كان كل شيء في بلادنا يسير هادئاً قبل تلك الليلة وذلك الاجتماع الذي هزَّ موريتانيا بربوعها، فلم يكن أقل المتشائمين يتوقع أن يظهر الرئيس المنتهية ولايته وبعد أشهر قليلة من تسليم السلطة وإعلانه عدم الترشح لولاية ثالثة، بل الوقوف إلى جانب رفيقه الجنرال الرئيس حالياً محمد ولد الغزواني.
فجأة وفي ساعة من ليل، ظهر الرجل أحد قادة انقلاب 2005 الشهير وقائد انقلاب 2009 الأشهر الذي دُبِّر بليل، والرجل الذي حكم موريتانيا أحد عشر عاماً، وخرج مُكرهاً أو عن طيب نفس أو لحاجة في نفسه، فلم يعد أحد يعرف ماذا يريد الرجل من موريتانيا.
خرج الجنرال عزيز بعد ثلاثة أشهر من تسليم السلطة وقد دخلت البلاد في حقبة جديدة يترأسها وزير الدفاع السابق ورفيقه الغزواني.. خرج منقلباً متنكراً محاولة استعادة نفسه ورئاسته، واجتمع بقادة حزب الأغلبية الذين كان يترأسهم ذات يوم، مدعياً أن له الحق في تزعُّم الحزب الحاكم، وأن الرئيس الحالي لا حق له في رئاسة الحزب؛ وهو ما تسبب في انقسام داخل الحزب وبلبلة خارجه وصلت إلى الشارع.
فلم يعد هنالك حديث في الشارع الموريتاني إلا عن صراع الجنرالين، وأصدقاء الأمس خصوم اليوم وشركاء الدبابة والانقلاب.
صراع تأكَّد بعد خروج بيان الرئيس الحالي، مؤكِّداً أنه المرجعية الأولى للحزب الحاكم، ليردَّ السابق متعهداً بالتصدي للرئيس الحالي المنتخب شعبياً.
وهو ما يعني أن هناك أموراً حدثت تحت الطاولة قبل مغادرة الجنرال عزيز للحكم.
أولها أن الرجل أُرغم على الخروج من الحكم، وقد كان في نيته الترشح لمأمورية ثالثة وتعديل الدستور، وقد منعه الجنرالات المتحكمون من ذلك.
أما ثاني الاحتمالات فهو صفقة بين الرجلين لم يفِ أحدهما بها، وهي تعني إعادة صناعة عزيز كما حدث في روسيا بين ميدفيدف وبوتين حين شغل الأخير صفة المحلل الثاني.
أما ثالث الاحتمالات فهو الندم على ترك الحكم، ومحاولة الانقلاب التي تبدو مطروحة، خاصةً بعد إقالة قائد الحرس الرئاسي في ليلة الاحتفال بالعيد الوطني، وهو رجل معروف بولائه للرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز الذي صنع مملكة داخل الجيش الموريتاني طوال أحد عشر عاماً، وهو ما يجعل مهمة الرئيس الحالي خطيرة للغاية إذا لم يتخلص من شبح صديقه الذي يطارده.
الاحتمال الرابع هو وجود بعض الأطراف الدولية، خاصةً العربية التي تعشق الانقلابات ولا يسرُّها أي تداول سلمي للسلطة، تدعم الرجل وقد طلبت منه الظهور في هذه الفترة تحديداً وخلط الأمور، حتى تجبر الرئيس الحالي على الخضوع لها.
وبين كل الاحتمالات ومدى قابليتها وواقعيتها، تبدو الأمور محسومة في مصلحة الرئيس الغزواني صاحب الأشهر الثلاثة في الحكم.
فالرجل عسكري وقائد أركان سابق ووزير دفاع ولديه عقود في الجيش، فضلاً عن وقوف أغلبية النواب معه والظهير الشعبي الكبير له.
أضف إلى ذلك غضب الأطراف الدولية الفاعلة في موريتانيا -وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية- على الرئيس السابق الجنرال عزيز، وهو ما أكده الرئيس التشادي، الذي صرح بأن تلك الدول منعت الجنرال عزيز من أن يكون مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا خلفاً لغسان سلامة، وهو ما يعني أنها ستميل إلى دعم رفيق الأمس والرئيس الحالي الجنرال الغزواني.
وبين هذا وذاك، يبقى الشارع الموريتاني في انتظار ما ستسفر عنه الأيام القادمة، من صراع الجنرالات أو صراع المحمدين الصديقين، في بلاد اعتادت الدبابة والمدافع أكثر من اعتيادها الصندوق والاقتراع.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.