يقول بعض الخبراء إن ممارسات الحجر الصحي على متن سفينة سياحية أصيب ركابها بفيروس كورونا ربما تكون قد ساعدت في انتشار الفيروس.
حسب تقرير موقع Business Insider الأمريكي تحمل سفينة "أميرة الألماس" على متنها نحو 3500 راكب وطاقمها. وكانت احتجزت لمدة 14 يوماً في ميناء يوكوهاما باليابان، حيث كان من المقرر أصلاً أن ترسو في فبراير/شباط.
شهدت السفينة معدلاً غير مسبوق من تفشي العدوى، فقد حملت على متنها حالات مصابة بفيروس كورونا أكثر من أي دولة أخرى باستثناء الصين. وأعلن وزير الصحة الياباني يوم السبت عن 67 حالة أخرى مصابة على متن السفينة، وبذلك يصل العدد الإجمالي للمصابين في السفينة إلى 286 حالة، حتى إن أحد الضباط المسؤولين عن الحجر الصحي قد تبين أنه مصاب بالفيروس.
يقول توم إنجليسبي، خبير الأمراض المعدية ومدير مركز "جونز هوبكنز للأمن الصحي"، لمجلة TIME الأمريكية، إنه "يوجد الآن دليل كاف على أن هذا [الحجر الصحي] لا يمنع انتشار الإصابة بالعدوى داخل السفينة، بل يشكل خطراً ينطوي على تفشٍ أكبر للفيروس داخل السفينة".
بغرفهم لا يتحركون، منذ أن بدأ الحجر الصحي، ظل الركاب محبوسين في غرفهم، وتُوصّل الوجبات إلى أبواب الغرف كل يوم. ونُقل الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس من السفينة إلى منشآت طبية، وفقاً للشركة السياحية التي تتبع لها السفينة، ووزارة الصحة اليابانية.
المشكلة الرئيسة، وفقاً لما قال عديد من الخبراء، هي قرار إبقاء الركاب على متن السفينة، وخاصة أولئك الذين أظهرت التحاليل عدم إصابتهم بالفيروس المستجد.
في تصريحات لصحيفة Montreal Gazette، قالت الدكتورة آن جاتينول، عالمة الأحياء المجهرية التي تدرس الفيروسات في جامعة ماكجيل، "من وجهة نظر عالِم الفيروسات، فإن سفينة رحلات تضم عدداً كبيراً من الأشخاص على متنها تعتبر حاضنة للفيروسات أكثر من كونها مكاناً جيداً لتطبيق حجر صحي".
في الوقت الذي يعبر فيه الخبراء عن قلقهم بشأن فعالية الحجر الصحي، فإن ركاباً على متن السفينة أخذوا يُعربون عن خوفهم واستيائهم من الظروف المعيشية التي يلاقونها في ظل الحجر الصحي المفروض على السفينة.
قالت غاي كورتر، الروائية البالغة من العمر 75 عاماً والمحتجزة مع زوجها في مقصورة على متن السفينة، لصحيفة The Wall Street Journal: "لا يمكنني استيعاب حقيقة أنني يمكن أن أموت على متن هذه السفينة. وعندما أخرج من الغرفة لأنظر، أجد أشخاصاً يرتدون بذلات بيضاء".
عزل الأشخاص الأصحاء، يقول إنجليسبي: "لا توجد سوابق محددة وواضحة لما يجب أن يحدث" يُسمح للركاب في الغرف الداخلية التي ليس بها نوافذ بالتنقل إلى سطح السفينة لبضع دقائق كل يوم، مرتدين أقنعة التنفس "إن 95" N95. وأقنعة الوجه ليست قادرة على حماية مرتديها من الإصابة بالفيروس، لكنها قد تساعد في حماية الآخرين من التعرض للعدوى. وقد نصحت السلطات الركاب بالحفاظ على مسافة 6 أقدام بينهم في جميع الأوقات.
وقال ديفيد فيسمان، أستاذ علم الأوبئة بجامعة تورنتو، لموقع Vox الإخباري: "لقد احتجزوا على نحو أساسي مجموعة من الناس في حاوية كبيرة [مع] الفيروس. ومن ثم [فأنا] أفترض أن "الحجر الصحي" على هذا النحو يولّد انتقالاً نشطاً للعدوى".
كان خبراء آخرون شاركوا مخاوف مماثلة بشأن الخطر الكبير المتمثل في إبقاء آلاف من الأشخاص في أماكن قريبة وذات صلة بالسفينة. إذ من غير الواضح ما إذا كان الفيروس يمكن أن ينتشر من الأسطح في حال لمسها شخص مريض. وقالت مؤسسة "مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها" CDC في خطاب موجه إلى ركاب وطاقم سفينة "أميرة الألماس" إن المؤسسة ليس لديها أي دليل يشير إلى أن الفيروس يمكن أن ينتشر من خلال فتحات التهوية.
يقول ماساهيرو كامي، رئيس "معهد بحوث الحوكمة الطبية" غير الربحي في اليابان، لوكالة United Press International يوم الثلاثاء: "بالنظر إلى أن العدوى بدأت في مكان مغلق، وفي حال استمر هذا الوضع، فإن [عدد المصابين] سيزداد باطراد. الأمر يتوقف على خطأ بسيط واحد، وربما أي شخص [على متن] السفينة يمكن أن يصاب".
يقول العديد من الخبراء إنه يجب عزل الركاب الذين اختبروا نتائج سلبية للفيروس عن السفينة، وإتمام حجرهم الصحي في مكان آخر. إذ على الرغم من أن الأشخاص الذين يظهرون نتائج سلبية يُحتمل أنهم لا يزالون مصابين بالفيروس، فإن عزلهم بعيداً عن السفينة قد يقلل من خطر الإصابة للأشخاص الأصحاء.
إبقاؤهم بالسفينة غير أخلاقي، كتب مايكل مينا، أستاذ علم الأوبئة والمناعة بجامعة هارفارد الأمريكية يوم الإثنين، في تغريدة على موقع تويتر، قائلاً: إن "قرار إبقاء الركاب والطاقم محتجزين على متن السفينة لم يعد أخلاقياً، علاوة على أنه غير مناسب على الإطلاق. من الواضح أن تلك الظروف بدأت تنقل العدوى بينهم، وهو ما يعرّض الجميع لخطر لا يمكن تجاهله".
قد كان أعضاء الطاقم معرضين للخطر على نحو خاص، لأنهم لا يحظون بغرف خاصة بهم. وقد جاءت اختبارات فحص ما لا يقل عن 10 من أفراد الطاقم إيجابية الإصابة بفيروس كورونا. وفقاً لتقرير صحيفة The New York Times، كان أفراد الطاقم المصابين قد أكلوا في قاعة اجتماع الموظفين إلى جانب زملائهم في السفينة.
وقال سونالي ثكار، وهو عامل على متن السفينة السياحية، لشبكة CNN: "كلنا خائفون ومتوترون حقاً. فهناك العديد من الأماكن التي نجتمع فيها جميعاً، غير مفصولين عن بعضنا البعض".
كذلك أعرب جون لينش، وهو أستاذ علم الأمراض المعدية بجامعة واشنطن، عن قلقه لصحيفة The New York Times بشأن المخاطر الكبيرة التي يتعرض لها أعضاء الطاقم. لكنه أضاف: "علينا أن نتذكر أن الحجر الصحي يحمي من هم خارج الحجر الصحي، وليس أولئك الموجودين في نطاقه".
يقول بعض الخبراء إننا لا نعرف حتى الآن ما يكفي لتحديد ما إذا كان الحجر الصحي نجحَ أم لا. وطرحت ماريون كوبمانز، رئيسة قسم علم الفيروسات في "مركز إيراسموس الطبي" في روتردام بهولندا، السؤالَ على العموم في Vox: "هل هذه حقاً إصابات جديدة بعد الحجر الصحي، أم أن هؤلاء الأشخاص كانوا قد أصيبوا بالفعل [بالفيروس] وقد كانت فترة الحضانة العادية [قبل ظهور الأعراض]؟"
دوافع إبقائهم على السفينة، لم تقدم وزارة الصحة اليابانية الكثير من التعليقات حول المنطق وراء قرارات الحجر الصحي لسفينة الرحلات، لكن بعض الناس أشاروا إلى أنه ليس من السهل العثور على مرافق حجر صحي على الفور لـ3500 شخص. في حين أن بعض الخبراء لديهم نظريات أخرى حول الموضوع.
يقول ستيفن هوفمان، مدير مختبر Global Strategy Lab وأستاذ الصحة العالمية بجامعة يورك، لموقع Vox: "الحكومة اليابانية على الأرجح معنيةٌ بوقف انتشار فيروس كورونا المستجد إلى البلاد أكثر من اعتنائها بالخطر الأكبر المتعلق باحتمالية إصابة الركاب الأصحاء خلال هذا الحجر الصحي الجماعي".
بدأ المسؤولون في التحرك في اتجاه جديد يوم الأربعاء، إذ أعلنت وزارة الصحة اليابانية أن بعض الركاب يمكنهم مغادرة السفينة، وإتمام فترة الحجر الصحي على البر. وينطبق العرض على الركاب الذين تزيد أعمارهم على 80 عاماً ولديهم غرف بدون نوافذ أو حالات طبية مسبقة. ومع ذلك، سيتعين أن تأتي نتائج اختبارات فحصهم سلبية لكي يتمكنوا من المغادرة.
من المقرر أن ينتهي الحجر الصحي المستمر لمدة 14 يوماً في 19 فبراير/شباط. وبحلول ذلك الوقت، سيكون أي ركاب متبقين قد بقوا على متن السفينة لمدة شهر تقريباً.