رسالة لبناني من ووهان (2): هذه حرب ضد الصين والبشرية.. لكن أمريكا تساعد “كورونا” على الانتشار لتحقيق مصالحها

عدد القراءات
19,879
عربي بوست
تم النشر: 2020/02/14 الساعة 12:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/22 الساعة 15:20 بتوقيت غرينتش
هل أدى تأخر المواجهة إلى خروج الفيروس القاتل عن السيطرة؟

منذ اليوم الأول على إغلاق مدينة ووهان، كنت متفائلاً، لا بل منذ اليوم الأول لمواجهتي للحياة بشكل واعٍ بخطورة الموقف، كنت متفائلاً. اعتمدت في سنين عمري الماضية مقولة "نحن صناع الأمل"، فعلى الرغم من صعوبات الحياة، كنا دائماً نجد متنفساً يعيد لنا الأمل. أما السر، فكان دائماً النضال، وحده القتال من أجل حياة أفضل يجعلك متفائلاً.

كل شيء في ووهان الآن مؤجل، الربيع مؤجل، زهر اللوز الذي اشتهرت به المدينة ينتظر موعداً مؤجلاً مع عاشقي ألوانه، لقاء الناس في الشوارع مؤجل، الاحتفال بالأعياد مؤجل. كل شيء مؤجل ما عدا القتال، فهو ليس مؤجلاً، لا شيء في ووهان اليوم إلا القتال، النضال، التحدي. وبذلك في كل زاوية من ووهان هناك أمل، هناك صناع للأمل.

نحن هنا نتحدى فيروساً سريع الانتشار، نواجه حملة شائعات أخطر من الفيروس على صعيد الانتشار والتضليل وقتل الأمل. نحن هنا لا نخاف، إن أردتم أن تصدقوا ذلك فهذا يعني أنكم مثلنا تماماً، مناضلين من أجل الربيع، أما مَن يعيش في الظلام وتجذبه مقولات الموت والانهزام فقطعاً لن يصدقنا.

هل رأيتم يوماً محارباً يخاف الحرب؟ والحرب أشكال، الأسهل فيها هو القتال المباشر، أما الأصعب فهو عندما يضرب عدوك الخطوط الخلفية، وخاصة عندما يتوجه مباشرة إلى من يكون دورهم بعيداً عن الجبهة الأمامية. ففي الحروب الكلاسيكية، الأصعب هي الحرب النفسية والإعلامية. واليوم أنا أكتشف أيضاً أن للفيروس مؤيدين يخوضون عنه حرباً نفسية وإعلامية. 

لم أتكلم في السياسة حتى الآن، كنا دائماً نقول إنها معركة البشرية ضد عدوها الموحد، وإنه في هذه المعركة ليس هناك عدة خاسرين ورابحين، فالخاسر يجب أن يكون عدو البشرية، أي الفيروس، أما الرابح فهو البشرية جمعاء. ولكن كان للولايات المتحدة الأمريكية رأي آخر. 

منذ اليوم الأول على إغلاق مدينتي، مدينة ووهان، بدأت الإشاعات والتهويلات، التي واجهناها سواء كانت سلبية أو إيجابية، لأن الإشاعات في الحرب مضرة بكل الأحوال. ومنذ الأسبوع الأول أعلن وزير التجارة الأمريكي بشكل مباشر وصريح أن الاقتصاد الأمريكي يستفيد مما يجري في الصين.

وأيضاً منذ ذلك الحين، بدأت الولايات المتحدة ضغطاً من أجل سحب رعاياها ودفع الدول الأخرى إلى القيام بهذا الأمر، على الرغم من أنه إلى اليوم وبعد مرور ٢٣ يوماً على إغلاق ووهان لا تزال منظمة الصحة العالمية تؤكد أنه لا ضرورة على سحب الرعايا من ووهان. كما أنها أقفلت حدودها بشكل كامل أمام الصين، وحاولت أن تدفع كل العالم من أجل وقف العمليات التجارية مع هذا البلد بحجة الفيروس، معتقدة أنها بذلك تحقق نصراً حلم به أركان إدارتها طويلاً.

لم تكتفِ الولايات المتحدة بذلك، بل حركت ماكيناتها الإعلامية وجيوشها الإلكترونية بكل اللغات من أجل جعل عدو البشر هو الصينيين وليس الفيروس، وانطلقت في كل مكان حملات عنصرية تبث إشاعات لا يقبلها العقل. إلا أن الأمريكي الذي عاش على دماء باقي الأمم، لا يمتلك طريقة لاستمرار سيطرته غير بث الخوف والرعب واستمرار الحرب. ومن أدواته الأكثر فاعلية الأدوات الأيديولوجية، يوهمنا أنه منقذ البشرية، وأنه حامي الحمى، والأفلام التي تصنعها في سبيل ذلك هوليوود كثيرة جداً، فتميل شعوب العالم إلى تصديق ذلك، على الرغم من أننا نعلم تماماً أنه هو من أباد الهنود الحمر، وهو من استعبد شعوباً كاملة لبناء اقتصاده، وهو من كرَّس في قوانينه التمييز العنصري حتى أواخر القرن العشرين، هو مَن أباد فيتنام بالنابالم، وهو الوحيد الذي استخدم السلاح النووي مما أدى إلى إبادة اليابانيين في هيروشيما وناكازاكي. الأمريكي يوهمنا أنه حامي الديمقراطية وناشرها، فرأينا نتائج ذلك في أفغانستان والعراق وأمريكا اللاتينية.

لطالما استخدم الأمريكي منطق "رابح – خاسر"، واليوم يستخدم نفس المنطق، فهو يعتقد أنه الرابح الوحيد من هذا الفيروس، بينما كل باقي البشرية التي كانت قد بدأت تخرج من سيطرته فهي تخسر اليوم وبذلك سيعيدها إلى بيت طاعته. لقد ساعدت الأفلام التي أنتجها العالم الأمريكي عن الفيروسات في بث الرعب حول العالم، ولكن من سينتصر في النهاية، الرعب والإشاعات أم النضال والحقيقة؟

يعيش في مدينة ووهان حالياً حوالي ١٠ ملايين إنسان، طلب منهم ليل ٢٢/٢٣ يناير/كانون الثاني أن يلتزموا منازلهم وألا يخرجوا إلا عند الضرورة. منذ صباح ٢٣ يناير/كانون الثاني وحتى كتابة هذا النص مساء ١٤ فبراير/شباط، لم يخرج أي إنسان من منزله إلا عند الضرورة. هل حصل هذا سابقاً في تاريخ الالتزام والتنظيم والمواجهات؟

والمفارقة أنه لم يكن هناك حاجة لاستخدام لا الجيش ولا حتى الشرطة من أجل تطبيق هذا الإجراء، طبعاً على عكس الأفلام التي تبثها أمريكا في محاولة لتوجيه وعينا.

قلت منذ الأيام الأولى إن شعباً يجيد القتال والانتظام من المؤكد أنه سينتصر. وبعد كل هذا الوقت أؤكد هذه المقولة وأضيف أنه شعب محمي من الحرب النفسية ولا يتأثر بالشائعات، شعب يعرف كيف يحاسب وكيف يكون واحداً في أوقات الصعاب، شعب لا يوجد فيه انقسامات عرقية أو قومية أو دينية، شعباً يقوده حكام يعتبرون أن الإنسان أولاً وكل قدرات البلد هي في خدمة المواطنين. هكذا شعب يعطيني الأمل بأن يوم الاحتفال بالنصر تحت شجر الكرز في ووهان أصبح قريباً.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أدهم السيد
طالب جامعي لبناني في مدينة ووهان الصينية
طالب جامعي لبناني في مدينة ووهان الصينية
تحميل المزيد