حذَّر وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، من أنَّ التحالفات الأمريكية، وضمن ذلك مستقبل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ستكون مُعرَّضةً للخطر إذا مضت الدول الأوروبية قُدُماً في استخدام تقنية شركة هواوي الصينية في بناء شبكات الجيل الخامس فيها.
حسب صحيفة The Guardian البريطانية، حذَّر إسبر من أنَّ التعاون الاستخباراتي بين أمريكا وحلفائها في المستقبل سيكون في خطر، لأنَّ الولايات المتحدة لن تكون واثقةً بأنَّ شبكات اتصالاتها آمنة.
يبدو أنَّ تصريحاته التي أدلى بها في مؤتمر ميونيخ للأمن السبت 15 فبراير/شباط، والتي جاءت مدعومةً بتحذيراتٍ مماثلة من وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، لا تدع أي مجالٍ للشك في أنَّ الولايات المتحدة ترى أنَّ إيجاد بديلٍ لـ "هواوي" أساسيٌ بالنسبة لأمنها.
في السياق نفسه، ذكرت صحيفة Sydney Morning Herald الأسترالية أنَّ لجنة الاستخبارات والأمن الأسترالية ألغت زيارةً كان من المقرر أن تجريها لبريطانيا في الشهر المقبل (مارس/آذار)، بسبب تداعيات القرار المثير للجدل الذي اتخذه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسوس، بالسماح لشركة هواوي بالمساعدة في بناء شبكة الجيل الخامس في بريطانيا. وتجدر الإشارة إلى أنَّ أستراليا، مثلها مثل الولايات المتحدة، حظرت شركة هواوي من شبكات الاتصال الخاصة بها، بسبب المخاوف الأمنية.
يقول إسبر إنَّه لم يُطالع تفاصيل الخطط البريطانية المحددة لدمج هواوي في جزء من شبكة الجيل الخامس ببريطانيا، واعترف بأنَّ الولايات المتحدة مُعرَّضة لاتهامها بأنَّها لم توفِّر بديلاً لأوروبا يغنيها عن شركة هواوي.
بديل لـ "هواوي": أكَّد أنَّ بلاده مستعدةٌ للتعاون مع شركائها الأوروبيين؛ لمعرفة ما إذا كان بإمكان بعض الشركات الأخرى مثل إريكسون تطوير بديل، وأنَّ واشنطن تعمل حالياً لدعم تطوير خيارات أخرى.
يضيف: "نُشجِّع شركات التكنولوجيا المتحالفة معنا وشركات التكنولوجيا الأمريكية على تطوير حلول بديلة من شبكات الجيل الخامس، ونعمل جنباً إلى جنب لاختبار هذه التقنيات بقواعدنا العسكرية في أثناء حديثنا عنها، إنَّ تطوير شبكاتنا الآمنة من الجيل الخامس سيفوق أي مكاسب متوقعة من الشراكة مع مزودي الخدمة الصينيين الذين يتلقون دعماً مالياً كبيراً ويرضخون لقيادة الحزب".
اعترف إسبر بأنَّ الاستجابة للمطالب الأمريكية بعدم التعاون مع شركة هواوي جاءت متفاوتة، مشيراً إلى أنَّ كثيراً من الدول تُركِّز على المكاسب الاقتصادية قصيرة الأجل بدلاً من التهديدات الأمنية طويلة الأجل.
من جانبه حذَّر ليندسي غراهام، السيناتور الأمريكي المقرب إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المملكة المتحدة من أنَّها ستُخاطر بحرق جسورها إذا ضمَّت تقنيات هواوي إلى شبكة الجيل الخامس البريطانية. وقال: "الشيء الوحيد الذي تحتاجون معرفته أنَّ الأوساط السياسية في وطني متقلبة للغاية، إلى درجةٍ لم أعهدها على الإطلاق. وجميعنا نتفق على أنَّ تقنيات هواوي تُشكِّل خطراً محتملاً على الولايات المتحدة، ونعتقد حقاً أنَّها تُهدِّد النظام العالمي برمته".
حرق جسور التعاون: "صحيحٌ أنَّ نانسي بيلوسي (زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب) ودونالد ترامب لا يتفقان في كثير من الأمور، ولكن إذا سألتهما عن استعانة بريطانيا بتقنيات شركة هواوي، فسيعطيانك الإجابة نفسها. نحن -الجمهوريين والديمقراطيين- حازمون في التزامنا الوفاء بقولنا إنَّكم إذا مضيتم قُدُماً في التعاون مع هواوي، فسوف تحرقون كثيراً من الجسور".
تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ إسبر وبومبيو وضعا الخطر الذي تُشكِّله هواوي في سياق تهديدٍ شبه وجوديٍّ للحرية الغربية يُشكِّله صعود الصين.
إذ ادعى إسبر أنَّ شركة هواوي أصبحت "مثالاً صينياً يوضِّح الاستراتيجية الصينية الصناعية الشائنة" التي "تغذيها السرقة والإكراه واستغلال السوق الحرة والشركات الخاصة والجامعات".
الشيوعيون وهواوي: أضاف: "الاعتماد على بائعي خدمة الجيل الخامس الصينيين قد يجعل أنظمة شركائنا المهمة للغاية عُرضةً للاضطراب والتلاعب والتجسس. ويُمكن أيضاً أن يُهدِّد كفاءتنا في تبادل الاستخبارات والاتصالات، ومن ثَمَّ، قد يُعرِّض تحالفاتنا للخطر، الحزب الشيوعي الصيني يسير بخطى أكثر وأسرع في الاتجاه الخاطئ بممارسة مزيد من القمع الداخلي، واتِّباع سلوكٍ أكثر افتراساً وأساليب أشد وحشية، واتخاذ موقف عسكري أكثر عدوانية. لذا من الضروري أن يتيقَّظ المجتمع الدولي إلى التحدي الذي يواجهه".
في حين قال بومبيو إنَّ الحزب الشيوعي الصيني "يمثل خطراً هائلاً على فكرة الغرب".
وأضاف: "الأوروبيون يهتمون اهتماماً شديداً بالخصوصية. لا يمكننا السماح للمعلومات بالسفر عبر الشبكات إذا لم تكن لدينا ثقة بأن الحزب الشيوعي الصيني لن يسرقها. هذا أمرٌ مرفوض، وكلنا نعرف ذلك".
وجاء خطاب بومبيو، الذي حذَّر فيه من أن المسؤولين الصينيين يحاولون التسلل إلى الشبكات الأمريكية، بعد يومٍ واحد من إشارة الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير إلى أنَّ الولايات المتحدة رفضت "حتى فكرة المجتمع الدولي"، وتتصرَّف "على حساب الجيران والشركاء".
فرَدَّ بومبيو على ذلك، مقتبساً عبارةً شهيرة من الكاتب الراحل مارك توين: "هذه البيانات لا تعكس الواقع. يسعدني أن أبلغكم أنَّ مسألة موت التحالف عبر الأطلسي تحمل مبالغةً كبيرة". وأشار إلى أنَّ ما يقرب من 40 من أعضاء الكونغرس الأمريكي وعضواته كانوا يحضرون المؤتمر في استعراضٍ للوحدة عبر الأطلسي.
قال بومبيو إن واشنطن تؤدِّي دوراً رئيسياً في الحفاظ على أمن أوروبا بتعزيز الجناح الشرقي لحلف الناتو على الحدود مع روسيا، وقادت جهوداً متعددة الجنسيات لهزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وتساءل متعجباً: "هل أمريكا ترفض المجتمع الدولي؟! إنَّ الغرب الحر له مستقبل أكثر إشراقاً من البدائل غير الليبرالية".
روسيا وإيران بالحلف نفسه: حذَّر كذلك من التهديدات التي تُشكِّلها طموحات روسيا الرامية إلى توسيع رقعة أراضيها، وتعزيز الوجود العسكري الصيني في بحر الصين الجنوبي، و "حملات الإرهاب" الإيرانية التي تشنها عبر نزاعاتٍ بالوكالة في الشرق الأوسط.
تعبيراً عن قلق الولايات المتحدة من خطط زيادة الاعتماد الأوروبي على الغاز الطبيعي الروسي من خلال مشروع خط أنابيب "نورد ستريم 2″، الذي سينقل الغاز الروسي إلى أوروبا متفادياً المرور عبر أوكرانيا، أعلن بومبيو كذلك أنَّ الولايات المتحدة ستمول بعض مشروعات الطاقة في دول شرق الاتحاد الأوروبي.
إذ "تعتزم الولايات المتحدة -من خلال الوكالة الدولية الأمريكية لتمويل التنمية، وبدعمٍ من الكونغرس الأمريكي- تقديم تمويلاتٍ تبلغ نحو مليار دولار إلى بلدان وسط أوروبا وشرقها التابعة لمنتدى مبادرة البحار الثلاثة".