لا يقتصر الافتراس على الحيوانات فحسب، وإنما يمتد إلى النباتات أيضاً. نعم، مثلما قرأت، فهناك نباتات مفترسة تُسمّى Carnivorous plant، تتغذى على الحشرات عبر اصطيادها بصمت وهدوء، ثم التهامها وفق خطة صيد تكتيكية تفوق الخيال البشري.
فحينما تتردد على مسامعنا كلمة الافتراس، لعل أول ما يتبادر إلى أذهاننا تلك
اللقطات الشهيرة المنتشرة في الحياة البرية، مثل انقضاض الأسد على الغزالة، أو
النمر مهاجماً الحمار الوحشي، أو على أقل تقدير تلك الصورة الشائعة للقط ملاحقاً
الفأر.
لكن قانون الغلبة للأقوياء ينطبق في هذه الحالة على النباتات أيضاً، فقوانين الطبيعة لا ترحم الضعفاء!
الافتراس في عالم النبات.. لماذا؟
تطورت آكلات اللحوم في النباتات بشكل تدريجي حوالي ست مرات، عبر العديد من العائلات والسلالات.
هناك أكثر من 600 نوع من النباتات آكلة اللحوم، تشكل مجموعة متنوعة للغاية، وفي بعض الحالات يكون هناك القليل من القواسم المشتركة بينها، أكثر من عادة أكل اللحوم.
رغم قيام تلك النباتات المفترسة بعملية البناء الضوئي لتكوين الكربوهيدرات، فإنها
لا تستطيع امتصاص النيتروجين من التربة لتكوين البروتينات فتحصل عليه بالافتراس.
أنواع الفخوخ وكيفية الهضم
توجد مجموعة متنوعة من آليات الاصطياد، ويتم تصنيفها على أنها نشطة أو غير نشطة بناءً على ما إذا كانت تتحرك لالتقاط الفرائس أو لا.
ومن أبرز أنواع المصائد التي تعتمد عليها النباتات المفترسة:
– مصائد السقوط Pitfall traps
وتعد من أكثرها شيوعاً، وتكون عبارة عن ورقة مجوّفة مغطاة بالسائل لالتقاط الحشرة ومنع هروبها، والبدء بهضمها.
– مصائد قتل الذباب Flypaper traps
يمكن أن تكون نشطة أو غير نشطة، وتعتمد على الصمغ اللزج الموجود على سطح الورقة مباشرة أو على غدد الشعر، لالتقاط الفرائس.
– مصائد الالتهام Snap traps
تعتمد تلك المصائد على حركة الأوراق السريعة للانغلاق على الحشرات.
أما عن الهضم، فيكون باستخدام الإنزيمات أو البكتيريا. تستوعب النباتات آكلة اللحوم فرائسها من خلال عملية انهيار كيميائي مماثل للهضم في الحيوانات.
تمتص النباتات المنتجات النهائية، وخاصة المركبات والأملاح النيتروجينية.
أبرز الفصائل النباتية من آكلات اللحوم
تنتمي إلى مملكة النبات العديد من الفصائل والرّتب والأنواع التي تندرج تحت تصنيف آكلات اللحوم أو النباتات المفترسة. ومن أبرز أنواع النباتات المفترسة:
– الدروسيرا أو الندية Drosera
وهي أكبر جنس للنباتات آكلة اللحوم، وتشمل ما يقرب من 200 نوع في المستنقعات في جميع أنحاء العالم.
تغطَى أوراق النبات بزوائد كثيرة، تنتهي بغدد تفرز سائلاً لزجاً على أوراقها، وتبدو في ضوء الشمس كقطرات الندى، فتنجذب إليها الحشرات بسهولة.
حينما تقف الحشرات على المادة اللزجة تعلق ولا تستطيع الهرب، وتتجمع حولها المزيد من الزوائد، فيفرز النبات المواد الهاضمة ليتمكن من تحقيق استفادته.
– الديونيا أو خناق الذباب Dionaea
ينمو هذا النبات في تجمعات تحيط بساق مركزية، وموطنه الأصلي في المستنقعات في الولايات المتحدة الأمريكية.
حينما تهبط الحشرة كالذباب أو النحل داخل النبات، تبدأ في امتصاص الرحيق، وحين تصطدم بإحدى الأشواك المنتشرة على ورقة النبات تتسارع الورقة للانغلاق على جسم الحشرة لتهضمها وتحصل على النيتروجين.
– الإبريق اللاحم Sarracenia
يتميز نبات الإبريق اللاحم بوضعه القائم الذي يشبه الإبريق أو الجرة.
تنجذب الحشرات إلى النبات بسبب رحيقه الذي تفرزه الغدد الموجودة أسفل الجرة.
عندما تصل الحشرة إلى قمة النبات فإنها تنزلق إلى داخل النبات بسبب الحافة المضلعة المتدلية للداخل، وما إن تصل إلى السائل الموجود في الجرة حتى تبدأ عملية الهضم، بفضل الإنزيمات الهاضمة الموجودة في السائل.
– حامول الماء أو نبات المثانة Utricularia
أحد أنواع النباتات المفترسة التي تعيش في المستنقعات في جميع أنحاء العالم.
تتميز هذه النباتات بأكياسها التي تشبه الدورق، ولكل كيس باب يفتح إلى الداخل فقط، ولذا فالحشرة التي تدخل لا يمكنها العودة مرة أخرى.
عندما تقف الحشرة على حافة الكأس حيث تنتشر الشعيرات الحساسة، تنفتح جدران الكيس للداخل لتنزلق الحشرة، فينغلق الكيس مرة أخرى، وتبدأ عملية الهضم بالداخل.
– صائد الحشرات Pinguicula
ينمو في جميع أنحاء العالم، ولكن المكسيك موطن لأكبر مجموعة متنوعة، تُقدر بالآلاف.
يتميز النبات بزهرته الوردية أو البنفسجية التي ترتفع عن مستوى أوراقه المليئة بالغدد والشعيرات الدقيقة.
حينما تقف إحدى الحشرات على سطح الورقة، تمتلئ الورقة بالإفرازات اللزجة، فتصبح الشعيرات لزجة، مما يعمل على تثبيت الحشرة. تفرز الغدد الإنزيمات والأحماض التي تغلب على الحشرة سريعاً وتُذيبها.
– النابنط Nepenthes
النباتات الوحيدة في العالم التي يمكن أن يقال إنها تأكل بانتظام بعض الفقاريات في البرية، فقد عثر على السحالي الصغيرة والفئران داخل جرارها.
ورقة النبات على شكل جرة تتدلى للأسفل، وتستكمل الورقة نموها لتكون ما يشبه الغطاء للجرة، ليمنع دخول مياه الشتاء إلى السائل الموجود بالداخل.
عند انزلاق الحشرة فإنها تغوص داخل السائل الموجود داخل الجرة، لتبدأ عملية الهضم بمساعدة الإنزيمات الهاضمة.