في الـ17 من يونيو/حزيران سجّل تاريخ الديكتاتورية العربي وصوله إلى مرحلة جديدة لم نعهدها من قبل، مرحلة عُليا من الإجرام والاستبداد والفساد والخيانة والإجرام والاستهتار بالشعوب ومقدراتها وتاريخها وثوابتها، ذلك كان حين مات أول رئيس عربي مدني منتخب ديمقراطياً من خلال انتخابات شفافة تحت رقابة دولية وعربية، إنه الرئيس الدكتور محمد مرسي، مات نتيجة التعسف والإهمال الطبي وبفعل إجراءات الموت البطيء، لقد مات بعد أن تُرك لقرابة نصف الساعة ملقى ومغشياً عليه على أرض القفص الزجاجي أثناء محاكمته العبثية على جريمة تخابره مع حماس وقطر، بينما خرج الرئيس المخلوع الذي قامت الثورة لأجل التخلص من ظلمه واستبداده وفساده وفساد نظامه وزبانيته، خرج بريئاً بعد أن كان يعامل معاملة طبية وإنسانية عالية داخل محبسه الراقي.
لكن، ومع هذا كله لا يستطيع نظام الانقلاب حجب حقيقة تؤرقه ألا وهي أنه كنظام احتاج لست سنوات كاملات من أجل أن يستطيع قتل الرئيس الدكتور محمد مرسي وبطريقة غير مباشرة وما كاد يفعل أصلاً، أما الحقيقة المُرة التي تجرعناها نحن الشعوب المقهورة والتي جاءت في مقالة قرأتها للكاتب العالمي ديفيد هيرست، فهي أن الدكتور محمد مرسي كرَّس حياته ومن ثَم ضحى بها من أجل شعبٍ تخلى عنه.
وحسب هيرست أيضاً، فإذا كان سيد قطب قد أصبح من قَبلُ بطلاً للإسلاميين، سواء كانوا من الإخوان أو غيرهم، وشخصية عربية ملحمية، فإن إرث مرسي سيكون إرثاً ديمقراطياً، أبى مَن أبى ورضي مَن رضي، وغالباً ما يذكر التاريخ أمثال هؤلاء الأبطال ويحولهم في آخر المطاف إلى قديسين قضوا في سبيل قضايا آمنوا بها، لا نعرف أسماء من حكموا على سقراط بالموت، وأنا شخصياً على الأقل لا أعرف حتى اسم الملك اليوناني الذي زج بسقراط في السجن، لكننا جميعاً نعرف سقراط خير معرفة، ونعرف مَن هو رغم أنه لم يترك كتاباً واحداً عن فلسفته في الحياة والتي مات من أجلها، عدا تلك العبارات التي حفظها عنه تلاميذه في الفلسفة، كذلك كلنا نعرف نيلسون مانديلا، وكلنا يحفظ عباراته وحكمه التي تتردد أصداؤها حول العالم، لكن من منا يعلم رئيساً واحداً من رؤساء جنوب إفريقيا وكان رئيساً أثناء سنوات سجن مانديلا الطويلة؟ لا أحد يعلم، ولا أنا أعلم، ولا أريد أن أعلم أصلاً، هذا هو التاريخ يا قوم، وهذا هو الاصطفاف العقلاني التاريخي الذي يُظهر الحقائق الفذة.
ما زلنا نذكر لورانس العرب، الضابط البريطاني في الجيش البريطاني، ولا نريد أن نذكر أولئك الملوك والشيوخ العرب الذين عاصروه واحتنكهم مستخدماً إياهم ببراعة مطلقة في سبيل القضاء على الإمبراطورية العثمانية، وسيذكر التاريخ أيضاً جاريد كوشنير، اليهودي الصهيوني وكيف احتنك هو الآخر ملوك وزعماء عرباً صاغرين، وشرع يحاضر بهم عن الحرية والمساواة وتقبل الآخر من أجل الإجهاز على ما بقي من القضية الفلسطينية لقاء بضعة مليارات من الدولارات يدفعونها هم من نفطهم ومقدرات شعوبهم، تلك المليارات التي لا تساوي في الحقيقة تكلفة عمل يومين في استخراج النفط، وحينها عندما يريد من يريد التوسع أكثر فأكثر حول هذا الموضوع في التاريخ سيبذل جهداً أكبر كي يعرف مَن هم هولاء الملوك والزعماء العرب الذين احتنكهم كوشنر الصغير هذا بشكل مهين، وسيقارن التاريخ وقتها الهدف الأعظم من وراء القضاء على الإمبراطورية العثمانية حين تم تقسيم بلاد العرب ووضع خطوط سايكس وبيكو على الأرض والتي حُفِرت في القلوب والعقول تالياً، وبين الهدف الأعظم من وراء القضاء على القضية الفلسطينية.
لورانس العرب ساوم الملوك حينها على كروشهم وعروشهم أو القضاء على الإمبراطورية العثمانية، والنتيجة كانت تفريخ 22 بلداً عربياً متفرقة وضعيفة وحقيرة تمجد زعيمها الأوحد الذي لم تنجب مثله بطون، وكوشنر هو الآخر ساوم الملوك والزعماء العرب بالأمس على كروشهم وعروشهم أو القضاء على ما تبقى من القضية الفلسطينية، لكننا ما زلنا نجهل ما الذي سيُفرخه هذا الفعل المشين، رغم فشل مشروع كوشنر فشلاً ذريعاً.
لكن الشيء الوحيد المؤكد إلى جانب فشل كوشنر وزبانيته من الزعماء العرب، هو أن الوعي بات يتراكم لدى الشعوب العربية بوتيرة أعلى وأسرع وأكثر ثباتاً، وسيكون هناك ربيع عربي آخر قادم لا محالة، لكن الثمن سيكون باهظاً وعلى الجميع هذه المرة، على كل من هؤلاء الملوك والزعماء وعلى الشعوب، لكن قدوم هذا الربيع أصبح واضحاً جلياً، فقد حدث الربيع الأول على طغاة كانوا أقل إجراماً وفسقاً وخيانة وفساداً من حكام نراهم اليوم أكثر فسقاً وفساداً وخيانة وإجراماً ومساومةً على ثوابت الأمة، هذا هو المؤكد اليوم وهو يروق للغالبية الساحقة من الشعوب العربية إن لم يكن لجميعها بلا استثناء.
بشار طافش هو كاتب أردني حامل لشهادة البكالوريوس في الاقتصاد، ومؤسس منظمة Warming Observers التي تُعنى بالتوعية بظاهرة الاحتباس الحراري واحترار كوكبنا، وأعمل في مجال الدواء مديراً لأحد مستودعات الأدوية في الأردن.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.