يواجه المئات من الرجال، ومعظمهم مسلمون، خطر مصادرة ممتلكاتهم بعد أن تلقوا غرامات "لا يمكن دفعها" بسبب مزاعم تخريب هراوات الشرطة ودرّاجاتها النارية، ومكبرات الصوت أثناء التظاهرات ضد قانون الجنسية الهندية الجديد.
وصف السكان الغرامات بأنها غير مسبوقة، وأنها جزء من الحملة القمعية التي تضمنت اعتقالات تعسفية وتهديداتٍ من الحكومة القومية الهندوسية في ولاية أتر براديش ضد المجتمع المسلم على خلفية التظاهرات، حسب صحيفة The Times البريطانية.
نُشرت قوات الشرطة والقوات شبه العسكرية في أتر براديش، الجمعة 27 ديسمبر/كانون الأول، وقُطعت شبكة الإنترنت في محاولة لكبح العنف، وشُوهدت طائرات الأمن المسيّرة تحلق في سماء المناطق الغربية من الولاية، حيث تحولت التظاهرات إلى أعمال عنف بعد صلاة الجمعة.
وجاءت الغرامات، بعد أن تعهد الوزير الأول لولاية أتر براديش يوغي أديتياناث "بالانتقام" ممن يُشتبه اشتراكهم في أعمال العنف في التظاهرات ضد الاقتراحات المقدمة التي سوف تؤدي إلى اضطرار المسلمين إثبات حقهم في البقاء بالدولة، بينما يُعفى الآخرون من معظم الأديان الأخرى من نفس الشرط. فهناك أكثر من 200 مليون مسلم في الدولة ذات الأغلبية الهندوسية، وسيطلب منهم جميعاً إثبات حقهم في البقاء.
لدى حوالي 700 رجل في ولاية أتر براديش أسبوع واحد لإثبات براءتهم أو دفع غرامة ضخمة. وإذا رفضوا الدفع ستصادر الدولة ممتلكاتهم.
يهرب الرجال الآخرون في المناطق التي يسكنها أغلبية مسلمة خوفاً من الاعتقال. ففي مدينة ناجينا بمقاطعة بيجنور، اعتُقل 80 رجلاً وعائلاتهم، وليس لديهم أي فكرة عن الجرائم المتهمين بها.
قال عم أحد المعتقلين الذي كان خائفاً للغاية أن يذكر اسمه: "عندما حاول المحامون لقاءهم، تعاملت الشرطة مع المحامين أنفسهم بخشونة وهددتهم بأن يتعاملوا معهم بوصفهم متظاهرين عنيفين".
تتهم العائلات في مدن رامبور، ومظفر ناغار، وميروت قوات الشرطة بمداهمة البيوت وتحطيم المتعلقات واختطاف الرجال.
قالت عائلات الرجال الذين تلقوا الغرامات إن الكثير من هؤلاء المتهمين لم يشاركوا في الاضطرابات ولا يستطيعون تحمل تكلفة دفع الغرامات. ولم يُعتقل بعض هؤلاء الذين تلقوا الغرامات، ولكن من الواضح أنهم عوقبوا بناء على لقطات من كاميرات المراقبة الهندية التي شاهدتها الشرطة.
أم معتقل شاب عمره 26 عاماً للاشتباه في حرقه الممتلكات، قالت: "ليس لديّ حليب يكفي كوباً واحداً. فلتعتقل الشرطة ابني وسأموت جوعاً. ليس هناك ما يمكنني فعله".
تؤكد الأم الأرملة التي تعتمد على دخل ابنها من بيع التوابل والخلاخيل على عربة متجولة ستُصادر على الأغلب، أن ابنها ليس له دور في التظاهرات. كانت الأم ترتدي معطفاً ممزقاً من ألياف الأكريليك تحتمي به من البرد وتعيش في كوخ مستأجر.
قُتل حوالي 20 شخصاً في المظاهرات التي اندلعت حول البلاد في 15 ديسمبر/كانون الأول ضد قانون يسمح لأي شخص موجود في الهند بشكل غير قانوني بأن يصبح مواطناً إلا إذا كان مسلماً.
الجميع يتحرك ضد القانون
دفع هذا القانون الهنود من جميع الأديان، صغاراً وكباراً، وأغنياء وفقراء، ومتعلمين وأميين إلى الخروج للشوارع للتظاهر ضد حكومة ناريندرا مودي، رئيس وزراء الهند. بالرغم من أن معظم المظاهرات كانت سلمية، شهدت ولاية أتر براديش التي يحكمها حزب مودي، حزب بهاراتيا جاناتا، بعضاً من أسوأ الصدامات التي أسفرت عن موت 17 مسلماً، من بينهم 14 ماتوا بإصابات طلقات نارية.
كان الآخرون الذين تلقوا إشعارات الغرامة معظمهم عمال يومية فقراء، أو فنيين كهرباء أو باعة متجولين، أو خياطين، أو مطرزين. ومعظمهم لا يمكنه تحمل نفقة المحامي، ناهيك عن دفع الغرامة.
قال تشوت ميان (63 عاماً) الذي يعمل بائع توابل إن هناك مذكرة اتهام موجهة لابنه بالتخريب. وقال: "كان يعمل هذا اليوم، ولم تكن له علاقة بهذا. أنا رجل فقير ولا يمكننا تحمّل نفقة محامٍ، وبالتالي لا شك في أننا سندفع الغرامة".
أحد الخبراء القانونيين، عوادش سنغا، أكد أنه بالرغم من أعمال الشغب العديدة على مرّ السنين، لم ير إجراءات عقابية لتعويض الأضرار.
كولن غونسالفيز، وهو محامٍ حقوقي، قال إن محاولة استعادة الأموال من المتظاهرين كانت "محاولة تعسفية وشريرة".
وأضاف: "الشرطة هي المعتدي، وليس المتظاهرين الذين كانوا يفرون. لدينا مقاطع فيديو للشرطة وهي تدمر السيارات والدراجات البخارية".
وفي العاصمة دلهي، كان هناك مجموعة من المسلمات اللاتي خرجن في تظاهرة مستمرة منذ أول يوم من التظاهرات الجماعية. قالت مريم خان، التي كانت تجلس وتأكل وتنام على الأرض: "أفضل أن تموت مبكراً من أن تعيش عبداً طول حياتك". كانت مريم تذهب إلى البيت بالتناوب مع النساء الأخريات لتغتسل وتغير ملابسها فقط، وتعاني من درجات الحرارة المنخفضة في الليل، التي تصل إلى 5 درجات مئوية أثناء أبرد موجة في المدينة منذ 22 عاماً.
سيطرت النساء على الطريق الرئيسي على الطريق الرئيسي في شاهين باغ ورفضن التحرك حتى "يسحب مودي" قراره بشأن القانون والتسجيل القومي المخطط له للمواطنين. وهناك مخاوف من أن المسلمين الذين كانوا في الهند لأجيال قد ينظر إليهم بوصفهم مهاجرين غير شرعيين إذا لم يُقدموا المستندات الصحيحة.
عبّرت ربات البيوت، والطالبات والمنظفات، الخادمات عن غضبهم مرتديات الشال الهندي، وهن يصحبن الرضع والأطفال الباكين. تعد هذه بالنسبة لغالبيتهن أول تظاهرة يشاركن فيها. إذ إنهن غاضبات من أنهن مضطرات لإثبات جنسيتهن، ومن السيد مودي الذي "يبصق علينا"، بحسب كلماتهن.
قالت ربة المنزل شاغوفتا شاهناواز: "لسنا سرطاناً. إننا أناس عاديون نريد حقوقنا. أنا لم أُولد في باكستان. أنا وُلدت هنا في وطني وأرفض إثبات هذا لمودي".
سجل قومي للتعداد السكاني
أنشأت الحكومة سجلاً قومياً للتعداد السكاني يعتقد الكثيرون أنه الخطوة الأولى في اتجاه تشكيل سجل قومي للمواطنين. وسوف يُدرج كل شخص كان يسكن الهند لأكثر من 6 أشهر، ولن يُتطلب أي مستندات، بل مجرد كشف اختياري.
وقال وزير الداخلية الهندي أميت شاه يوم الثلاثاء 24 ديسمبر/كانون الأول، إن البيانات لن تستخدم في سجل المواطنين. وأضاف: "أطمئن الشعب كله، وخاصة الأقليات، أن سجل تعداد السكان لن يستخدم في تسجيل المواطنين. إنها شائعات".
وأشار منتقدوه إلى أن الوزراء أخبروا البرلمان في مرات عديدة بأنه سيستخدم ليكون قاعدة لتجميع تسجيل المواطنين.
وقال عرفان قريشي من اتحاد معلمي الجامعة الملية الإسلامية، التي تتصدر الاحتجاجات في دلهي، إنه لا يمكن لأي شخص أن يثق بأي شيء يقولونه ثانية. وأضاف: "من الواضح الآن أن تسجيل التعداد السكاني مثير للريبة، لكننا لا بد أن ندرس الأمر تفصيلاً قبل أن نقرر كيفية الحركة".