تسير المملكة العربية السعودية بسرية "غير طبيعية"، وفق حقوقيين اثنين، في محاكمة قتلة الصحافي جمال خاشقجي.
كان خاشقجي قد قتل على يد مسؤولين سعوديين بمقر قنصلية بلاده في إسطنبول، 24 أكتوبر 2018 قبل إقالتهم رسمياً.
سرية محاكمة قتلة خاشقجي تثير الشكوك حول الجدية
من ناحيتها تتمسك الرياض رسمياً برفض تدويل القضية، مثلما تتمسك بعدم إعلان أسماء المتهمين بقتله أو مقار احتجازهم، أو مقر انعقاد محاكمتهم أو ملابسات وظروف جلساتهم، كحالها في تمسكها بعدم معرفة مكان الجثة، والتأكيد على استقلال ونزاهة قضائها.
ولم يُعرف عن المحاكمة إلا جلستان فقط في يناير/كانون الثاني 2018، وبعدها نضبت الأنباء، باستثناء ظهور مفاجئ لصحيفتين سعوديتين في ذكرى عام على مقتل خاشقجي.
حيث تحدثت "عكاظ" و "الرياض" عن وجود جلسات لمحاكمة المتهمين، قدرت بـ 8 جلسات بحضور ممثلين محليين ودوليين، دون تفاصيل أيضاً رغم مرور عام على الواقعة.
الاختفاء أثار الانتقادات من جانب أمريكا وتركيا والأمم المتحدة
هذا الاختفاء المصاحب لتلك القضية التي أثارت ضجة كبيرة بالعالم نهاية 2018، شهد انتقادات لاسيما تركية وأمريكية وأممية.
تعاملت تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، مع القضية منذ البداية باهتمام بالغ ودقة كبيرة، أدت إلى تسليط الضوء العالمي على الجريمة، وسط تمسك مستمر بتحقيق العدالة.
ففي 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، دخل خاشقجي قنصلية السعودية بإسطنبول، لاستكمال إجراءات مرتبطة بزواجه من التركية خديجة جنكيز، ولم يخرج.
بعد 18 يوماً من الإنكار والتفسيرات المتضاربة من قبل السعودية، أعلنت الرياض مقتل خاشقجي داخل القنصلية إثر "شجار" مع سعوديين، وتوقيف 18 مواطناً في إطار التحقيقات، ثم 3 آخرين، دون الكشف عن مكان الجثة.
محاكمات "سرية" ومصير كالجثة
فيما تنكر السعودية مسؤولية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن قتل خاشقجي
عادة ما تنكر السعودية مسؤولية أحد من قيادات البلاد، وعلى رأسهم ولي العهد محمد بن سلمان عن تلك الجريمة.
ففي 2 أكتوبر/تشرين الأول 2019، قال بن سلمان في تصريحات إعلامية: "أتحمّل المسؤولية كاملةً؛ لأن ذلك حدث أثناء وجودي في السلطة".
سرية غريبة ومصير مجهول للقضية
عن إجراءات المحاكمة بالسعودية، قال، محمد جميل، رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، للأناضول: "قضية خاشقجي حازت على اهتمام عالمي ونشر غير مسبوق، لكن السلطات السعودية تصرّ على سرية المحاكمة، وهذا يجعلها باطلة بالمطلق".
جميل أكد أن "المتهمين كان لهم دور في الجريمة ويجب أن يعاقبوا لكن ليس وحدهم، هناك من يجب أن ينضم إليهم، من أعطى الأوامر للتنفيذ، فلولاه لما وقعت الجريمة".
تابع الحقوقي العربي البارز: "حتى تتحقق العدالة بشكل شفاف يتوجب على السلطات السعودية التفاهم مع الأمم المتحدة والحكومة التركية على شكل المحاكمة وفق مبادئ القانون الدولي".
فيما ختم حديثه قائلاً: "في نظر القانون الدولي لا يمكن اعتبار أن هناك محاكمة بالمعنى القانوني، إنما مسرحية لإخفاء معالم الجريمة كما حدث في جثة خاشقجي".
اتفق معه مصطفى عزب، المدير الإقليمي للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، قائلاً، للأناضول: "تظل المحاكمة المتعلقة بمقتل خاشقجي تغلفها السرية المطلقة، جلساتها محجوبةٌ بشكل كلي عن الإعلام أو المحامين أو المنظمات الحقوقية، وتفاصيل إجراءات المحاكمة".
أضاف: "تطورات التحقيق ومواعيد عقد الجلسات كذلك مجهولة، حتى أسماء المتهمين وقيد ووصف التهم المسندة إليهم، كل تلك الأمور تتعامل معها السلطات السعودية كسِرٍّ حربي".
تابع: "في ظل واقع القضاء السعودي كل نتائج تلك المحاكمة محض تخمينات وتحليلات ناتجة عن تصريحات النظام السعودي، وهو أمر بالتأكيد لا يبشر بخير، ويبدو معه بشكل واضح سعي ذلك النظام إلى إطالة أمد القضية حتى تُنسى مع الوقت".
وهذه تفاصيل الاختفاء القضائي المثير مع اقتراب ذكرى عام على انعقاد أول جلسة بالرياض، وفق بيانات رسمية وتصريحات صحفية، على النحو التالي:
3 يناير 2019 (انطلاق بلا تفاصيل)
بعد 90 يوماً على وقوع الجريمة، عقدت المحكمة الجزائية بالرياض أولى جلسات محاكمة قتلة خاشقجي، وعددهم 11 شخصاً (لم تسمّهم) بحضور محاميهم، وطالبت النيابة بإعدام 5 منهم لم تسمّهم أيضاً، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية واس.
كانت النيابة في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أعلنت 17 بنداً رئيسياً بشأن القضية، من أبرزها طلب إعدام خمسة من بين 11 مشتبهاً به تم توجيه الاتهام لهم في القضية.
قالت آنذاك إن أسلوب الجريمة هو عراك وشجار وتقييد وحقن خاشقجي بإبرة مخدر بجرعة كبيرة أدت إلى وفاته، مشيرة إلى أن رئيس فريق التفاوض مع الصحفي الراحل هو الآمر بالقتل، من دون ذكر اسمه أيضاً.
أوضحت أن الجثة تمت تجزئتها من قبل المباشرين للقتل، ونقلها إلى خارج مبنى القنصلية، وتم تسليمها لمتعاون، دون ذكر مكانها.
في 5 ديسمبر/كانون الأول 2018، أصدر القضاء التركي مذكرة توقيف بحق النائب السابق لرئيس الاستخبارات السعودي أحمد عسيري، وسعود القحطاني المستشار السابق لولي العهد محمد بن سلمان، للاشتباه بضلوعهما في الجريمة، وطالب بتسليم باقي المتهمين.
4 يناير (انتقاد أممي)
مكتب حقوق الإنسان بالأمم المتحدة قال في بيان إنه لا يستطيع تقييم نزاهة محاكمة خاشقجي، مطالباً بإجراء تحقيق مستقل "بمشاركة دولية"، وهو مطلب تركي لوحت به أنقرة مراراً.
8 فبراير 2019 (جلسة ثانية بدون إعلام)
كشفت أغنيس كالامار، المقررة الأممية الخاصة لشؤون القتل خارج القضاء، في تصريحاتها لوكالة أسوشيتيد برس الأمريكية، عن عقد السعودية جلسة ثانية لمحاكمة قتلة خاشقجي، في 31 يناير/كانون الثاني 2018، بعيداً عن الإعلام.
28 مارس 2019 (خلف الأبواب المغلقة)
دعت كالامار، في بيان، إلى محاكمة علنية لقتلة خاشقجي، مشيرة إلى أن نظيرتها الحالية "خلف الأبواب المغلقة" لا تنسجم مع المعايير الدولية و "غير شفافة"، مطالبة أيضاً بالكشف عن مصير جثة خاشقجي.
21 يونيو 2019 (إفلات متهمين)
بعد صمت 4 أشهر، وثق تقرير أممي أعدته كالامار وخرج للنور، عدم محاكمة السلطات السعودية لسعود القحطاني المتهم الرئيسي في ارتكاب الجريمة.
قالت إنها استندت إلى مصادر للحصول على أسماء المتهمين وهم: "فهد شبيب البلوي، وليد عبد الله الشهري، تركي مشرف الشهري، ماهر عبدالعزيز مطرب، صلاح محمد الطبيقي، منصور عثمان أبا حسين، محمد سعد الزهراني، مصطفى محمد المدني، سيف سعد القحطاني، أحمد عسيري، مفلح شايع المصلح".
اللافت أيضاً أن السلطات السعودية لا تحاكم في الرياض القنصل العام السابق محمد العتيبي، المتورّط في تخطيط وتنفيذ الجريمة، والذي أجرى تحضيرات من أجل فريق الاغتيال الذي جاء من الرياض قبيل العملية، ونفى أمام وسائل الإعلام وجود خاشقجي في القنصلية.
وفقاً للتقرير الأممي، فإن السلطات السعودية لم تحاكم أيضاً كلاً من المشاركين في فريق الاغتيال المكون من 15 شخصاً وهم: "نايف حسن العريفي، عبدالعزيز محمد الهوساوي، خالد عايض الطيبي، مشعل سعد البستاني، غالب الحربي، بدر لافي العتيبي".
آنذاك، انتقدت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية (شبه الرسمية) التقرير مؤكدة أنه "غير محايد وفاقد للمصداقية ومحاولة للتقليل من الجهود التي قامت بها السلطات".
أضافت أن "محاكمات المتهمين في هذه القضية جارية وسينالون عقابهم، وأنها حريصة على حضور هذه المحاكمات كما أن هناك ممثلين دبلوماسيين من سفارات بعض الدول يحضرون هذه الجلسات"، دون أن تذكر ماذا حدث.
30 سبتمبر 2019 (تمسك بالعدالة)
قال صلاح نجل خاشقجي عبر توتير إنه لديه "مطلق الثقة بقضاء السعودية في تحقيق العدالة كاملة في مرتكبي جريمة" مقتل والده.
3 أكتوبر 2019 (8 جلسات)
قالت صحيفة عكاظ السعودية، في الذكرى الأولى لمقتل خاشقجي، إنها علمت من مصادر موثوقة أن القضاء السعودي عقد حتى الآن 8 جلسات للنظر في القضية، حضرها ممثل لعائلة خاشقجي، وممثلون دوليون، دون تفاصيل أيضاً.
كما ذكرت صحيفة الرياض آنذاك أن "المحاكمة التي ما زالت منعقدة"، مشككة في الحملات التي تريد النيل من المملكة رغم توضيح كل جهودها في القضية.
30 أكتوبر 2019 (انتقاد أمريكي)
قال مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، خلال جلسة استماع للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، إنه تم إبلاغ السعوديين بأن هناك تقصيراً في العملية القضائية لمحاسبة المسؤولين عن مقتل خاشقجي، وفق إعلام.
كحال جثة خاشقجي التي تدور حولها تكهنات متباينة تارة بأنها تمت إذابتها أو إحراقها بعد تقطيعها، تمضي قضية خاشقجي أيضاً في غموض مشابه، وفق مراقبين، مقابل نفي سعودي متكرر يتحدث عن شفافية كبيرة واستقلال قضائي.