بدأ مجلس النواب الأمريكي مداولات اليوم الأربعاء قبل تصويت تاريخي على اتهام الرئيس دونالد ترامب بإساءة استغلال سلطاته وعرقلة عمل الكونجرس، الأمر الذي قد يجعله ثالث رئيس للولايات المتحدة يواجه المساءلة وربما العزل.
ومن المتوقع أن يشهد تصويت المجلس الذي يسيطر عليه الديمقراطيون استقطابا على أساس حزبي، مما يسلط الضوء على الانقسام العميق داخل الكونجرس بشأن تصرفات ترامب وعلى الخلاف السياسي الأكبر في البلاد.
وقد يصبح ترامب ثالث رئيس أمريكي يواجه المساءلة، وذلك في إجراء غير معتاد للتدقيق في سلطات الرئيس منصوص عليه في الدستور الأمريكي ولا يطبق سوى على المسؤولين التنفيذيين الذين يرتكبون "جرائم وجنحا خطيرة". ولم يُعزل أي رئيس بموجب ذلك الإجراء.
والتصويت المتوقع بعد ظهر أو مساء اليوم سيفضي إلى محاكمة ترامب الشهر المقبل أمام مجلس الشيوخ، وسيقوم خلالها أعضاء مجلس النواب بدور الادعاء. ويهيمن على مجلس الشيوخ الجمهوريون الذين لم يبدوا اهتماما يذكر بعزل الرئيس من منصبه.
لم أرتكب أي خطأ
وقال الرئيس الأمريكي إنه لم يرتكب "أي خطأ"، وذلك قبيل إجراء مجلس النواب تصويتاً على إجراءات عزله.
وكتب ترامب، في تغريدات نشرها على تويتر: "هل يمكنكم تصديق أنني سوف أُعزل اليوم على يد اليسار الراديكالي، والديمقراطيين عديمي الفائدة، في حين أنني لم أرتكب أي خطأ؟! يا له من أمر مؤسف!".
وأضاف: "اقرؤوا نصوص التسجيل (الخاصة بالمكالمة الهاتفية مع الرئيس الأوكراني). لا ينبغي أن يحدث هذا مع رئيسٍ آخَر ثانية. اتلوا صلاة!".
وتابع: "لقد أرادوا فقط النيل من الرئيس. لم تكن لديهم نية لإجراء تحقيق ملائم. لم يتمكنوا من اكتشاف أي جرائم؛ ولذلك ارتكبوا إساءة استخدام غامضة للسلطة وإساءة استخدام الكونغرس، وهو ما فعلته كل إدارة منذ البداية".
ويتهم ديمقراطيو مجلس النواب ترامب باستغلال سلطاته بمطالبة أوكرانيا بالتحقيق مع جو بايدن النائب السابق للرئيس والأوفر حظا لنيل ترشيح الديمقراطيين في انتخابات الرئاسة عام 2020. ويواجه ترامب كذلك اتهاما بعرقلة تحقيق الكونجرس في تلك المسألة.
وألمح الجمهوريون اليوم إلى أنهم يعتزمون فعل ما في وسعهم لوقف إجراءات المساءلة.
ويؤكد ترامب أنه لم يرتكب أي مخالفة ووصف العملية برمتها أمس الثلاثاء بأنها "زيف كامل". وأرسل خطابا لرئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي اتهمها فيه بالانخراط في عملية "انحراف عن العدالة".
واستنكر الرئيس التحقيق قائلا إنه "محاولة انقلاب" ودفع بأن الديمقراطيين يحاولون تغيير نتائج انتخابات الرئاسة عام 2016 التي هزم فيها الديمقراطية هيلاري كلينتون.
وكتب ترامب على تويتر صباح اليوم الأربعاء يقول "هل تصدقون أن اليسار المتطرف سيقوم بمساءلتي اليوم، لا تفعلوا شيئا أيها الديمقراطيون، وأنا لم أرتكب أي مخالفة! أمر مروع".
ومع سعي ترامب لفترة ولاية ثانية العام المقبل، قسم تحقيق المساءلة الرأي العام، فأيد أغلب الناخبين الديمقراطيين الإجراء وعارضه الجمهوريون.
وما لم يتضح بعد هو ما إذا كان لهذا الخلاف الحزبي القائم منذ شهور أثر على انتخابات 2020 باستثناء إعطاء ترامب مبررا للتفاخر بأنه تصدى لجهود الديمقراطيين لعزله.
ويقول الجمهوريون إن التصويت بنعم على المساءلة قد يكلف بعض المعتدلين من الديمقراطيين بمجلس النواب مقاعدهم في انتخابات الكونجرس العام المقبل. غير أن العديد من الديمقراطيين الذين يمثلون مناطق أيدت ترامب في انتخابات 2016 قالوا في الأيام الأخيرة إنهم سيصوتون بالتأييد لمساءلته.
الرئيس استغل سلطاته
أرسلت بيلوسي، أمس الثلاثاء عشية التصويت، خطابا للأعضاء الديمقراطيين في مجلس النواب حثتهم فيه على الالتزام بمعايير الدستور.
كتبت تقول "من المحزن للغاية أن الحقائق أوضحت أن الرئيس استغل سلطاته لمصلحة شخصية واستفادة سياسية وأنه عطل الكونجرس مطالبا بأن يكون فوق المحاسبة وفوق الدستور وفوق الشعب الأمريكي".
وخوفا من انتكاسة سياسية، قاوم الديمقراطيون لفترة طويلة تحقيق المساءلة حتى بعد أن حدد المحقق الخاص روبرت مولر عدة حالات عرقل فيها ترامب سير العدالة في تقريره بشأن التدخل الروسي في انتخابات عام 2016.
لكن بعد تسريب ألقى الضوء على اتصال هاتفي في يوليو تموز ضغط فيه ترامب على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للتحقيق مع بايدن، تحرك النواب الديمقراطيون بسرعة لسماع شهادات من مسؤولين سابقين وحاليين بالإدارة.
ويتهم الديمقراطيون ترامب بتجميد مساعدات أمنية حجمها نحو 400 مليون دولار لأوكرانيا وعرض على زيلينسكي عقد اجتماع في البيت الأبيض لحمله على أن يعلن التحقيق مع بايدن وابنه هنتر الذي كان عضوا في مجلس إدارة شركة غاز أوكرانية.
الاتهامان: اتصال أوكرانيا وعرقلة الكونغرس
ويتعلق الاتهام الأول الذي سيواجهه ترامب خلال المساءلة بتعاملاته مع أوكرانيا. ويتصل الثاني بعرقلته عمل الكونجرس عبر توجيه مسؤولي الإدارة ووكالاتها ألا يستجيبوا لأوامر استدعاء من مجلس النواب للشهادة ووثائق متصلة بالمساءلة.
ولم يحدد مجلس الشيوخ بعد إجراءاته للمحاكمة التي سيشرف عليها رئيس المحكمة العليا جون روبرتس.
ورفض زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ ميتش مكونيل مقترحات الديمقراطيين لاستدعاء المزيد من المسؤولين بالإدارة للشهادة وقال إنه "ليس هناك فرصة" لعزل ترامب.
وأمس الثلاثاء قال مكونيل في مجلس الشيوخ إن على أعضاء المجلس القيام بدور القاضي والمحلفين في المحاكمة لكنه قال للصحفيين في وقت لاحق إنه لن يكون "محلفا محايدا".
وقال "هذه عملية سياسية. لا تتعلق بالقضاء". وتابع "المساءلة قرار سياسي".ويتطلب عزل ترامب من منصبه موافقة أغلبية الثلثين من الحضور والتصويت في المجلس الذي يضم مئة عضو مما يعني انه يتعين على الديمقراطيين إقناع 20 جمهوريا على الأقل بالانضمام إليهم لإنهاء رئاسة ترامب.