في سيناريوهات الحكم والمعارضة: الديمقراطية وحدها لا تكفي.. لماذا تحتاج تونس مشروع إصلاح وطني حقيقي؟

تم النشر: 2020/01/16 الساعة 14:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/01/16 الساعة 14:39 بتوقيت غرينتش
في أفق بناء مرجعية ديمقراطية اجتماعية تونسيةفي أفق بناء مرجعية ديمقراطية اجتماعية تونسية

إذا كانت البلاد اليوم تعيش حالة ديمقراطية فريدة وريادة إقليمية ثابتة من خلال تتالي نجاحات الاستحقاقات الانتخابية والتداول السلمي للسلطة، فلا يمكن أن نخفي قطعاً بوادر أزمة كامنة منذ 8 سنوات، فشلت عبرها كل الحكومات المتعاقبة في إحداث تغيير اقتصادي واجتماعي، بل حافظت على ميكانيزمات تسيير وإدارة البلاد بفكر ما قبل سنوات 2011. في مواصلة لسياسة التطبيع مع الفساد وحماية مصالح اللوبيات والتخطيط المركزي الذي جعل من الجهات الداخلية مناطق منفِّرة ومقصاة وتعاني الطبقات الاجتماعية المهمَّشة والمفقَّرة تكلفة الخيارات الحكومية اللاوطنية واللاشعبية.

هذه الحالة من الضعف والوهن والفشل وغياب الشجاعة لتغيير منوال التنمية، تعود لضعف الأداء السياسي للأحزاب الحاكمة منذ سنة 2012، وفيما تستند عليه في برامجها واستراتيجياتها من منطق إقصاء الكفاءات والأفكار والمطالب الثورية الإصلاحية والمعقلنة، والاعتماد على ما تسوسه من اتفاقات زعامات هَرِمة مهترئة تقليدية، لا تمثل مُثلاً إصلاحية ولا تملك مقومات الزعامة الوطنية، بقدر ما تملك سلطةً تقاسمتها مع المنظومة السابقة وفَّرت لها على مدى السنوات الماضية مواقع بيروقراطية.

في وقت انتظر منهم الناس الوفاء بوعود علاج المشكلات الاقتصادية وإنجاز بعض مطالب الثورة، لم يظفروا من سياسة العمى المتَّبعة والتوافق المغشوش سوى البؤس والتمزق الوطني والاحتراب السياسي، وغياب أي رؤى اقتصادية، وإحباط شعبي غير مسبوق، والسبب بسيط جداً.. لأن المطبخ الذي كانوا يعتمدون عليه مطبخ هواة ومغامرين ومطبّعين، وليس مطبخ كفاءات اقتصادية وقانونية وسياسية تتعامل بمنطق الدولة.

إننا أمام وضع مُثقَل، لم يلاحظ جُلُّ العارفين والمتابعين أنه تم القطع معه ومراجعته وتحري منطلقاته وتقييمه من قِبل مؤسسات الحزب الفائز، وهو المشارك قطعاً في كل الحكومات السابقة، مع انطلاقة ترتيبات البدء في مفاوضات الحكومة القادمة.

قد يبدو للبعض أنَّ رفض مشاركة بعض الأحزاب والتشكيلات السياسية كـ "التيار الديمقراطي" في حكومة تترأسها حركة النهضة، موقف أيديولوجي مُعادٍ، أو هروب من تحمُّل المسؤولية وجلوس على الربوة وتعطيل للآجال الدستورية وإرباك لإستحقاقات المرحلة، وغيرها من الاتهامات التي تتداولها أجنحة الكيان، ويغيب عنهم وعن جزء من المتابعين أننا أمام لحظة فارقة تستوجب صناعة قيادات جديدة تستطيع أن تنجز مشروعاً وطنياً قادراً على تحقيق إصلاح شامل ومتكامل، إصلاح موجَّه لبناء الدولة القوية والعادلة بشكل سليم .

ولكن للأسف جزء من مراكز القوى داخل الحزب الفائز لم تندمج بعد في روح المرحلة، ولا ثقة لنا بمن يتزعمون مسار القيادة داخله في الإصلاح.

إذ لا يمكن تناول موضوع المشاركة في الحكومة القادمة دون تقييم لتجارب الحكم السابقة 2012 و2014، وهل قام الحزب الفائز اليوم بنقد ذاتي وتدبُّر الإخلالات والأخطاء القاتلة في حق المسار الثوري والإصلاحي.

عندما دافعنا -وما زلنا- عن أهمية دور المعارضة المسؤولة، لأننا نؤمن بأنه التعبير الأبسط عن وجود السياسة ذاتها، ولأنه لا مكان للسياسة ولا وجود من دون معارضة.

عندما نتكلم عما يسمى قوة التوازن السياسي المرتكز على محورين رئيسين: الحكومة والمعارضة، نجد من يوزّع تهم الهروب من المسؤولية ويبتدع كل ممارسات البحث عن التحالفات الهشة والمشاركة في الحكم بالمناولة وتوزيع الغنيمة عبر المحاصصة، فقط من أجل تصنيع الفراغ في المعارضة السياسية بتونس، وإعادة إحياء أحادية السلطة والنظام.

كنا -وما زلنا- نعتقد أننا صادقون في قراءة اللحظة السياسية وما تحتاجه البلاد اليوم، وسنلعب دورنا الرئيس، فاتحين أيدينا للجميع بشرفِ حملِنا لآمال التونسيين: إما المساهمة في تشكيل حكومة إصلاح وطني حقيقية على قاعدة برنامج يتضمن ملفات إصلاح واضح المعالم ملزم ومعلن وتحت إشراف رئيس حكومة مستقل عن الأحزاب، وإما قيادة معارضة سياسية تتحلى بالمسؤولية الوطنية فوق أي اعتبارات حزبية، وتصحيح المسار من خلال الرقابة والمساءلة وتقديم البرامج والمشاريع والمبادرات التشريعية.

تأكدوا وفي جميع السناريوهات، أننا سنؤدي دورنا الطبيعي كيسار اجتماعي لملء الفراغ الناجم عن تواصل وجود سلطة منفصلة عن المجتمع ومشاغله، وإيلاء المسألة الاجتماعية، الفريضة الغائبة، الأولوية المطلقة في المرحلة المقبلة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عصام الدين الراجحي
قيادي بحزب التيار الديمقراطي
قيادي بحزب التيار الديمقراطي
تحميل المزيد