بين الأمير والراقصة.. كيف حولت فيفي عبده أحد أشهر مسلسلاتها إلى واقع في السعودية؟

عدد القراءات
8,025
عربي بوست
تم النشر: 2020/02/12 الساعة 12:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/02/13 الساعة 13:07 بتوقيت غرينتش

أسئلة عديدة تدور في ذهنك وأنت تتابع الأخبار غير السارة القادمة من بلاد الحرمين، راقصة عربية مشهورة تُحيي ليالي السمر في بلاد عُرفت بتدينها ومحافظتها وانطلق منها الدين الإسلامي ومشى على ترابها خير الناس وأطهرهم وأكرمهم نزلاً ومنزلاً! 

بلاد هي حاضنة الدين، وظلت طوال قرون خالية يستمد منها القوت الروحاني والإيماني، ولا يزال ناس يحجون إلى حَرَمها إلى يومنا هذا.. يفتتح فيها ملهى ليلي، ويوصف بأنه حلال على طريقة الدجاج المستهلك والمستورد في الأسواق.

إنه شيء محيِّر جداً أن تصبح المملكة العربية السعودية حديث الناس، لا بالخير، بل بالتهكم والسخرية والاستهجان، فقد حوَّلها أميرها الطائش إلى بلاد أخرى غير التي عرفناها، تائهةً، حائرة، مسجونة، ضائعة..

فلا هي بالدولة العلمانية التي فصلت الدين عن الدولة، فرجال الدين يفتون لأميرهم ويحلون له ما استحلّ، ويحرمون ما حرم، وإن زنى على الهواء مباشرة، فطاعته واجبة على قول أحدهم.

ولا هي بالدولة المدنية التي تستمد قوتها من روح القوانين، وتتنافس فيها الأحزاب المتعددة على صناديق ديمقراطية ويختار فيها الشعب ما أراد، فلا حزب فيها إلا حزب الأمير، ولا إرادة إلا ما أراد، ومن دعا فيها بالخير والصلاح، كان مصيره السجن وانتظار حكم بالتعزير.

ولا هي ظلت الدولة الدينية التي تحكم فيها القوانين الشرعية، كما عرفناها، فقد تحولت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى هيئة للترفيه، بقيادة تركي آل الشيخ، ولآل الشيخ مع آل سعود قصص ولاء تُحكى.

ولا هي بالدولة الشيوعية ولا الاشتراكية، فقد عرفنا تلك النظم ودرسناها، وإن كان في السعودية اليوم شيء من ذلك القليل؛ الحاكم الفرد الشمولي، ولي العهد المتحكم في كل شيء، في سياسة البلاد واقتصادها وسلوكها الاجتماعي، وحتى نظامها الديني.

ولا يمكن أن نقول إن ما يحدث في الرياض تغيُّر اجتماعي، على طريقة الحركة التنويرية إبان ثورة أوروبا الخالدة الذكر، فتلك حركة قادها مفكرون وفلاسفة تحت رعاية الدولة، وليس أميرين خليجيين يشهد لهما بالمجون، وعليهما جرائم في اليمن وليبيا، وقنصلية إسطنبول وجريمتها التي سطرها التاريخ تشهد بذلك، ويقبع بسجونهما خيرة الرجال والمفكرين والعلماء. 

التغير الاجتماعي نظام متكامل يخضع لقوانين المجتمع وأعرافه وتقاليده، ويبدأ من قراءة ماهية المجتمع نفسه والكلام لكبار الفلاسفة وعلماء الاجتماع: إميل دور كايم، وأوغست كونت، وغي أوتشيه، وبرنارد شو، الذين سطروا مؤلفات في مفهوم التغير الاجتماعي، وديناميكية المجتمعات.

إن السعودية اليوم بين الحقيقة والسراب، على طريقة المسلسل الذي قدمته الراقصة الأم المثالية فيفي عبده، أو الست أصيلة التي هزت الوسط السعودي، سياسياً واجتماعياً ودينياً وأخلاقياً.

وأذكر أنني كنت من أشد المعجبين بذلك الدور الذي لعبته الراقصة فيفي عبده مع الفنان يوسف شعبان وسمية الخشاب وغيرهما.

كانت فيفي تلعب دور الأم الغنية التي طلقها زوجها يوسف شعبان، لتكبُّرها وإسرافها ومجونها وتعاليها عليه بسبب الغناء الفاحش.

نتيجة بحث الصور عن فيفي عبده الحقيقة والسراب

تركها وتزوج من امرأة أخرى، وبقيت هي مع أولادها دون أن ترعاهم وانشغلت عنهم، تعطيهم ما يشاؤون من مالها وتحرمهم من حنانها وتقسو عليهم في كلامها، وتتزوج في آخر عمرها من رجل آخر غير أبيهم لينهب مالها.

وهو ما جعل ابنتها الفتاة المراهقة تنحرف وتتزوج في السر، كما أنها فقدت ابنها الأكبر بعد قسوة عليه في الكلام، وكان العقاب الذي اختاره المنتج لها في الأخير هو أن تصاب بالشلل النصفي نتيجة الصدمات ونكران النعمة والتجبر والثراء الفاحش الذي جعلها تستقوي على أقرب الناس إليها.

أجل كان نهاية فيفي في ذلك المسلسل مثالية جداً، الجزاء من جنس العمل، من لا يحمد النعمة يخسرها، التجبر بالمال والإسراف يقود إلى خسرانه، التبذير يجلب الحلابين، الدفع مقابل الحماية، عدم معرفة ما نريد يقودنا إلى التوهان، عدم القدرة على الترشيد يقود إلى خسارة كل شيء، الخطط غير الواضحة والنهج غير السليم يقودان الأبناء إلى التشتت بين مهاجر ومنحرف.

إنها السعودية الجديدة بين الحقيقة والسراب، بين الأمير والراقصة، يهتز عرشها، وتهتز مكانتها في النفوس، ويهتز وسطها الاجتماعي، ليست على "واحدة ونص"، ولا على طريقة الرقص الشعبي ولا الأوروبي، بل على أنغام التوهان والضياع وسقوط الدول.

لقد كانت الدولة العباسية في آخر أيامها دولة تشيّد لأمرائها المراقص وتصرف الأموال الطائلة عليها،  فلم تتحدد هويتها، وانحرفت عن مسارها، فكانت النتيجة غزو تتاريا، ونهاية دولة عظيمة عاشت قروناً عديدة، وحكمت نصف العالم.

وكذلك كان حال الدولة العثمانية بعد الانقلاب على السلطان عبدالحميد، انسلخت عن هويتها الدينية وحتى التاريخية وكثر فجورها، والدول إذا كثر فجورها فاعلم أنها في أيامها الأخيرة.

وكذالك حال الإغريق والرومان، وإن في التاريخ لعبرة، وما يذكَّر إلا أولو الألباب.

إنها السعودية بين الأمير والراقصة.. بين السجن والمرقص والهز والاهتزاز.. بين الدين والتدين، تائهة حائرة ومن ورائها ملايين ينتظرون أن تقوم لتقود كما عهدوها، أليست الأرض التي انطلقوا منها وإليها يحجون؟

إنها في أصعب مرحلة وأشد فترة، لا يمكن أن ندعها تُسأل لوحدها فنحن عنها مسؤولون.

ونتساءل عما فعلته بها فيفي عبده أو على الأصح ولي العهد المؤتمن عليها محمد بن سلمان.. على أمل أن يتغير الوضع، وتعود الأمور إلى مسارها الطبيعي.

محمد المختار هو محرر أخبار ومُعِد برامج وكاتب صحفي، تخرج في معهد الصحافة بتونس، وحاصل على ليسانس الآداب من جامعة نواكشوط

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد المختار
معد برامج وكاتب صحفي
محمد المختار، محرر أخبار ومُعِد برامج وكاتب صحفي، تخرج في معهد الصحافة بتونس، وحاصل على ليسانس الآداب من جامعة نواكشوط
تحميل المزيد