بعد ملايين السنين من الآن، قد يحفر البشر المتقدمون، أو ربما مَن قد يزورنا من الفضائيين باطن الأرض، أحفوريات المستقبل بحثاً عن بقايا حضارات اليوم، كما فعلنا نحن مع حضارات الأمس. فما الذي سيجده هؤلاء؟ وكيف سيفسرون علاقاتنا مع المخلوقات المحيطة بنا كالقطط مثلاً؟
دراسة جديدة في دورية Anthropocene قدمت بعض الأدلة، إذ راجع كل من كارين كوي،؛ عالمة الحفريات في جامعة ميسوري ويسترن ستيت، وروي بلوتنيك عالم الحفريات بجامعة إلينوي في شيكاغو، ما يقارب 200 بحث حول التحجر وممارسات الدفن، والتعامل مع الثروة الحيوانية وغيرها.
وفي حديث لمجلة Science الأمريكية حول بعض أكبر تنبؤاتهما، قال العالمان إن السجلات الرقمية ستختفي مع تقدم التكنولوجيا وفشل الأجهزة الحديثة في قراءة الأكواد القديمة. وتوقعا أن تشكّل عظام الكلاب والقطط مصدر ذهول للمكتشفين الجدد؛ نظراً إلى كمّ الاهتمام الذي يبديه البشر لهما مقارنة مثلاً بالدجاج والبقر.
"عربي بوست" اختار بعض الأسئلة من المقابلة المطولة، التي تمحورت حول ما قد يجده المستكشفون الجدد والباحثون في باطن الأرض عن أدلة وآيات الماضي.
من سيكتشف أحفوريات المستقبل بعد ملايين السنين؟
يقول روي بلوتنيك: "حسناً، بالتأكيد هذا يستدعي سؤال: هل يتمكن البشر من النجاة لهذا الوقت الطويل؟ وبما أنني من عشاق الخيال العلمي، سأكون متفائلاً وأقول: نعم، على الأرجح سنفعل، لدرجة أن أحفادنا سيفكرون بوقت ما في الماضي".
وأضاف: "أعتقد أن هذا احتمال أرجح من احتمال الفضائيين، على الأقل".
مع توثيق البشر المعاصرين لكل ثانية، هل تكون الحفريات ضرورية؟
يفترض روي أن محبي قصص الخيال العلمي عما بعد نهاية العالم، يتوقعون أن من الأشياء التي تختفي هي تقريباً كل سجل مكتوب، وكل سجل حاسوبي، وما يشبه ذلك.
إذن ما الذي يتبقى معنا؟ كل ما يُدفن في الأرض.
أما كارين فقالت: "عندما تملك هذه السجلات، كثيراً ما تَعجز عن فك شيفرتها. هناك شخص بدأ مؤخراً فقط فك شيفرات سجلات من حضارة أمريكية جنوبية، جرى ترميزها في شكل عُقَد من أنواع مختلفة من الخيوط والأوتار، عمرها آلاف السنوات".
وهناك سجلات حاسوبية وأكوادٌ عمرها عقود لا تتمكن أجهزة الحاسوب الحديثة من التعرف عليها؛ لأنها بعيدة للغاية عن الانتظام.
لذا لك أن تتخيل الوضع بعد مليوني عام من الآن.
في الورقة البحثية ذُكر أن الأماكن التي تكونت فيها الحفريات بالعصور الماضية أصبحت مختلفةً الآن، كيف ذلك؟
يوضح روي: "إذا نظرت في الأنماط الطبيعية لمواقع تكوّن الحفريات، فستجدها بالكهوف، وأي نوع من مواقع الأراضي الرطبة، وقنوات الأنهار، والبحيرات الهلالية (بحيرات ملتوية تتكون من الأنهار تشبه الخشبة المعترضة التي توضع حول رقبة الثيران لجرّ المحراث) أو البيئات المليئة بالمستنقعات.
تعرضت هذه الأنماط البيئية كافة لتغيير جارف، نتيجةً للأنشطة البشرية، إذ يبني
البشر سدوداً على الأنهار، ويجففون المستنقعات.
وهناك كثير من التغييرات التي أدخلها البشر على بيئة سطح الأرض الطبيعية، لدرجة أن الباحثين يقترحون أنها بحجم العمليات الطبيعية نفسه، على الأقل، إن لم تكن أكبر.
عند موت البشر والحيوانات، تترك جثثهم "علامات أنثروبوسينية" مميزة. كيف تبدو هذه العلامات؟
ازدادت أعداد البشر في منتصف القرن العشرين، بفضل الطب الحديث والمضادات الحيوية. وهذا يعني أن عدداً أكبر من البشر يدفنون بشكل منظم في مقابر، وليست فوضى من العظام مثلما نرى في حالة الديناصورات.
ويمكن العثور على هذه المدافن المنظمة في كل مكان بالعالم؛ لذا ستجد رفات البشر في كل مكان بالطريقة نفسها.
لذا، تخيَّل أنك فضائي من جنس مختلف وعثرت على هذا العالم المغطى فحسب بهذه الأجسام الموضوعة جميعاً بطريقة محددة على كل مكان من سطحه. قد يبدو الأمر مخيفاً!
ما الحيوانات التي ستظهر على الأرجح في السجلات الحفرية المستقبلية؟
بالتأكيد الدجاج؛ لأن هناك كثيراً منها، والأبقار والخنازير. إن العدد الهائل من البشر والخنازير والأبقار لا يُصدَّق. ولا يقترب منه عدد أي من الكائنات البرية الأخرى.
كيف يمكن لعلماء الأحياء القديمة المستقبليين التفريق بين الحيوانات الداجنة وأسلافها الوحشية؟
عندما نربي الحيوانات من أجل اللحم، نميل إلى اختيار الحيوانات التي تزيد كتلتها العضلية.
لذا فمن المتوقع مع الوقت أن تجد العظام أسمك؛ لدعم وزن بدن الحيوان الذي أصبح أثقل.
أما في حالة الحيوانات المنزلية مثل الكلاب والقطط، فسنختار الأشياء الفاتنة أكثر، مثل الكلاب ذات الأنوف الفطساء والأعين الأكبر.
لذا فبحسب سبب تربيتها، هناك مجموعات مختلفة من الأشياء التي قد تتفحصها، والتي قد تسمح لعلماء الأحياء القديمة بأن يقولوا: "هذه قد تكون أنواعاً منزلية أو هذه قد تكون ثروة حيوانية رُبيت للحم أو العمل".
كيف سيفهم علماء الحفريات المستقبليين علاقتنا بالقطط والكلاب؟
من بين الحيوانات كافة، ترتفع احتمالية دفن الكلاب والقطط بطريقة مشابهة لطريقة دفن البشر.
فهناك مقابر للحيوانات الأليفة منظَّمة بطريقة مشابهة لمقابر البشر التذكارية.
لذا، إذا عُثر على شيء من هذا القبيل، فسيُنبئ بشيء مختلف عما
ستُنبئ به القبور الكبيرة التي تُلقى فيها الخنازير بشكل عشوائي.
وأردفت كارين: "أعتقد أنه سيكون من الواضح أننا شعرنا بمشاعر مختلفة تجاه
الكلاب والقطط، مقارنة بالخنازير والأبقار والدجاج".
هل يعتقدون أننا عبدناها؟
تُقدم التفسيرات الدينية إجابة جاهزة، لكن "نأمل أن يكون باحثو المستقبل أكثر تمرساً من طرح مثل هذه الافتراضات". على حد تعبيرها.