كشف تضارب الأنباء حول تنفيذ السلطات المصرية حكم الإعدام بحق الضابط السابق في الجيش المصري، هشام عشماوي، كواليس الخلاف بين الداخلية والجيش بشأن إعلان "خبر إعدام عشماوي"، وأسباب حالة التخبط التي أصابت وسائل الإعلام المصرية جراء هذا الخبر الهام .
وقبل الإعلان عن الخبر، أكدت مصادر مطلعة لـ "عربي بوست" إعدام عشماوي، وتنفيذ حكم الإعدام في سجن طرة وليس في سجن الاستئناف كما هو متعارف عليه، وأن الإعلان عن الإعدام سيكون من قبل جهات سيادية أخرى، وليس مصلحة السجون.
بعد فترة وجيزة من نشر وسائل إعلام محلية خبر تنفيذ حكم الإعدام بحق "عشماوي"، سارعت جميع المواقع والصحف إلى سحب الخبر، بل والاعتذار عنه، رغم عدم نفيه في سابقة هي الأولى من نوعها، بما فيها موقع سكاي نيوز "بالإمارات".
وكانت عدة مواقع صحفية، ذكرت صباح اليوم الإثنين 24 فبراير/شباط 2019، أن مصلحة السجون داخل سجن استئناف القاهرة نفذت حكم الإعدام بحضور عدد من قيادات مصلحة السجون وأحد أعضاء النيابة العامة وطبيب شرعي وعضو من دار الإفتاء.
الخبر جاء من مصدر أمني
وبالعودة إلى الكواليس لمعرفة سبب تضارب الأنباء، قال مصدر إعلامي خاص لـ "عربي بوست" إن الخبر وصل للقنوات والمواقع الصحفية ممهوراً "بمصدر أمني"، وليس بياناً من وزارة الداخلية، يفيد بتنفيذ حكم الإعدام صباح اليوم.
وأضاف المصدر، بعد وقت قليل، انقلبت الدنيا رأساً على عقب بعد نشر الخبر في جميع المواقع، وجاءت تعليمات مشددة وغاضبة بسرعة "سحب الخبر"، بل والاعتذار عنه.
تفاصيل إعدام عشماوي
لكن مصادر أمنية وقضائية وصحفية أكدت لـ "عربي بوست" تنفيذ حكم الإعدام بحق الضابط المصري السابق، هشام عشماوي في سجن غير سجن الاستئناف، إنما في سجن طره بالقاهرة (مجمع للسجون)، من خلال تخصيص غرفة خاصة "لعملية الإعدام".
يأتي إعدام عشماوي، رغم تأكيد محاميه خالد المصري، أنه "لم يتم إبلاغ أهل هشام عشماوي بقرار تنفيذ حكم الإعدام نهائياً من أي جهة رسمية.
وقال "كل ما تم نشره في وسائل الإعلام مصدره موقع العربية نت، ولا نعرف من أين استقى الموقع هذه المعلومة".
وأصدر القضاء المصري حكمين نهائيين بتأييد إعدام عشماوي لإدانته في القضيتين المعروفتين إعلامياً بـ "الفرافرة" و "أنصار بيت المقدس الثالثة" اللتين راح ضحيتهما عشرات الضباط والمجندين بين قتيل ومصاب، في هجمات مسلحة وصفت بـ "النوعية".
لماذا تم سحب خبر إعدام عشماوي؟
بشأن كواليس سحب الخبر، قالت مصادر مطلعة لـ "عربي بوست" إن الجهة التي أعلنت تنفيذ حكم الإعدام، هي جهة أمنية، وليست عسكرية، مما أثار غضب المؤسسة العسكرية، وخاصة الجهاز السيادي الذي كان تسلم "عشماوي" من ليبيا.
وأوضح المصدر أن الجهة العسكرية، ثارت غضباً بعد نشر الخبر دون الرجوع إليها والتنسيق معها، لأنه ليس من صلاحيات الداخلية نشر الخبر باعتبار أن الصيد "هو صيد عسكري"، وليس صيداً مدنياً تابعاً لوزارة الداخلية، وما حدث اعتبر تجاوزاً من الداخلية.
وأكد المصدر المطلع أن هناك ترتيبات أخرى يتم التجهيز لها من أجل الإعلان عن إعدام "عشماوي" بشكل مغاير لما تم، وأن إعدام الرجل هو بمثابة ضربة قوية للتنظيمات الإرهابية، ورسالة واضحة أن القيادة السياسية في مصر قادرة على استئصال شأفة أي خطر "مهما كان".
ماذا عن جلسة 2 مارس/آذار المقبلة التي يحاكم بها؟
يأتي تنفيذ الحكم قبل جلسة النطق بالحكم على "هشام عشماوي" بعد إحالة أوراقه و٣٦ آخرين لمفتي الديار المصرية؛ فاستطلاع رأيه الشرعي في إعدامهم في محاكمة 213 متهماً في القضية المعروفة إعلامياً بـ "أنصار بيت المقدس".
كانت محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة بمجمع المحاكم بطرة، أحالت القضية لمفتي الجمهورية في الأول من فبراير/شباط الجاري، وحددت المحكمة جلسة 2 مارس/آذار المقبل، للنطق بالحكم بعد ورود رأي المفتي، وهو استشاري.
لكن كان هناك حكم عسكري آخر بالإعدام صدر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث قضت محكمة عسكرية بإعدام "عشماوي" بعد أن أدانته بارتكاب عدة جرائم، منها تدبير هجوم في 2014، أدى إلى مقتل 22 من قوات حرس الحدود قرب الحدود مع ليبيا، وعدد آخر من العمليات المسلحة.
وبناء عليه، توقع أحد المصادر المطلعة في حديثه لـ "عربي بوست" أن تكون عملية الإعدام ليست تنفيذاً للحكم الصادر من محكمة الجنايات، إنما تنفيذاً للحكم العسكري الصادر عن المحكمة العسكرية في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
رحلة عشماوي من الجيش لداعش ثم القاعدة
كانت القاهرة قد أعلنت في 29 مايو/أيار 2019، تسلُّمها عشماوي من قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، التي أوقفته في مدينة درنة شرقي ليبيا، في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
عودة إلى الوراء: في 2012، انضم عشماوي الضابط السابق في القوات الخاصة المصرية لجماعة أنصار بيت المقدس، ليقود خلية مختصة بتدريب أعضاء التنظيم على الأعمال القتالية، مستغلاً خبرته العسكرية، حسب ما نقلته وكالة رويترز عن مسؤولين أمنيين.
مع حلول نوفمبر/تشرين الثاني 2014، أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس التي ينتمي إليها عشماوي البيعة لتنظيم داعش، لكن عشماوي رفض مبايعة داعش، وكوَّن مجموعة "المرابطون"، التي عُرفت بموالاة تنظيم القاعدة في ليبيا.
بعد هجوم الواحات الذي قاده في أكتوبر/تشرين الأول 2017، توجه عشماوي إلى ليبيا، مستغلاً حالة الفوضى التي تسود البلاد منذ سقوط معمر القذافي، قبل أن تتم إعادته إلى مصر.
وفي 8 أكتوبر/تشرين الأول 2018، اعتقلته قوات حفتر في درنة (شرق) خلال المعارك التي خاضتها في المدينة، قبل أن تسلمه لمصر.
لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
توافق « عربي بوست » أحياناً على عدم التعريف بأسماء مصادر تقدم معلومات حساسة لقرائنا. وبموجب إرشادات الموقع، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر وذات مصداقية، وأننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، وبعضهم يتساءلون ما إذا كانت هذه المصادر موجودة أصلاً. لكن لدينا قواعد وإجراءات لمحاولة معالجة هذه المخاوف.
فبالإضافة إلى المراسل، يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر. ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم أو من ينوب عنه قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. وعندما تكون القصة مبنية على معلومة مركزية من مصدر مجهول، فيجب الموافقة عليها بشكل عام من قبل رئيس التحرير.
نحن نتفهم حذر القراء، ولكن لا يمكن أبداً الحصول على المعلومات حول العديد من القصص المهمة في مجالات حساسة، مثل السياسة والأمن القومي والأعمال، إذا استبعدنا المصادر غير المعرّفة. فالمصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية. حتى في بعض الأحيان من أجل سلامتها.
يعتقد بعض القراء أن المصادر تكون أكثر صدقاً إذا تم نشر أسمائها، ومن غير المرجح أن يكذبوا إذا تم الكشف عن هويتهم. إلا أن المراسلين في العديد من المناطق يعرفون أن العكس هو الصحيح. فالمصادر في المناصب الحساسة غالباً ما سيتحدثون ببساطة بحسب التوجهات الرسمية. وسيكونون صريحين فقط إذا كانوا يعرفون أن أسماءهم لن يتم الكشف عنها.