رئيس الصين اختفى منذ بدء جهود مكافحة فيروس كورونا.. يؤمِّن نفسه تحسُّباً لتفاقم الوضع

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/02/09 الساعة 12:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/02/10 الساعة 04:20 بتوقيت غرينتش
الرئيس الصيني

يُمثِّل تفشِّي فيروس كورونا القاتل امتحاناً صعباً لقبضة الحزب الشيوعي الصيني على السلطة.

فمع مقتل أكثر من 800 شخص بالفيروس، صبَّ المواطنون الصينيون غضبهم على حُكَّامهم، متهمين الحكومة بالتكتُّم على الوباء في أيامه الأولى. فيما لم يظهر الرئيس الصيني شي جين بينغ في أي مكان.

صحيحٌ أنَّ الرئيس أصدر عدة تصريحات حول الفيروس، ووصف المعركة ضد المرض بأنها نضالٌ قومي وطني، لكنه لم يظهر على الملأ أو أمام الكاميرات، حسب تقرير موقع Business Insider الأمريكي.

الرئيس وصف محاربة فيروس كورونا بأنَّها "حرب شعبية" تتطلَّب "إجراءات حازمة"، وفقاً لتقارير نشرتها وسائل الإعلام الحكومية الصينية. فيما أشاد العديد من المسؤولين بقيادة شي في خطاباتهم واجتماعاتهم بشأن الفيروس، لكنَّ الرئيس الصيني نفسه لم يظهر في واجهة المشهد ولو مرةً واحدة، بل صدَّر رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ، الذي يُعد ساعده الأيمن. 

في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، زار لي مدينة ووهان، حيث نشأ الفيروس لحشد العمال  في مستشفى محلي وفي موقع بناء مستشفى جديد، اكتمل في 10 أيام فقط بداعي الذعر من المرض، لاستيعاب المزيد من المرضى.

فيما قدَّم تشو شيان وانغ، عمدة مدينة ووهان نفسه كبش فداء، إذ عرض التنحي عن منصبه في الشهر الماضي لتهدئة غضب السكان المحليين بسبب تفشي المرض.

هذا وتعرَّض المسؤولون لانتقاداتٍ حادة بسبب استجابتهم البطيئة لتفشِّي المرض، ولجوئهم بدلاً من ذلك إلى معاقبة المواطنين، متهمين إيَّاهم بنشر "شائعات" حول الفيروس، واحتجاز الصحفيين الذين يُغطون أخبار انتشار المرض. 

تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ أحد المواطنين الصينيين الذين تعرَّضوا للإسكات وحظر التحدُّث عن الفيروس كان الطبيب لي وين ليانغ، وهو طبيب عيون في ووهان حذَّر زملاءه في أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي من تفشِّي المرض. لكنَّ الشرطة المحلية أجبرته لاحقاً على توقيع رسالةٍ يعترف فيها بـ "بالإدلاء بتصريحاتٍ كاذبة"، ثم مات يوم الجمعة الماضي 7 فبراير/شباط، متأثراً بإصابته بفيروس كورونا، مما أثار حُزناً جارفاً من الشعب الصيني عليه.

البقاء بعيداً لإبقاء قبضته على السلطة

بعبارةٍ أخرى، يحاول شي أن يبقى بعيداً قدر الإمكان عن أكبر أزمةٍ في الصين منذ سنوات، وهذا واضحٌ في بلدٍ يُعتبر فيه شي الزعيم الأوحد وصاحب الوجود المهيمن. 

في هذا الصدد، يقول بعض الخبراء إنَّه ربما يحاول ضمان قدرته على إبقاء قبضته على السلطة في الوقت الذي يؤدي فيه فيروس كورونا إلى تدمير ثقة المواطنين في الحزب الشيوعي.

إذ قال ويلي لام، الأستاذ المساعد في جامعة هونغ كونغ الصينية، لصحيفة The Guardian البريطانية متحدثاً عن شي: "إذا تحسَّن الموقف، سيُنسَب الفضل إليه. أما إذا ازداد سوءاً فسيُلقى اللوم على لي كه تشيانغ". 

فيما قال روي تشونغ، خبير الشؤون الصينية في مركز ويلسون، لجيمس غريفيثز، الصحفي في شبكة CNN الأمريكية: "ربما ما زالت الحكومة المركزية تحاول تحديد الوقت المناسب لظهور شي ليتولَّى قيادة جهود مكافحة فيروس كورونا".

أشار بيل بيشوب، مؤلِّف نشرة Sinocism الإخبارية، إلى أنَّ رؤية شي يرتدي كمامة في الأماكن العامة -مثلما يُطلَب من المواطنين في جميع أنحاء البلاد تقريباً أن يفعلوا ذلك- يمكن أن تضعف صورته كقائد و "إحدى المهام السياسية الرئيسية لجميع أعضاء الحزب هي حماية قلب الحزب، أي شي جين بينغ، وبينما يظن البعض أنَّ "زعيم الشعب" ينبغي أن يظهر بالقُرب من الشعب، ربما تكون مخاطرة إصابته بالفيروس في هذه الحالة مرتفعةً جداً، وكذلك فصوره وهو يرتدي كمامةً ربما تصبح مصيبةً على رأس مسؤولي الدعاية الإعلامية له".

أضاف: "ومع ذلك، لا أعرف ما الذي يجري بالضبط، لكنني أراهن على أنَّ شي والقادة الكبار الآخرين في الحزب والجيش يفهمون أنَّهم إمَّا يتكاتفون جميعاً في هذه الأزمة أو تنتهي مسيرة كلٍّ منهم على حدة، على حد تعبير بنجامين فرانكلين".

فيما صرَّح ستيف تسانغ، مدير المعهد الصيني في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن، لشبكة الجزيرة القطرية، بأنَّ شي يتعامل مع الأزمة تعاملاً "سيئاً للغاية".

وقال: "لا يمكن أن تصفه بأنَّه قائد الصين بلا منازع أو منافس من ناحية، ثم تقول من الناحية الأخرى إنَّ التعامل مع الفيروس سيئٌ تحت مسؤوليته عن البلاد، وإنَّه ليس له أي علاقة بذلك".

من جانبها يبدو أنَّ القيادة الصينية تتفهَّم خطورة فيروس كورونا، والتحدِّي الذي يُشكِّله على قوتها.

إذ جاء في التقرير الرسمي لاجتماعٍ أجرته اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي -وهي هيئة تضم أبرز قيادات البلاد ويرأسها شي- يوم الإثنين الماضي 3 فبراير/شباط: "يُمثِّل تفشِّي المرض امتحاناً قوياً لنظام الصين وقدرته على إدارة شؤون البلاد، ويجب أن نُلخِّص هذه التجربة ونستخلص درساً مستفاداً منها".

اعترف تقرير الاجتماع كذلك بوجود بعض "العيوب وأوجه القصور التي ظهرت في الاستجابة لهذا الوباء"، وتعهَّد بتحسين نظام إدارة الطوارئ في البلاد، وهذا اعترافٌ نادر بالخطأ في دولةٍ استبدادية.

هل فات أوان استعادة صورة الحزب الشيوعي؟

في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، كان العديد من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي الصينية قد بدأوا بالفعل في لفت الانتباه إلى عدم ظهور شي، وتساءلوا بكلماتٍ مُنمَّقة قائلين: "أين هذا الشخص؟".

ونشروا صوراً لرؤساء سابقين في أثناء استجابتهم لأزماتٍ سابقة على أرض الواقع، في إشارة واضحة إلى النهج المختلف الذي اتَّبعه شي، بحسب ما ذكرت صحيفة The New York Times الأمريكية.

كتب مستخدمٌ بلا اسم من مدينة ووهان على موقع ويبو في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع: "أعرف أنَّ هذا البلد سيعود قريباً إلى حالته ويصير مجتمعاً مسالماً مزدهراً. وسنسمع الكثير من الناس يهتفون بمدى فخرهم بازدهاره وقوته… ولكن بعد الذي شاهدته، أرفض مشاهدة التصفيق والثناء".

تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ هذه العبارات تُعد تعبيراً جريئاً على موقع ويبو، الذي كثيراً ما يحجب المحتوى الذي يحمل حساسيةً سياسية ويحذفه، وفي الصين، حيث كثيراً ما يتعرض المنتقدون للاحتجاز والإخفاء. 

لكن بعد وفاة لي -الطبيب الذي توفي بعدما تعرَّض للإسكات بسبب نشره تحذيرات من فيروس كورونا في بدايته- عجَّ موقع ويبو بمشاعر حزنٍ جارف على الطبيب وغضب شديد تجاه الحكومة، وجاء من بين منشورات المستخدمين عبارةٌ تقول: "نريد حرية التعبير".

تحميل المزيد