دقّت أجراس الكنيسة في الخرطوم يوم الأربعاء، 25 ديسمبر/كانون الأول، حيث أعلن السودان عيد الميلاد إجازةً رسمية عامة، لأول مرة منذ 10 سنوات، وفق ما أورد موقع Middle East Eye البريطاني.
إذ احتفل آلاف المسيحيين السودانيين في شوارع العاصمة، التي انضم لهم فيها نشطاء للتعبير عن التعايش المشترك، إلى جوار أماكن أخرى في البلاد، منها معقل المتمردين في جبال النوبة الجنوبية.
يأتي ذلك بعد أن أعلنت الحكومة السودانية المدنية الإجازة، وتحدثت عن تحسين المساواة الدينية بعد عقود من الحكم الذي أدّى إلى تهميش الأقليات.
قال سايمون كوندا (16 عاماً)، طالب من جبال النوبة، لموقع Middle East Eye البريطاني: "هذه المرة مميزة، وليست مثل السنوات السابقة. هذه المرة هادئة وممتعة ومميزة للغاية، لأن الشباب السودانيين من مناطق مختلفة يحتفلون معاً".
البشير ألغى احتفالات أعياد الميلاد بعد انفصال الجنوب
كان عمر البشير، الرئيس السابق، قد ألغى الاحتفالات العلنية بعيد الميلاد بعد انفصال جنوب السودان ذي الأغلبية المسيحية في عام 2011.
لكنه أُطيح به في أبريل/نيسان الماضي، بعد احتجاجات استمرت لشهور قادتها حركة شهيرة دعت إلى مزيدٍ من المساواة في السودان بين الجماعات العرقية والدينية المختلفة.
اتُّهِمَ البشير ببناء دولة ترتكز على الإسلاميين وتتمحور حول النخبة العربية التي هيمنت وهمّشت الجماعات الأخرى في البلد المتنوع، وواجهت مقاومة جماعات ثورية دعت لقيام دولة علمانية طوال فترة حكمه.
على ضفاف نهر النيل في أقدم كنائس الخرطوم، كاتدرائية القديس متى؛ احتفل آلاف المسيحيين بالغناء والرقص، وإنشاد الشعارات الثورية، والإشادة بعبدالله حمدوك رئيس الوزراء.
إذ قال البعض إنّ هذه هي المرة الأولى التي يُسمح لهم فيها بالاحتفال بشكلٍ علني منذ استقلال جنوب السودان.
قالت نيبال ازيكل، سيدة من جنوب السودان تعيش في الخرطوم: "إنني سعيدة للغاية اليوم؛ لأن الوضع يتحسن. ومن الجيد للغاية بالنسبة إلينا أن تكون إجازةً رسمية للسودانيين، لا المسيحيين فحسب"، واصفة إياه بأفضل عيد ميلاد مر عليها خلال 30 عاماً، منذ استيلاء البشير على السلطة. وأضافت: "إنّها خطوةٌ جيدة أيضاً تجاه وحدة الشعب السوداني".
عهد جديد ما بعد الثورة
يأمل الكثير من المحتفلين، المسيحيين والمسلمين، أن تُرسِي الإجازة أساسات عهدٍ جديدٍ يعالج بعضاً من الانقسامات التي نمت في السودان. وقد أُزيلت السودان مؤخراً من قائمة الولايات المتحدة السوداء للدول التي تعتبر من أسوأ منتهكي الحريات الدينية.
إذ قال بال باسبار، مسيحي سوداني (25 عاماً): "نريد أن نصلي اليوم لضحايا الحروب في السودان، وأن نصلي لكل شخص شعر بأي نوع من أنواع الظلم في الفترة الماضية، ونحن نصلي للثورة العظيمة التي حققت أهدافها".
كما احتفل النشطاء معهم من خلال ترديد شعارات تدعو للمساواة والوحدة، وتنتقد الإسلام المُسيّس إبان حكم البشير.
إذ صرَّحت آمنة أزهري (18 عاماً)، الطالبة بجامعة الخرطوم، للموقع قائلةّ إنّ هذه هي المرة الأولى التي تزور فيها كنيسة. وأردفت: "إنني متفائلة للغاية، وأشعر بالتغيير السياسي، وبأننا نحن السودانيين نتغير جميعاً بشكلٍ إيجابي. إننا نصبح أكثر تسامحاً ومحبة تجاه بعضنا البعض. وهذا هو إرث ثورتنا العظيمة".
اعتذر نصر الدين مفرح، وزير الشؤون الدينة والأوقاف، للمسيحيين السودانيين عن التمييز الذي عانوه تحت حكم البشير. ووعد بأنّ هذه المرحلة الانتقالية الجديدة ستبني سوداناً أكثر مساواة.
إذ شهد مسيحيو السودان تحت حكم البشير مصادرة وهدم كنائسهم، واحتجاز ومحاكمة الزعماء الدينيين، إلى جانب فرض قيود على نشاطهم الديني، بحسب ما أورده الموقع البريطاني.
قد تشكّلت حكومة مدنية ضمن اتفاق تقاسم السلطة مع الجيش، الذي احتفظ بنفوذه منذ عزل البشير، ووعدت بتوفير قدرٍ أكبر من الحريات الدينية، وإعادة الأراضي المصادرة، وإعادة اعتبار يوم الأحد إجازةً رسمية للمسيحيين.
صرَّح إيمانويل بيرناردينو، أسقف كاتدرائية القديس متى، بأنّ عودة عطلة عيد الميلاد ألهمت المسيحيين للاحتفال بها بشكل علني. وقال: "رسالتنا إلى السودانيين هي: لنكن بشراً فقط، ونستعيد إنسانيتنا. لقد شارك المسيحيون والمسلمون في الثورة وفي التغيير، بغض النظر عن دينهم أو لونهم أو جذورهم العرقية، وهذا هو أفضل وقت لإبقاء هذه الروح حية".