بدأ عشرات المتظاهرين العراقيين بالتوافد، مساء الخميس 24 أكتوبر/تشرين الأول 2019، على ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد؛ استعداداً لاستئناف احتجاجاتهم المناهضة للحكومة.
وقال محتجٌّ عرَّف عن نفسه باسم سمير جعفر، لـ "الأناضول"، إن المتظاهرين بدأوا بالتوافد على الساحة، تمهيداً لاستئناف الاحتجاجات العارمة ضد الحكومة بدءاً من الجمعة 25 أكتوبر/تشرين الأول.
المتظاهرون يبيتون في ساحة التحرير ببغداد
وأضاف أن "المتظاهرين ينوون المبيت في الساحة لغاية الجمعة".
ولفت المحتجُّ إلى أن غالبية المتظاهرين سيدعون إلى إقالة الحكومة وإصلاح النظام السياسي في البلد، تمهيداً لمحاربة الفساد وتحسين الخدمات العامة.
وتابع أن الاحتجاجات ستخرج في بغداد، ومحافظات وسط البلاد وجنوبها، الجمعة.
ووفق مراسل الأناضول، رفع المتظاهرون العَلم العراقي، في حين كانت أضواء سيارات الأمن تضيء بمحيط الساحة، كما انتشرت قوات الأمن بكثافة في أرجاء العاصمة.
وقال ضابط برتبة ملازم أول لـ "الأناضول"، طلب عدم ذكر اسمه، إن قوات الأمن تلقت أوامر صارمة بعدم استخدام العنف ضد المتظاهرين.
وأضاف أنه في الوقت نفسه ستحول قوات الأمن دون وقوع أي أضرار على الأموال العامة أو الخاصة.
وفي وقت سابق من الخميس، قالت الحكومة العراقية إن قواتها ستحمي التظاهرات، وتتعامل معها وفق القوانين النافذة التي تتيح حرية التعبير، إلا أنها أشارت إلى عدم السماح بحرف الاحتجاجات عن مسارها السلمي.
من أجل حشد مزيد من الضغط على حكومة عبدالمهدي
ويعتقد مراقبون أن احتجاجات الجمعة ستشكل ضغوطاً متزايدة على حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، وقد تؤدي في النهاية إلى الإطاحة بها.
وساد استياء واسع في البلاد إثر تعامل الحكومة العنيف مع الاحتجاجات المندلعة مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، واستمرت أسبوعاً.
وبدأت الاحتجاجات في بغداد، للمطالبة بتحسين الخدمات وتوفير فرص عمل ومحاربة الفساد، قبل أن تمتد إلى محافظات جنوبية ذات أكثرية شيعية، وتستمر أسبوعاً.
ولاحقاً، رفع المتظاهرون سقف مطالبهم، ودعوا إلى استقالة الحكومة، إثر لجوء قوات الأمن إلى العنف، في حين أصدرت الحكومة حزمة قرارات إصلاحية؛ في مسعى لتهدئة المحتجين وتلبية مطالبهم، بينها منح رواتب للعاطلين عن العمل والأسر الفقيرة، وتوفير فرص عمل إضافية ومحاربة الفساد وغيرها.
ووفق تقرير حكومي، فإن 149 محتجاً و8 من أفراد الأمن قُتلوا خلال الاحتجاجات، التي استخدمت فيها القوات الحكومية العنف المفرط والرصاص الحي ضد المتظاهرين.
ويعتبر العراق من بين أكثر دول العالم فساداً على مدى السنوات الماضية، حسب مؤشر منظمة الشفافية الدولية.
وقوَّض الفساد المالي والإداري مؤسسات الدولة العراقية، التي لا يزال سكانها يشكون من نقص الخدمات العامة من قبيل خدمات الكهرباء والصحة والتعليم وغيرها، رغم أن البلد يتلقى عشرات مليارات الدولارات سنوياً من بيع النفط.
وهو ما دفع العراقيين إلى تخزين المؤونة
وعشية التظاهرات المرتقبة في بغداد الجمعة، يتهافت العراقيون الذين شهدوا أسبوعاً دامياً من الاحتجاجات بداية أكتوبر/تشرين الأول، إلى المتاجر ومحطات الوقود، للاستعداد "لما يمكن أن يحدث".
ومع تزايد الدعوات إلى التظاهر يوم غدٍ الجمعة، يقول العسكري المتقاعد أبو حامد (61 عاماً)، لوكالة الأنباء الفرنسية، إن "لدى الناس تجربة فيما يحدث، ولهذا تراهم يتسوقون ويخزنون؛ تحسباً لما يمكن أن يحدث".
ويضيف الرجل صاحب الشاربين الكَثّين، إن "الناس متخوفون من أن تُقطع الطرقات ويُقطع الإنترنت والتواصل، فلذلك تراهم متخبطين".
وبالفعل، في بعض الأحياء، أسدلت المتاجر ذات الرفوف الفارغة ستائرها. وفي أماكن أخرى، أفرغ الصرافون خزناتهم.
يقول أحدهم طالباً عدم كشف هويته: "لقد قمنا حتى بفتح الخزنات، وتركنا الأبواب مفتوحة، وهكذا، في حال تطورت الأمور، فسيرى الناهبون أن كل شيء فارغ ولن يحطموا كل شيء".
وفي انتظار الساعة الصفر لشد الحبال بين الشارع وحكومة عادل عبدالمهدي، قرر رسول، وهو سائق سيارة أجرة ثلاثيني، تجنُّب الفوضى والازدحام بتحضيرات مسبقة.
يقول رسول لـ "فرانس برس": "بالأمس وقفنا ثلاث ساعات في طابور من أجل عبوة غاز"، والتي تضاعف سعرها خلال التظاهرات الأولى في بعض أحياء بغداد.
أما عبير، مُدرسة اللغة العربية التي تسكن حي المنصور الراقي فبوسط العاصمة العراقية، فانتظرت في سيارتها "ساعة ونصف الساعة، لتعبئة الوقود الأربعاء".
وأشار عديد من السكان إلى أن بعض محطات الوقود أقفلت أبوابها في أحياء عدة من بغداد.
خوفاً من أن تطول فترة الاحتجاجات
يوضح رسول أن "الكل يقول إنه سيخزن ما يكفيه مدة أسبوع؛ تحسباً لأي طارئ".
وبالفعل، فقد بدأت الأسعار بالارتفاع في أنحاء عدة. فارتفع سعر كيلوغرام الطماطم في بعض المتاجر من 1500 إلى 2500 دينار (نحو دولارين)، بحسب ما لاحظه مراسلون من وكالة فرانس برس.
وتتصاعد منذ أيام عدة، الدعوات إلى التظاهر الجمعة، في الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول، الذي يصادف الذكرى السنوية الأولى لتولي حكومة عبدالمهدي مهامها، وانتهاء مهلة الأسبوعين التي منحتها المرجعية الدينية الشيعية الأعلى في البلاد للسلطات، للاستجابة لمطالب المحتجين.
موضوع التظاهرات على لسان الجميع في شوارع العاصمة اليوم، والخوف من الفوضى والعنف الذي شهدته التظاهرات الأولى يسيطر على أذهان الجميع.
ويشير خبراء إلى أن عدم اعتماد إصلاحات جذرية يطالب بها العراقيون بعد أربعة عقود من الحرب، في بلد يحتل المرتبة الـ12 بلائحة البلدان الأكثر فساداً في العالم- ليس إلا تأجيلاً للمشكلة.
ولكن بعد التموُّن وشراء الضروريات وملء السيارات بالوقود، تتساءل عبير عما سيحدث. وتقول لوكالة الأنباء الفرنسية: "هناك نوع من الارتباك والخوف من يوم غد، ولكن لا نعرف لماذا".