في أول اجتماع بالعاصمة الأمريكية واشنطن، وصدور بيان مشترك من وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا بمشاركة البنك الدولي والولايات المتحدة بشأن محادثات سد النهضة، تم تناول المادة العاشرة من إعلان المبادئ لعام 2015.
حيث أكد وزراء الدول الثلاث على العمل من أجل التوصل إلى اتفاق بحلول 15 يناير/كانون الثاني 2020، وأنه حال عدم التوصل للاتفاق في الموعد المتفق عليه يتم اللجوء إلى المادة 10 من إعلان المبادئ لعام 2015.
والمادة العاشرة من إعلان المبادئ، التي تحمل اسم مبدأ التسوية السلمية للمنازعات ونصها: "تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتهم الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقاً لمبدأ حسن النوايا".
لا شك أن حسن النوايا أساس في حل المنازعات وتسوية الخلافات ولا يتحقق الوفاق بين الخصوم بدونه فإذا وجدت أرضية النوايا الطيبة سهل الطريق إلى الوفاق والعكس بالعكس. فما هو مستوى حسن النوايا بين هذه الدول الثلاث وخاصة بين إثيوبيا ومصر؟
أردت أن أطرح عدة أسئلة هامة هنا للوقوف على مستوى العلاقة بين هاتين الدولتين:
·كيف هي علاقة مصر بإثيوبيا شعباً وحكومة عبر العصور؟
·كيف ينظر المصريون إلى إثيوبيا وشعبها وكيف ينظر الإثيوبيون إلى مصر وشعبها؟ وهل توجد روابط اجتماعية وثقافية بينهم؟ مع أهميتها القصوى لإيجاد أرضية حسن النوايا بين البلدين؟
·وهل يعرف المصريون منبع النيل الأزرق الذي قيل عنه "إن مصر هبة النيل" يعني كأن النيل هو منشئ مصر وحضارتها العظمى؟
·وهل يهتمون بزيارة منبعه الفعلي "طيس أباي"؟ الشلال الكبير الذي يصل ارتفاعه إلى 50 متراً حيث ينزل النهر من مجراه السطحي إلى مجراه العميق بقوة تنشئ السحاب وبصوت رعدي. المنظر الذي كان من أهم مصادر السياحة لإثيوبيا، وقد كان محل اهتمام الباحثين والكشافين وقد ألف الرحالة البريطاني جيمس بروس عن رحلته إلى هذا المنبع عام 1770م.
·فما قيمة بلاد منبع نهر النيل في نفوس المصريين. وقد قال عالم علم النفس الشهير ديل كارنيج: "إذا كنت تحب العسل احترم قفص النحل"، وقد سألت أحد الإعلاميين المصريين، هل رأيت منبع النيل؟ فأجاب نعم على الخريطة واستغربت من قلة اهتمام المصريين بإثيوبيا وهي منبع حياتهم!
·وهل العلاقة الدبلوماسية ممتازة كما يعبر عنها الدبلوماسيون دائماً؟ أم هي مجاملات كلامية للإعلام وليس لها في أرض الواقع آثار ملموسة؟
والسفارة المصرية تعتبر من أقدم السفارات في إثيوبيا ومقرها بجوار قصر الملك هيلاسلاسي الذي تحول إلى جامعة أديس أبابا وخلال وجودي في هذه الجامعة ما بين 2006- 2012م باحثاً وعاملاً، لا أذكر للسفارة أي نشاط هادف وخاصة في قسم اللغة العربية بشقيه – مرحلة الليسانس وقسم علم اللغة philology للدراسات العليا – ولا أذكر مهرجانات أو ندوات (كما تفعلها السفارة الإيرانية) تهدف إلى إيجاد جسر تبادل الثقافة بين شعب إثيوبيا وشعب مصر وخاصة مع الإسلام الذي وصل إلى هذا البلد قبل وصوله إلى مصر وهي دار الهجرة الأولى.
من أبرز العلاقات التاريخية بين إثيوبيا ومصر العلاقة الدينية المتمثلة بالكنيسة القبطية التي كانت أم الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية لعصور طويلة، بل منذ نشأتها 330م حتى الخمسينيات من القرن العشرين، حيث كان المطران يعين من مصر ولم يكن إثيوبياً حتى عام 1959م في عهد هيلاسلاسي ثم صار المطران إثيوبياً يعمد من الإسكندرية إلى اليوم.
لكن بالمقابل أين دور الأزهر؟ هذه المؤسسة الكبيرة المشهورة عالمياً من دعم مسلمي إثيوبيا الذين يقدر عددهم ضعف دول القرن الإفريقي الصومال وجيبوتي وإريتريا. وهل رأينا زيارة من المشيخة الأزهرية لإثيوبيا خلال الأنظمة الثلاثة الأخيرة التي عشناها؟ لا نبالغ إن قلنا أن دور مصر في نشر الثقافة الإسلامية واللغة العربية في إثيوبيا يكاد يكون صفراً عدا أنها كانت وما زالت إحدى وجهات الرحلات العلمية لعلماء الحبشة وطلبة العلم وتوجد منح دراسية رسمية وغير رسمية لكنها بالمقارنة مع السودان والسعودية واليمن قليلة جداً، ومع مشاركات ضئيلة من الدعاة وطلبة العلم الإثيوبيين في الندوات والمؤتمرات للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية والدورات في اللغة العربية، إلا أننا لا نجد مشاركات علماء الأزهر وأساتذة الجامعات المصرية في الساحات العلمية والمعرفية بالجامعات الإثيوبية والمؤسسات الإسلامية في إثيوبيا. ولو تأملنا قليلاً مستوى الوعي والمعرفة عن إثيوبيا لدى المثقفين المصريين فضلاً عن الأفراد العاديين نجد جلهم في جهل تام مقارنة بالدول العربية المجاورة اليمن والسودان والسعودية. ومن خلال احتكاكنا بعلمائهم بل وأساتذتنا في الجامعات التي تخرجنا فيها وجدناهم يفاجأون عندما نذكر لهم أن المسلمين في إثيوبيا يشكلون الأغلبية.
هذا على الرغم من أن أغلب الكتاب والمؤرخين الذين كان لهم السبق في الكتابة عن تاريخ الحبشة هم المصريون أمثال: ابن فضل الله العمري والشهاب المقريزي والقلقشندي الذين ذكروا في القرن العاشر والحادي عشر الهجري الممالك الإسلامية في الحبشه بالتفاصيل، ولدينا المعاصرون أمثال: فتحي غيث وكتابه "الإسلام والحبشة عبر التاريخ" وابن عابدين "بين الحبشة والعرب" وعبدالحليم رجب "العلاقة السياسية بين مسلمي زيلع ونصارى الحبشة" وزاهر رياض "تاريخ إثيوبيا" ويوسف أحمد "الإسلام في الحبشة" وعلي طرخان: "الإسلام والممالك الإسلامية في الحبشة" وغيرهم، لكننا نجد في الوقت الحاضر في عهد مصر الجديدة وقد زرت القاهرة عام 1991م، في رحلة بحثية لإعداد رسالة الماجستير مبتعثاً من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض إلى جامعة القاهرة قسم التاريخ وجامعة الأزهر وتأملت خلال بقائي هناك هذا الواقع.
ولا يختلف هذا الواقع بالنسبة للإثيوبيين فنظرتهم إلى مصر ليست إيجابية فضلاً عن الاهتمام بالعلاقات الثقافية بين الشعبين.
فكل ما ذكر شاهد على عدم توفر الأرضية المناسبة لإيجاد النوايا الحسنة لحل أزمة سد النهضة.
من خلال ما ذكر نصل إلى أن العلاقة بين البلدين ليست على مستوى إيجاد حسن النوايا فلا بد من العمل على إيجاد أرضية قوية لحسن النوايا بفتح مجال للتبادل الثقافي والاجتماعي بين الشعبين أولاً من خلال الرحلات والزيارات الهادفة، ليقف شعب إثيوبيا على بلاد الأهرامات ويقف شعب مصر على بلاد النجاشي وبلال وبلاد منابع النيل المبارك ورفع مستوى العلاقة الدبلوماسية إلى أثار ملموسة تصل إلى أفراد المجتمع بفتح مشاريع حيوية مشتركة سواء كانت مشاريع تجارية أو صناعية أو مشاريع حضارية مثل التعليم والسياحة وحفظ الآثار.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.