/شباط 2020، أعلنت مصر المحروسة وفاة الرٸیس مبارك عن عمر یُناهز 92 عاماً، والإعلان عن عفو رٸاسي بتشییع الجثمان في جنازة عسکریة، وإعلان الحداد في البلاد، وکانت محکمة مصریة حکمت سابقاً علی مبارك بعدم حقه في حالة الوفاة بتکریمه في مراسم تشیيعه في جنازة عسکریة، وسحب منه "نوط الواجب العسکري والنیاشیین والأوسمة"، وفي مُحاکمة عُرفت باسم "محکمة القرن" حكمت للرٸیس حسني مبارك "بالبراءة" فإنه كان واضحاً في حيثيات الحكم أن تلك البراءة جاءت في الاتهامات الواردة بتحقيقات النيابة في قضية قتل المتظاهرين خلال ینایر/فبرایر 2011، وليست لجرائم سياسية ارتكبها ونظامه لسنوات طويلة. 

وهنا الخطأ الذي ارتکبه کل الفاعلین، وهو محاكمة مبارك جناٸیاً ولیس سیاسیاً، رغم ما حدث مِن قتل لیست قضیة ثأر، ليس فقط ثأر دم الشهداء، ولكن ثأر فساد تخلل في الجهاز الإداري للدولة لسنوات طويلة انتهت بأحداث وكوارث هو ووزراؤه ونظامه سببها الأساسي، ثأر الفساد الذي انتشر من أكبر وزير في حكومته إلى أصغر عامل في نظامه، من فساد خلق بیٸة في جمیع المجالات السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة. 

کان من الغریب بعد إعلان وفاة مبارك حالة الجدل في الشارع المصري، "له ما له وعليه ما علیه"، وعلی شبکات التواصل الاجتماعي، وتبارکاً بمقولة (اذکروا محاسن موتاکم)، رغم أن البعض ینکر معنى المقولة في موضعها هذا. ورغم إیماني "لا حیلة في الرزق ولا شفاعة في الموت"، ولکن هنا التاریخ لا یرحم، الحکام وکذلك الرعیة في حکم الاستبداد للطغاة، وقد وضع التاریخ حُکاماً وسلاطین ومُلوكاً کثیراً في سلة مذبلة التاریخ.

لن ننسى جرائم الفساد في وزارة الزراعة ودخول البلاد صفقات من مواد مسرطنة، وإفساد منظومة زراعة محصول القطن المصدر الاقتصادي للدولة والفلاح المصري، هل أصبحت ذاکرة المصریین في طيّ النسیان، لن ننسی 1400 مصري شهداء عبارة السلام 1998، وقت أن كان يشاهد مباراة كرم قدم في الاستاد، لن ننسى شهداء حوادث قطار الصعيد التي تكررت دون أن يقدم أي اعتذار، لن ننسى رشاوى الوزراء ووكلائهم، هل تتذکرون (ما قال کبیرهم في مجلس الشعب، السید زکریا عزمي رٸیس دیوان رٸاسة الجمهوریة) وهو یقول: الفساد وصل في المحلیات للرکب. لن ننسى آلاف الأفدنة التي حصل عليها رجال الأعمال من الأصدقاء والأقارب دون وجه حق، لن ننسى قراراتك الاقتصادية الخاطئة بخصخصة شركات قطاع الأعمال العام وإهدار مال الدولة، وتصفیة وبیع أصول الشرکات والأراضي بأبخس الثمن، لن ننسى تدميرك للتعليم المصري بعد تجاهلك تطوير المدارس والمناهج، لن ننسى آلاف المرضى الذين يفارقون الحياة يومياً بسبب فیروس (س) لتأخر قرار العلاج على نفقة الدولة، لقد حصد هذا الوباء من کل منزل في مصر أرواحاً، لن ننسى فشلك لسنوات في وضع منظومة شاملة للتأمين الصحي، لن ننسى الحال السيئ الذي وصلت إليه  الأمور في أخطر القضایا المصیریة وهو ملف "المیاه"، وکذلك ما یحدث الآن في سيناء وترك المنطقة الرخویة على حدود فلسطین المحتلة بطول 100 کیلو متر،   وکذلك مناطق في النوبة والصعيد بعد أن تركت أهلها يعيشون في الجهل والفقر وغياب التنمية.

لن ننسى مئات الشباب ممن غرقوا في البحر بعد إحباطهم من حال الدولة وقرارهم الهجرة غير الشرعية، لن ننسى الصفقات المسرطنة للأسمدة، لن ننسى تزوير انتخابات منذ رٸاستك عام 1981 حتى  2010، لن ننسى "خليهم يتسلوا"، لن ننسى تعديل الدستور "بالمقاس"، لن ننسى طوابير الخبز، لن ننسى جبروت الحزب الوطني وجبروته، لن ننسى وزراء حكومتك من أصدقاء نجلك جمال. وجمعیة أصدقاء البزنس وجمعیات النهب والسرقة ونهب المال العام (القطط السمان) الأمریکیة وشلة جمال في التلاعب بالبورصة وضیاع أموال وسندات المعاشات التي تقدر بالملیارات، لن ننسي حرمان جیلي ومن بعدي في الحصول علی وظیفة، وهروبنا خارج الوطن من الفقر والجوع، لقد عبر شباب البحار ولاقوا حتفهم لأنهم مهمشین في المجتمع من المحسوبیة والوساطة وغیاب العدالة والمساواة، کم شاب حُرم من التعیین في وظاٸف في وزارت سیادیة بسبب أنه من أسر فقیرة ولا ینطبق علیه الشروط المجحفة والعنصریة.

هل تعلم أن ملف العدالة والمساواة خلق جیلاً یحمل فکراً آخر، یحمل البغضاء والکراهیة لأي نظام مهما کان، أیها السلطان الذي ستقف أمام الخالق الجبار بعد ساعات حواريوكِ ومستشاروكِ ووزراؤكِ لن ینفعوك، جمال وعلاء اللذان مكّنت لهما، وقصورك التي طاب لك العيش فيها لن تنفعك بشيء، سیادة الرٸیس ماذا تقول أمام مالك المُلك عن أموال السیدة حرمك، وعن رد الأموال المنهوبة من مکتبة الإسکندریة، وقد اعترفت بها في التحقیقات وتم ردّها والتي تقدر بالملایین. 

الرٸیس مبارك في عقيدة المحكمة في "القصور الرئاسية مجرم وسارق"، وفي عقيدتنا أيضاً مجرم وسارق، رغم البراءة في قتل المتظاهرين، الیوم لا تشیید للقصور، الیوم ستدخل عالم القبور، أین الجبابرة؟ أین عبدالناصر والسادات وهتلر وموسیلیني وغیرهم؟ أفضوا إلى ما قدموا.

فمهما طال العمر فله نهاية، ومهما بلغت قوة المرء وجبروته فسيوارى التراب، ومن فاتته عدالة الأرض بالفساد والطغيان "فلن تجامله عدالة السماء عندما يقدم على ربه متجرداً من كل حول وقوة وسلطان، هل الشعب المصري فقد الذاکرة.

في حكم سطرته محكمة جنايات القاهرة بقضية القصور الرئاسية قالت عنك: "الله منّ على مبارك وبوأه حكم مصر وأقسم على احترام الدستور والقانون وبات نائباً عن شعبه في إدارة شؤونه وقائماً على أمواله، لكنه لم يكبح جماح نفسه وأولاده وغيرهم عن المال العام، واستباح منه دون وجه حق، وكان عليه أن يعدل بالمساواة بين أبعد الناس وأقربهم في قضاء الحقوق، ولكنه لم يفعل ولم يَسِر على نهج السلف الصالح مثل عمر بن الخطاب الذي ساوى بين أبنائه وسائر المسلمين".

وفي النهایة ونحن في دار الحیاة وهو الآن في دار الحق نترحم على أموات شهداء 25 من ینایر وکل ميادین مصر، ونقدم وافر العزاء لمن ماتوا في السجون ظلماً.

وافر العزاء لمن عاشوا 30 عاماً في دولة الخوف والاستبداد في ظل قانون طوارئ  طوال عهده.

وافر العزاء لعمال مصر الذین تم قتلهم في حلوان وكفر الدوار، وکبت جماح العمال من حق التظاهر والوقفات الاحتجاجیة.

وافر العزاء لآلاف من ضحايا التعذيب وجحافل المعتقلات.

وافر العزاء لمن أصيب بالسرطان وأمراض الکبد نتيجة فساد نظامه.

وأخیراً لا عزاء للفساد واللصوص والاستبداد وجمهوریات الخوف.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد سعد عبداللطيف
متخصص فی علم الجغرافیا السیاسیة
تحميل المزيد