خطط القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، الذي قُتل بضربة جوية أمريكية في بغداد، أمس الجمعة، لشن هجوم واسع ضد أهداف أمريكية في العراق، ضمن خطة كبيرة كشفت تفاصيلها وكالة رويترز، السبت 4 يناير/كانون الثاني 2020، مشيرةً إلى أن الخطة كانت سبباً في مقتله.
الوكالة تحدثت عن اجتماع عقده الجنرال سليماني مع حلفائه من قادة الميليشيات الشيعية العراقية في منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2019، في فيلا على ضفاف نهر الفرات، تطل على مجمع السفارة الأمريكية في العاصمة العراقية بغداد.
استخدام أسلحة متطورة ضد أهداف أمريكية
مصدران أمنيان أُحيطا بتفاصيل الاجتماع قالا لوكالة رويترز – دون أن تذكر اسميهما – إنَّ قائد فيلق القدس وجَّه خلاله أكبر حلفائه في العراق أبومهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي (الذي قُتل أيضاً في الضربة الأمريكية) وغيره من قادة الميليشيات الأقوياء، بتصعيد الهجمات ضد أهداف أمريكية في العراق، باستخدام أسلحة جديدة متطورة زودتهم بها إيران.
جاءت جلسة تحديد الاستراتيجيات هذه، التي لم ترد أية تقارير عنها من قبل، في الوقت الذي بدأت الاحتجاجات الحاشدة في العراق ضد النفوذ الإيراني هناك تكتسب زخماً، والتي بدورها وضعت الحرس الثوري الإيراني في موقف لا يُحسَد عليه.
يقول المصدران الأمنيان وساسة شيعيون عراقيون ومسؤولون بالحكومة العراقية مقربون من رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، إن خطط سليماني لمهاجمة القوات الأمريكية كانت تهدف إلى إثارة رد عسكري من شأنه أن يعيد توجيه هذا الغضب العراقي المتزايد ضد الولايات المتحدة.
لكن جهود سليماني لم تُسفِر سوى عن استفزاز هجوم أمريكي، يوم الجمعة 3 يناير/كانون الثاني، أودى بحياته هو والمهندس، التطور الذي ينذر بتصعيد بالغ في التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.
قُتِل الرجلان بغارة جوية استهدفت موكبهما في مطار بغداد، بينما كانا في طريقهما إلى العاصمة العراقية؛ وهو ما شكَّل ضربة قوية لإيران، والجماعات شبه العسكرية العراقية التي تدعمها، بحسب وكالة رويترز.
أشارت الوكالة إلى أن اللقاءات مع قادة ميليشيات، ومصادر أمنية عراقية، توفر لمحة نادرة عن كيف أدار سليماني عملياته في العراق، البلد الذي قال عنه مرة إنه يعرفه مثل كفي يديه.
نقل أسلحة متطورة للميليشيات بالعراق
كشف المصدران الأمنيان وقادة الميليشيات العراقيون أنه قبل أسبوعين من اجتماع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أمر سليماني الحرس الثوري الإيراني بنقل أسلحة أكثر تطوراً -مثل قاذفات الصواريخ المتعددة كاتيوشا والصواريخ المحمولة على الكتف- إلى العراق عبر معبرين حدوديين.
في الفيلا التي التقوا فيها، وجَّه سليماني القادة المجتمعين بتشكيل ميليشيا جديدة من الجماعات شبه العسكرية الأقل شهرة -غير المعروفة لدى الولايات المتحدة- التي يمكنها تنفيذ هجمات صاروخية ضد الأمريكيين المتمركزين في قواعد عسكرية عراقية.
ذكرت المصادر التي أحيطت بالاجتماع أنَّ سليماني أمر ميليشيا "كتائب حزب الله" -وهي الجماعة التي أسسها المهندس ودربها في إيران- بمباشرة تنفيذ الخطة الجديدة.
أحد قادة الميليشيات، قال لوكالة رويترز، إنَّ سليماني أخبرهم أنَّ مثل هذه المجموعة "سيصعُب على الأمريكيين رصدها".
أمريكا استشعرت خطر سليماني
في حديث لوكالة رويترز أيضاً أمس الجمعة، قال مسؤولون أمريكيون -تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم- إنَّ الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية، قبل الهجوم، كان لديها أسبابها للاعتقاد بأنَّ سليماني منخرط في "المراحل الأخيرة" من التخطيط لاستهداف الأمريكيين في عدة دول، منها العراق وسوريا ولبنان. وقال مسؤول أمريكي كبير إنَّ سليماني زوَّد "كتائب حزب الله" بأسلحة متطورة.
من جانبه، قال مستشار البيت الأبيض للأمن القومي روبرت أوبراين، في تصريح لصحفيين أمس، إنَّ سليماني كان عائداً لتوّه من دمشق؛ حيث "كان يخطط لهجمات ضد قوات المارينز (مشاة البحرية)، وطيارين، وبحارة، وجنود أمريكيين، وكذلك ضد دبلوماسيينا".
قنص أهداف أمريكية بطائرات بدون طيار
سبق استهداف سليماني زيادة في مخاوف الولايات المتحدة بشأن النفوذ الإيراني على النخبة الحاكمة في العراق، الذي تعصف به من أشهر من الاحتجاجات تتهم الحكومة بكنز ثروات لنفسها وخدمة مصالح قوى أجنبية، وتحديداً إيران، في الوقت الذي يعاني فيه الشعب العراقي من الفقر والبطالة وتردي الخدمات الأساسية.
كان لسليماني دورٌ بارز في توسيع النفوذ العسكري الإيراني في الشرق الأوسط، باعتباره العميل الذي أشرف على تنفيذ العمليات السرية خارج إيران، وكان الجنرال، الذي توفي عن عمر يناهز 62 عاماً، يُعَد ثاني أقوى شخصية في إيران بعد المرشد الأعلى آية الله خامنئي.
أما أبومهدي المهندس، وهو مُشرِّع عراقي سابق، فكان يُشرف على قوات الحشد الشعبي العراقي، وهي المظلة الجامعة للقوات شبه العسكرية التي تتألف في معظمها من ميليشيات شيعية مدعومة من إيران، ودُمِجَت رسمياً في القوات المسلحة العراقية.
كان المهندس، على غرار سليماني، تحت أنظار الولايات المتحدة منذ فترة طويلة، التي صنفته شخصيةً إرهابية، وفي عام 2007، أصدرت محكمة كويتية حكم الإعدام بحقه غيابياً لتورطه في تفجيرات عام 1983 التي استهدفت سفارتي فرنسا والولايات المتحدة في الكويت.
وقع اختيار سليماني على "كتائب حزب الله" لتقود الهجمات ضد القوات الأمريكية في المنطقة؛ لأنها لديها القدرة على استخدام الطائرات بدون طيار لاستكشاف أهداف محتملة لهجمات بصواريخ كاتيوشا.
من بين الأسلحة التي أرسلها سليماني الخريف الماضي، طائرة من دون طيار طورتها إيران تستطيع الإفلات من أنظمة الرادار، وقد استخدمت "كتائب حزب الله" هذه الطائرات المسيرة لالتقاط صور جوية لمواقع تواجد القوات الأمريكية.
هجمات متبادلة
وفي 11 ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال مسؤول عسكري أمريكي رفيع، إن هجمات الميليشيات المدعومة من إيران ضد قواعد في العراق تضم قوات أمريكية تزايدت وأصبحت أكثر تعقيداً، وجاء تعليقه في أعقاب سقوط أربعة صواريخ كاتيوشا على قاعدة بالقرب من مطار بغداد الدولي، ما أسفر عن إصابة خمسة عسكريين.
لم تعلن حينها أي جماعة مسؤوليتها عن الهجوم، لكن مسؤولاً عسكرياً أمريكياً قال إن تحليلات الاستخبارات والتحليل الجنائي للصواريخ وقاذفات الصواريخ، وجهت أصابع الاتهام لميليشيات شيعية موالية لإيران، لا سيما كتائب "حزب الله" وعصائب "أهل الحق".
كذلك في 27 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أطلق الميليشيات أكثر من 30 صاروخاً على قاعدة عسكرية عراقية قرب كركوك، ما أدى إلى مقتل متعاقد مدني أمريكي وإصابة أربعة جنود أمريكيين وعسكريين عراقيين.
اتهمت الولايات المتحدة كتائب حزب الله بتنفيذ الهجوم، وشنت طائرات أمريكية غارات جوية استهدفت عناصر في هذا الفصيل، أسفرت عن مقتل 25 شخصاً وإصابة 55 آخرين.
وأعقب ذلك اقتحام للسفارة الأميركية في بغداد من قبل جماعات مدعومة من إيران، ما دفع واشنطن إلى إرسال قوات إضافية إلى المنطقة وتهديدها بالانتقام من طهران.
في يوم الخميس الفائت، وقبل ساعات من عملية قتل سليماني والمهندس، كان وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر قد حذر من "إجراءات استباقية" لحماية الأميركيين من هجمات إيرانية، وقال: "لقد تغيرت اللعبة".