لا أحد يمكنه أن يشكك في الجهود الجبارة التي تبذلها الصين لاحتواء فيروس كورونا الجديد والقضاء عليه، بعد أن تخطَّت أعداد ضحاياه وفيات "سارس" بصورة لافتة، لكن محاولات النظام الشيوعي قمع من يحاولون كشف حجم الكارثة تثير كثيراً من التساؤلات، فما القصة؟
إسكات الحقيقة مرة أخرى
وسط حالة الحزن والغضب الشعبي العارم في مقاطعة هوبي وتحديداً مدينة ووهان، والتي أثارتها وفاة لي وين ليانغ الطبيب الصيني الذي حاول التحذير من تفشّي فيروس كورونا، اختفى ناشط آخر كان ينشر فيديوهات وأخباراً عن انتشار الفيروس القاتل داخل ووهان.
كان ليانغ قد تُوفي قبل ثلاثة أيام؛ من جرّاء إصابته بفيروس كورونا، الذي انتقل إليه حينما كان يعالج المرضى في المستشفى المركزي بمدينة ووهان الصينية، مركز انتشار الفيروس، وكان قد بعث برسالة في ديسمبر/كانون الأول 2019، إلى زملائه العاملين في المجال الطبي، محذراً من فيروس كان يظنه فيروس "سارس".
الأحد 9 فبراير/شباط، نشرت شبكة سي إن إن الأمريكية تقريراً بعنوان: "إسكات الحقيقة مرة أخرى: اختفاء مواطن يكشف الحقيقة داخل ووهان بعد أيام من وفاة آخر"، ألقت فيه الضوء على اختفاء تشين كويشي، محامٍ صيني يعمل ناشطاً في صحافة المواطن وينشر تقارير عن الوضع على الأرض داخل ووهان مركز انتشار الفيروس.
وفاة ليانغ أثارت حالة نادرة من الغضب الشعبي والاحتجاجات، أغرقت مواقع التواصل الاجتماعي، وانتشر هاشتاغ "أريد حرية التعبير"، لكن السلطات الصينية حذفت الهاشتاغ في صباح اليوم التالي، وتزامن مع ذلك اختفاء تشين، البالغ من العمر 34 عاماً أيضاً مثل ليانغ، وكلاهما من شمال شرقي الصين.
واكتشفت عائلة تشين وأصدقاؤه لاحقاً أنه تم إجباره على دخول أحد أماكن الحجر الصحي في ووهان، والأحد 9 فبراير/شباط، بدأ اختفاؤه يصبح الخبر الأبرز على منصة ويبو الصينية (شبيه تويتر)، مع نشر كثيرين مطالباتٍ بإطلاق سراحه.
من هو تشين؟ ولماذا تم إخفاؤه؟
تشين ناشط حقوقي يناضل من أجل حرية التعبير، ويقوم بتسجيل تغطيته الخاصة للأحداث، ونشرها على حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي التي يتابعها مئات الآلاف داخل الصين وخارجها، وتم القبض عليه وحذف حساباته في أغسطس/آب الماضي، بعد تغطيته للاحتجاجات في هونغ كونغ.
وبعد حذف حسابه على منصة ويبو والذي كان يتابعه 740 ألف شخص، عاد تشين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من خلال فيديو نشره على يوتيوب، أقسم فيه ألا تُسكته السلطات، ويتابع قناته على يوتيوب الآن أكثرُ من 433 ألف مشترك، وحسابه على تويتر يتابعه أكثر من 246 ألف شخص، وعلى الرغم من حجب الصين للمنصتين، فإن كثيراً من الأشخاص يَصلون إليها عبر شبكات خاصة تمكّنهم من اختراق الحظر.
وقبل يوم واحد من فرض الصين الحجر الصحي والعزل الكامل على مدينة ووهان، وصل تشين إلى المدينة عبر القطار، وبث فيديو لدى وصوله، قال فيه إنه لا يسعى لبث الذعر، ولكنه سيقدم تقريراً صادقاً عما يشاهده على الأرض، وبالفعل بثَّ مقاطع من المدينة وحول المستشفيات وأماكن العزل الطبي، نالت ملايين المشاهدات وأسهمت في إلقاء الضوء على حجم الكارثة.
بحسب رواية والدة تشين وصديقه شو تشاو دونج فنان الفنون القتالية المختلطة، اختفى تشين فجأة مساء الخميس 6 فبراير/شباط، وكان بصحة جيدة ولا يعاني أي أعراض للمرض، وحاولت الأم وكثير من أصدقائه الوصول إلى مكانه من خلال التواصل مع سلطات ووهان، ولكن دون جدوى. والسبت 8 فبراير/شباط، إبلاغ السلطاتُ الصحية والدتَه أنه تم وضعه في الحجر الصحي، وقد حاولت "سي إن إن" الحصول على تعليق من السلطات في الشرطة وإدارة الصحة بالمدينة والمقاطعة، لكن دون ردٍّ.
ارتفاع حاد في أعداد الوفيات
عندما تتزامن مثل هذه الخطوات التي تتخذها السلطات الصينية لاحتواء كيفية التناول الإعلامي للفيروس مع الارتفاع الحاد في أعداد حالات الوفاة والمصابين، يفتح الباب على مصراعيه للشائعات ويزداد القلق، وتكتسب حملات التشكيك في حقيقة حجم الكارثة زخماً كبيراً.
اليوم الأحد، قالت لجنة الصحة الوطنية إن عدد الوفيات الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا الجديد في بر الصين الرئيسي وصل إلى 811 بنهاية السبت 8 فبراير/شباط، وهو ما يفوق عدد الوفيات التي نجمت عن تفشي سارس بين عامي 2002 و2003، بحسب رويترز.
وأظهرت البيانات أن عدد الوفيات، السبت، وصل إلى معدل قياسي جديد في يوم واحد، وهو 89 حالة، ليفوق بكثير من أودت متلازمةُ التهاب الجهاز التنفسي الحاد (سارس) بحياتهم وعددهم 774، ووقعت 81 من بين وفيات السبت في إقليم هوبي بوسط الصين حيث تتركز أغلب حالات الإصابة، في حين شهدت الوفيات في ووهان عاصمة الإقليم، التي شهدت أول ظهور للمرض، تراجعاً نادراً.
وسجلت حالات الإصابة الجديدة أول تراجع، السبت، منذ الأول من فبراير/شباط، إذ انخفضت إلى ما دون ثلاثة آلاف، مسجلةً 2656 حالة، من بينها 2147 في إقليم هوبي، في حين أظهرت بيانات لجنة الصحة أن العدد الإجمالي لحالات الإصابة المؤكدة في الصين بلغ 37198 شخصاً.
لكن قمع الصين للناشطين الذين يرصدون الأوضاع على الأرض في موطن الفيروس يثير الشكوك حول حقيقة الأرقام التي تصدرها البيانات الرسمية، ويلقي بظلال من الشك على حجم الكارثة على الأرض، وهذا ما يرفع من حالة القلق العالمي من الفيروس.