أصبحت أخشى مطالعة الأخبار في مصر كل صباح، فنظرة في صفحات الحوادث كفيلة بسلب كل طاقتي الإيجابية، وحوادث الطرق لا تنتهي، حقيقة لا أعرف متى يتوقف نزيف الدم على الأسفلت، ورغم أن الرئيس عبدالفتاح السيسي وضع في أولوياته تطوير الطرق المصرية التي قيل إنها السبب الرئيسي في الحوادث، فحوادث الموت لا تتوقف أبداً، ربما السبب تهور السائقين، وربما قوانين المرور تحتاج لإعادة صياغة، وربما أشياء أخرى لا نعرفها.
لقد ساءت حالتي أمس بعد مطالعتي خبر حادث طريق الكريمات الذي راحت ضحيته طبيبتا تكليف من محافظة المنيا أثناء ذهابهما لحضور دورة تدريبية للمشاركة في حملة "صحة المرأة المصرية" بالعاصمة القاهرة.
إلى جانب الطبيبتين هناك عروس قبطية فقدت جنينها وتم استئصال رحمها ولن تكون قادرة على الإنجاب، وعامل وسائق لقيا مصرعهما، ناهيك عن الإصابات وبعضها حالات حرجة في معهد ناصر.
مشهد السيارة المتهشمة التي كانت تقل الطبيبات فطر قلبي، والأكثر وجعاً ما وراء الصورة، فهناك قصة دامية بلون السيارة المتحطمة في كواليس هذا الحدث المفجع.
ففي مساء شديد البرودة في ظروف الطقس القاسية الآن، تلقت الطبيبات الشابات رسالة شديدة اللهجة عبر "واتساب" تأمرهن بالسفر بعد ساعات قليلة للقاهرة من محافظة المنيا لحضور تدريب مهم للمشاركة في حملة "صحة المرأة المصرية".
الرسالة توعدت كل من تتخلف عن حضور التدريب بالعقاب والجزاء والنقل، ويجب على الطبيبات الانتقال فجراً من المنيا للقاهرة على مسافة 260 كيلومتراً، في ظل الضباب والظروف الجوية الصعبة، بغض النظر عن كونهن فتيات ولا يتحملن كل ذلك.
حاولت بعض الفتيات التفاوض في الأمر، وتأجيل السفر حتى يتحسن الطقس، أو ينتقلن من خلال القطار خشية مخاطر الطريق لكن دون جدوى، فالرد كان جاهزاً "ممنوع".
هذه هي رسالة الرحيل، تعنيف نفسي أدى إلى الموت، ففي بلادنا المرأة مسؤولة عن كل شيء، فإن تعلمت لتتبوأ مكانة تمنحها فرصة للعمل والمشاركة، فهي أيضاً محكومة بعادات وتقاليد، وعليها تحمل أعباء وواجبات أسرتها وأطفالها مع التعليم، وقد لا تُرحم إن رفضت أو اعتذرت ولأنها طالبت بالمساواة وحصلت على بعض منها، فهي مجبرة على دفع ثمن هذه المساواة، هذا الثمن تتكفله المرأة من مالها ومن عدم الاكتراث بظروفها وبطبيعتها الفيزيولوجية ومسؤولياتها المضاعفة كأم وزوجة أحياناً، فيتركها الرجال وأرباب العمل تواجه كل الأهوال بلا رحمة وبلا احترام تُعامل بنفس طريقة الاستهتار في أسرتها وفي عملها، ويتم تهديدها بسلب مكتسباتها والضغط عليها كثيراً.
فهل المساواة تسري على الجميع من كافة الحقوق الإنسانية، أم هي تكافؤ للفرص فقط؟
نعود لمأساة الطبيبات، اللواتي فقدن أمانهن برسالة، فرحلتهن كانت من أجل مبادرة الرئيس في حملة "صحة المرأة المصرية" فإذا كان توجّه الدولة هو دعم المرأة، ووزيرة الصحة "امرأة" فلماذا تمت القسوة عليها في الخفاء، هل المقصود الحصول على مانشيتات إيجابية في الصحف فقط؟
دعونا نتأمل بعض الإحصائيات لنتعرف على الدور المهم للمرأة في المجتمع المصري، ففي مارس/آذار الماضي كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أرقاماً وتفاصيل غير متوقعة عن نساء مصر، فعدد النساء في الأول من يناير/كانون الثاني عام 2019 بلغ 47,5 مليون نسمة من إجمالي عدد السكان بالداخل البالغ 98 مليون نسمة، بنسبة 48,5.
وأعلن الجهاز أن نسبة 41% من العاملات صاحبات مهن علمية، وأخصائيات في مجالهن، والنسبة الباقية تتوزع بين قائمات بأعمال كتابية، أو يعملن بالزراعة والصيد، والبيع ومحلات الخدمات، والمهن الحرفية.
وأوضح تقرير الجهاز أيضاً أن 8 سيدات تولين حقائب وزارية من إجمالي 32 وزارة في مصر، و66 قاضية من إجمالي عدد القضاة البالغ عددهم 9694.
ونسبة 18% من رؤساء تحرير الصحف الحكومية من النساء ونسبة 34% من العاملين بالسلك الدبلوماسي والقنصلي سيدات، ونسبة الإناث في مجالس إدارات الصحف الحكومية وصلت إلى 12%.
وأكد الجهاز أن نسبة الإناث في التعليم العالي بلغت 49%، وبلغت نسبة القيد في التعليم الابتدائي 98% من عدد الإناث، ونسبة الإناث في التعليم الإعدادي 93%، و65% في الثانوي.
ووفقاً للتقرير فقد بلغ العمر المتوقع للنساء في مصر 75 عاماً، مقابل 72 عاماً للذكور، وبلغت مساهمة المرأة في قوة العمل بمصر نسبة 21%، كما بلغت نسبة الإناث اللائي يعملن بعمل دائم 89%.
ورغم الإحصائيات الإيجابية السابقة التي توضح مساهمة المرأة ووجودها القوي، فهناك إحصائية أخرى صادمة أصدرها أيضاً الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي 2019، تتعلق بحالة العنف ضد المرأة في مصر، ويشمل العنف ضد المرأة "العنف الجسدي من قبل الزوج، والعنف النفسي والجنسي، بالإضافة إلى زواج القاصرات، والتحرش الجنسي، وختان الإناث".
وأفاد تقرير جهاز الإحصاء الرسمي، وفقاً لـ "نتائج مسح التكلفة الاقتصادية للعنف الاجتماعي ضد المرأة في الفئة العمرية (18-64) بمصر 2015″، بأن 34%من النساء اللاتي سبق لهن الزواج تعرضن لعنف بدني أو جنسي من قبل الأزواج، بجانب تعرض نحو 90% من السيدات للختان، وزواج أكثر من ربع النساء المصريات 27.4% قبل بلوغهن 18 سنة.
وذكر جهاز الإحصاء أيضاً أن نحو 7% من النساء المصريات تعرضن للتحرش في المواصلات العامة، بجانب تعرض نحو 10% منهن للتحرش في الشارع، وذلك خلال الـ12 شهراً السابقة للمسح.
الإحصائيات الرسمية توضح مكانة المرأة المميزة ونفس الإحصائيات تؤكد أنها تتعرض للعنف.
أتساءل الآن عن رد فعل منظمات المجتمع المدني والنقابات والهيئات التي تستهدف المرأة، هل ستدعم نهوض السيدات بالتوعية والاستشهاد بالشعارات الرنانة فقط، وما هو رد المجلس القومي للمرأة تجاه حادث تعنيف طبيبات المنيا وتعريضهن للموت، ما هو حال مقترح القانون الخاص بالعنف ضد المرأة الذي قدمه المجلس مع من المنظمات لماذا لم تتم مناقشته حتى الآن؟
على المرأة ألا تتهاون في حقوقها، وألا تخضع لابتزاز نفسي وتهديد، وتصرّ على التمسك بحقوقها والنضال من أجل نيل ذلك، فهناك قوانين تحمي المرأة، وكثير من النساء يجهلن هذه القوانين، وهناك أيضاً مكتب لبلاغات المرأة خصصته وزارة الداخلية، فضلاً عن المجلس القومي للمرأة الذي يقدم الاستشارات القانونية والاجتماعية مجاناً ويحيلها إلى جهات الاختصاص والقضاء ومتابعتها.
كما أن وزارة التضامن الاجتماعي تقدم عدداً من البرامج المساعدة لحماية النساء واستضافة المعنفات.
أقدّر جهود الرئيس في ما قدمه لنا كنساء، فهو لا يخرج علينا في أي مؤتمر دون التشديد على دورها العظيم والإشادة بما قدمته لبلادها، لقد شدد على تمكين المرأة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، لابد أن يقف إلى جانب المرأة في كل مرة يظهر فيها وفي كل مناسبة، ليتحدث عن رسالته تجاهها، هذه مكتسبات عظيمة لنا كمصريات، لقد رفض الرئيس التوقيع على مشروع قانون أحوال شخصية لا ينصف المرأة، وقال للرجال أكثر من مرة "كونوا أكثر مروءة وشهامة واعتدالاً وتوازناً وانحنوا تقديراً للمرأة".
أيها الرئيس أعلم جيداً كم أنت مؤمن بالمرأة، وأطلب منك بشكل شخصي النظر في الأمور التي لا يخبرونك عنها، ومتابعة تطبيق جهودك في دعم السيدات، وأود أن تطيّب خاطرنا بتحرك ضد المتسببين في هذا الحادث.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.