تعلموا من أخطاء السابقين.. ما الذي جعل الحراك الجزائري مختلفاً عن باقي الدول العربية؟

عدد القراءات
866
عربي بوست
تم النشر: 2020/02/12 الساعة 15:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/02/12 الساعة 15:10 بتوقيت غرينتش
صورة أرشيفية من حراك الجزائر

انطلق الحراك الشعبي في الجزائر في الثاني والعشرين من شهر فبراير/شباط الماضي بعد أن استشعر الشعب الأبيّ خبث المرض الذي أصاب الدولة واستشرى في مفاصلها وبات ينتهك مقدراتها بلا هوادة، حينها عقد العزم على إنقاذها من الخطر المحدق بوجودها واستمرارها، فاقتادها إلى مشفى الحراك ليكتشف هناك بأدوات تشريح سلمية ضرورة اجتثاث المرض -النظام- الذي عمّر لعقدين من الزمن فقرر عزل رموزه ومحاربتهم لتخليص الدولة من الداء، ولا زال يحرص بأساليب الكيّ السلمي على معالجة البلد إلى غاية استئصال الورم الخبيث.

فاستمرار الحراك على هذا النسق السلمي اللافت لمدة تقارب السنة لا يمكن القفز عليه بأي حال من الأحوال، ولا يمكن تفسيره إلا بالتطور الذي طرأ على السلوك الاحتجاجي لدى الفرد الجزائري، فبعد أن كان يلجأ إلى العنف بجميع أشكاله للتعبير عن رفضه للوضع القائم أدرك مع مرور الزمن "الانفعالي" وتكاثر الحركات الاحتجاجية أن العنف سلوك رجعي وجب التخلي عنه والبحث عن أدوات بديلة، فلجأ إلى السلمية كسلوك حضاري يعبّر به عن غضبه من النظام السياسي الحالي وممارساته.

فمقارنة بما حدث مؤخراً في دول عربية مثل السودان ولبنان وأوروبية في صورة فرنسا كشف الحراك في الجزائر أن مفهوم الفعل الاحتجاجي تغيّر تدريجياً في خيال الفرد الجزائري الذي نقل ردة فعله المناهضة للسلطة من الاعتداء على الممتلكات العمومية وإضرام النار والرشق بالحجارة إلى الاعتصام والتظاهر في الشارع بطريقة سلمية والإضراب عن الطعام وتوظيف مواقع التواصل الاجتماعي في التعبير عن الرفض، رغم بعض محاولات التصدي والاحتواء والمضايقات التي اعترضته من قبل السلطة عبر الأجهزة الأمنية والتوظيف الأيديولوجي.

والحديث عن الاستفزازات الأمنية لا ينفي بالضرورة العمل الكبير الذي يقوم به أفراد الشعب المنتمين للأسلاك الأمنية، والمرافقة السليمة من قبل رجال الأمن للمتظاهرين في أغلب جمع الحراك وصور الابتسامات التي ظلوا يوزعونها على الحراكيين رغم متاعب العمل الأسبوعي وبالأخص يومي الثلاثاء الخاص بحراك الطلبة والجمعة الذي بات يوما وطنيا للحراك.

فالفرد الجزائري يثبت من أسبوع إلى آخر أو من جمعة إلى أخرى أنه استوعب جيداً درس الانتفاضات التي خاضها ضد المستدمر أو ضد النظام، ويؤكد بلوغه درجة عالية من الوعي واليقظة لا تسمح له بتكرار الأخطاء التي وقع فيها في الحركات الاحتجاجية السابقة لاسيما في فترة ما يسمى بالعشرية السوداء التي كلفته الغالي والنفيس من أرواح وتشريد للعائلات وأرامل ويتامى وخسائر مادية وهجرة الأدمغة والكفاءات في جميع المجالات.

فالتراكم الحاصل في الفعل الاحتجاجي لدى الفرد الجزائري الذي أثبت بلوغه درجة رفيعة من النضج النضالي يقود تدريجياً نحو القطيعة مع الحركات الاحتجاجية التقليدية القائمة على العنف وينبئ بالتأسيس لموجات حديثة من الحركات الاحتجاجية تسير بدرجات عليا من السلمية ولا يمكن لها أن تخرج في مسارها نحو التغيير وإعادة البناء عن التنظيم والاحترافية والتحضّر.

وإن كان البعض يحرص على عدم وجود بديل للسلمية إلا السلمية في معركة التغيير لاسترداد الكرامة وبناء دولة العدالة والقانون، إلا أنه من باب اليقظة لا يجب أن يغرق الحراك في شعارات السلمية حتى ينحرف في شعاره الرئيس من "السلمية من أجل التغيير" إلى "السلمية من أجل السلمية"، فقد أثبتت الدراسات أن المجتمعات الصحية لا تحتاج إلى حركات احتجاجية، بل تتضمن أشكالاً من المشاركة الاجتماعية والسياسية، وهذا العنصر الذي ظل غائباً لعقدين من الزمن في الجزائر بعد الاستقالة البارزة للشباب من ممارسة العمل السياسي، وما قرار عدول فئات واسعة من الشعب عن الاستقالة منذ الثاني والعشرين فبراير/شباط الماضي والانجازات المحققة والإصرار على التغيير بأدوات سلمية إلا مؤشر واضح على صحية مسار التأسيس للجزائر الجديدة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد لعلامة
إعلامي جزائري
إعلامي جزائري يعمل حالياً مذيعاً تلفزيونياً للأخبار الرياضية بقناة دزاير الجزائرية، كما يعمل أستاذاً بكلية علوم الإعلام بجامعة الجزائر، حاصل على شهادة دكتوراه في الإعلام تخصص الإذاعة والتلفزيون من جامعة الجزائر بتقدير مشرف جداً.
تحميل المزيد