عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس الأحد 27 أكتوبر/تشرين الأول 2019، أن العملية التي نفذتها قوات خاصة أمريكية في شمال سوريا أسفرت عن مصرع أبوبكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ذكر أمرين قد يكونان مُتناقضين.
الأمر الأول هو أنَّ البغدادي حُوصِرَ داخل نفقٍ بواسطة القوات الأمريكية، قبل أن يُفجِّر سترةً انتحارية، لدرجة أنَّ "جسده تشوَّه إثر الانفجار".
والأمر الثاني هو أنَّ "نتائج الاختبارات التي أُجرِيَت خرجت لتُؤكِّد فوراً وبالكامل صحة هويته. لقد كان هو"، على حد تعبير ترامب.
تكنولوجيا متطورة لكشف الحمض النووي
ولم يُوفِّر ترامب أيَّ تفاصيل حول كيفية تأكيد صحة هويته، لكن النتائج السريعة في أعقاب مقتل البغدادي تُشير إلى أنَّ قوات العمليات الخاصة الأمريكية استغلَّت تكنولوجيا اختبارات الحمض النووي، والتي تطوَّرت تطوُّراً كبيراً خلال السنوات الأخيرة، وفقاً لما ذكرته صحيفة The New York Times. د
وقالت الصحيفة إن أحدث آلات اختبار الحمض النووي المُستخدمة الآن بواسطة بعض الدول والحكومات المحلية تستطيع تأكيد صحة هوية الشخص خلال 90 دقيقة، وفقاً لديفيد إتش كاي، أستاذ كلية الحقوق بجامعة ولاية بنسلفانيا.
لكن القوات الخاصة العسكرية تبني استنتاجاتها على عوامل أخرى أيضاً، مثل الذكاء البشري وملامح الوجه – إن أمكن.
ويُشير الجدول الزمني المعروف للأحداث إلى أنَّ تحديد الهوية الأوَّلي للبغدادي جاء مباشرةً تقريباً، لكن التأكِّيد الصارم على أنه هو استغرق بضع ساعاتٍ إضافية على الأرجح.
وأمس الأحد، قال ترامب إنَّ المسؤولين اجتمعوا داخل البيت الأبيض لمشاهدة عملية مُداهمة مقر البغدادي شمال سوريا، بواسطة قوة دلتا العسكرية الخاصة، في قرابة الساعة الخامسة من مساء السبت بتوقيت واشنطن.
وأضاف أنَّ القوات الأمريكية أمضت قرابة الساعتين داخل المُجمَّع السكني الذي كان يقطنه البغدادي في شمال غرب سوريا.
وبحلول الساعة 9:23 من مساء السبت، كان ترامب واثقاً في نتيجة العملية، لدرجة أنَّه لمَّح إلى موت البغدادي بتغريدةٍ قال فيها: "حدث أمرٌ كبير للتو".
لكنَّ المسؤولين الأمريكيين لم يُؤكِّدوا مقتل زعيم داعش للمراسلين قبل مرور بضع ساعات على العملية، وأعلن ترامب الخبر للعالم من البيت الأبيض يوم الأحد بعد التاسعة صباحاً بدقائق.
طرق عدة لكشف الهوية
وتتضمَّن مهمة قوة دلتا عادةً، التي تستهدف الأهداف عالية القيمة مثل البغدادي، أفراداً يتمتَّعون بخبراتٍ مُتخصِّصة، تتراوح بين جمع الاستخبارات وتفكيك القنابل.
وخضع بعضهم لتدريباتٍ على معرفة الحمض النووي، وهم مسؤولون عن المساعدة في التعرُّف إلى الأهداف التي أُسِرَت وقُتِلَت، بحسب مسؤولين أمريكيين مُطَّلعين على العملية، تحدثوا لصحيفة The New York Times.
وحين قتل البغدادي نفسه بسترةٍ ناسفة؛ وقعت المهمة على عاتق تلك القوة على الأرجح لتحديد ما إذا كان القتيل هو الرجل الذي كانوا يستهدفونه فعلاً، ويُمكن أن يُمثِّل الأمر تحدِّياً مُخيفاً، خاصةً حين يُفجِّر الشخص المعني نفسه بسترةٍ ناسفة.
وأوضح خبراء مُكافحة الإرهاب أنَّ القنابل الانتحارية تترك رأس الإرهابي على حاله عادةً، مما يعني أنَّ الأمريكيين في الموقع تمكَّنوا من رؤية وجهه على الأرجح، والذي كان يظهر بوضوحٍ في الصور ومقاطع الفيديو الخاصة بداعش في الماضي.
ومن أجل المزيد من النتائج الفنية، ربما يكون من الممكن تأكِّيد الهوية بواسطة بصمات الأصابع الخاصة بشخصٍ مات ميتةً عنيفة، أو محاولة مسح عينيه إن كانت لا تزال على حالها.
لكن الأجهزة التي يعتمد عليها المُشغلون الخاصون في موقع الحدث لجمع وتحليل هذه البيانات؛ لا يُمكن الاعتماد عليها أحياناً، وقد تتطلَّب أن يكون الهدف إنساناً على قيد الحياة، وله نبضٌ من أجل تقديم نتائج دقيقة.
ويجمع أعضاء الفريق أيضاً عينات من الحمض النووي، في صورة أجزاء من الجسم أو دم، ويُذكر أنه على مدى العامين أو الثلاثة أعوام الماضية، أدت التطورات في تكنولوجيا الحمض النووي إلى إنتاج أجهزة حمض نووي محمولة سريعة يمكنها توفير نتائج آلية دقيقة في أقل من 90 دقيقة.
وكل من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي استثمرا في هذه الأجهزة بالفعل، بحسب الصحيفة الأمريكية.
مستودع بيانات
وأجهزة الحمض النووي السريعة يمكن أن تكون في حجم الميكروويف، ويمكن وضعها بسهولة في مروحية عسكرية، ومن غير المعروف ما إذا كانت القوات التي شنَّت غارة يوم السبت ضد موقع البغدادي تملك أحد هذه الأجهزة في متناول اليد أم لا.
إلا أن أحد المسؤولين قال إن القوات الخاصة لم تتبع هذه الممارسة إلى الآن، ومن الجائز أن العينات نُقلت إلى منشأة عسكرية في مكان آخر لإجراء اختبار الحمض النووي.
وإذا كانت نتائج اختبار الحمض النووي مطابقة إيجابياً، كما هو محتمل، فإن أحد الأسئلة الرئيسية هو ما هي العينة التي استخدمها الجيش لتأكيد المطابقة؟
إذ يعتمد تحديد هوية أحدهم عن طريق الحمض النووي، في معظم الأحيان، على مطابقة عينة بأخرى معروف أنها تنتمي للشخص نفسه.
ومن المحتمل أن الولايات المتحدة أخذت عينات من الحمض النووي للبغدادي واحتفظت بها حين كان معتقلاً في مركز اعتقال تديره الولايات المتحدة في العراق في منتصف الألفينات.
وقالت كارا فريدريك، الباحثة في مركز الأمن الأمريكي الجديد التي عملت محللة للمعلومات الاستخباراتية في العمليات الخاصة: "لديهم بالفعل مستودع للبيانات".
تحليل المعلومات الاستخباراتية
لكن بعض المسؤولين قالوا إنه بالنظر إلى وضع التكنولوجيا سابقاً في ذلك الوقت، فمن المحتمل أن الجيش لم يكن يحتفظ بأكثر من بيانات الاستدلال الحيوي مثل بصمات الأصابع وصور الوجه إلا قليلاً.
ويمكن أيضاً إجراء مطابقات الحمض النووي عبر مقارنة عينة الشخص بعينة من أحد أقاربه الأقربين.
وأشارت الباحثة كارا إلى أن القوات الخاصة ستضيف إلى البيانات التجريبية من بيانات الاستدلال الحيوي والحمض النووي مصادر أخرى للمعلومات، مثل المقابلات مع الناجين من الغارة.
وكان ترامب قد قال إن القوات الأمريكية احتجزت 11 طفلاً عُثر عليهم في الموقع.
وسوف يدرس تحليل المعلومات الاستخبارية أيضاً أدلة أخرى من الموقع، مثل أي أقراص صلبة وهواتف محمولة قد تشير إلى هوية شاغلي المكان.
وقالت كارا، التي خدمت سابقاً في أفغانستان: "الخلاصة في هذا الأمر هي أنك تحتاج إلى مزيج من المعلومات للحصول على التأكيد. الحمض النووي أو القياسات الحيوية ليسا العامل المُحدِّد الوحيد".
أما ديفيد كاي، أستاذ كلية الحقوق بجامعة ولاية بنسلفانيا، فقال إنه "لا يوجد ما يثير الدهشة حول سرعة تحديد هوية البغدادي. وحتى إذا كانت القوات الأمريكية في المنطقة لا تملك أحدث أدوات الحمض النووي المحمولة، فإن فحوص الحمض النووي المختبرية القديمة تستغرق الآن حوالي ثماني ساعات فقط لإنتاج عينة موثوق بها".
وأضاف: "بيت القصيد هو أنها صحيحة على الأرجح".