في تحليل غير مسبوق لأكثر من 400 قضية فساد وغسيل أموال، كُشِفَت عادات إنفاق مئات الملايين من الدولارات للفاسدين من فاحشي الثراء العالميين، بما في ذلك 421 منزلاً فخماً، وثلاثة يخوت فارهة، وسبع طائرات خاصة، بالإضافة إلى رسوم المدارس الخاصة النخبوية، بل وحتى الحوامات.
بحسب ما نقلته صحيفة The Guardian البريطانية، الخميس 24 أكتوبر/تشرين الأول 2019، خلص بحثٌ أجرته منظمة الشفافية الدولية، وهي منظمة معنية بمكافحة الفساد، إلى أن أكثر من 300 مليار جنيه إسترليني (386.75 مليار دولار) من الأموال المشكوك فيها تدفَّقت من خلال بنوك المملكة المتحدة، والمؤسسات القانونية والمحاسبين، قبل أن تُنفَق على خاتم ماسي من شركة كارتييه بقيمة مليون جنيه إسترليني (1.29 مليون دولار)، وقطعة فنية نادرة من شركة سوذبي، وسترة من جلد التمساح بـ500 جنيه إسترليني من تصميم توم فورد، ومعها حقيبة مطابقة من جلد التمساح أيضاً من ماركة هارودز.
ووُجد أيضاً أن الأموال المشتبه فيها -والتي تأتي عادةً من اختلاس المسؤولين الفاسدين مئات الملايين من خزائن الدول الفقيرة- أُنفِقَت على سيارة نوع بنتلي بنتايغا، بـ200 ألف جنيه إسترليني، يقودها ابن رئيس وزراء مولدوفا السابق، الذي يبلغ 22 عاماً. أما والده، فلاد فيلات، فهو محكوم عليه بالسحن تسع سنوات لدوره في "سرقة البلاد".
تسهيلات بريطانية لاستقبال أموال المسؤولين الفاسدين
وفي تحليلاتها الجنائية لأكثر من 400 قضية رشوة وفساد وغسيل أموال عالمية في 116 دولة، وجدت منظمة الشفافية العالمية في تقريرها At Your Service، أنَّ 582 مؤسسة وأفراداً في المملكة المتحدة ساعدوا الأثرياء في إحضار أموال مشتبه فيها إلى البلاد.
ودُفِعَ هذا المال من خلال أكثر من 17 ألف شركة وهمية، منها 1455 شركة سُجِّلَت في مكتب واحد، يقع فوق حانة للنبيذ في برمنغهام.
يقول دانكن هاميس، مدير السياسة في منظمة الشفافية الدولية في المملكة المتحدة: "لطالما عرفنا أن الخدمات ذات المستوى العالمي المُقدَّمة في المملكة المتحدة تجذب مجموعة متنوعة من العملاء، منهم ذوو الأموال، والماضي الذي ينبغي إخفاؤه".
ويضيف: "أما الآن، وللمرة الأولى، فقد سلَّطنا الضوء على تلك الشركات، وكيف تورَّطت في بعض أكبر فضائح الفساد في وقتنا هذا. ومن شأن هذا أن يكون تنبيهاً للحكومة والجهات الرقابية، وأن يؤدي إلى تنفيذ إصلاحات الحاجة إليها ماسة لدفاعات المملكة المتحدة ضد الأموال الفاسدة".
التي يستثمرونها في مجالات متنوعة
كشفت إحدى القضايا أن شركةً وهمية تسمى Airship Universal استُخدِمَت لشراء مقصورة خاصة في ملعب نادي تشيلسي؛ ستامفورد بريدج، بقيمة 126 ألف جنيه إسترليني (162.44 ألف دولار). وفي قضيةٍ أخرى، دُفِعَ مبلغٌ قدره 34,827 جنيهاً إسترلينياً (44898.10 دولار) لشركة حوامات منتهية الآن في بلدة كِنت.
وخُصِّصَت حوالي 3 ملايين جنيه إسترليني (3.86 مليون دولار) إلى المدارس الخاصة، مثل مدرسة شارتر هاوس وكليتي هارو ولانسنغ. وفي عام 2010 وحده، تلقت مدرسة شارتر هاوس في مقاطعة سري، التي تصف نفسها بأنها "إحدى أكبر المدارس التاريخية في إنجلترا" تمويلاً قدره 300 ألف جنيه إسترليني (386.75 ألف دولار)، مرتبط بمخطط Troika Laundromat، لنقل 3.5 مليار جنيه إسترليني (4.51 مليار دولار) من روسيا، وفقاً لما جاء في التقرير.
ودُفِعَت للجامعات البريطانية، بما فيها كلية لندن للاقتصاد وجامعة يورك وجامعة سانت أندروز وكلية لندن الجامعية، أكثر من 500 ألف جنيه إسترليني (644.59 ألف دولار). وجاءت هذه الأموال كلها من شركات وهمية ذات حسابات بنكية في مؤسسات أُغلِقَت منذ حينها، بسبب سوء الإدارة وإخفاقات في غسيل الأموال، كما ورد في التقرير أيضاً.
لفائدة أبناء رؤساء دول ومسؤولين حكوميين من دول فقيرة
وفي مطلع هذا العام، استحوذت الوكالة الوطنية للجريمة على 25 ألف جنيه إسترليني مشتبه فيها، من ابنة أخت الرئيس السوري بشار الأسد، التي تدرس التصميم في جامعة لندن للفنون.
وهناك عدد من أفراد عائلتها يخضعون للعقوبات الدولية. تعيش أنيسة شوكت، ووالدتها هي أخت بشار الأسد، ووالدها رئيس المخابرات العسكرية السورية، في شقة مستأجرة بـ60 ألف جنيه إسترليني سنوياً في منطقة نايتسبريدج.
وفي قضية أخرى، كان فلاد لوكا فيلات، ابن رئيس وزراء مولدوفا السابق، فلاد فيلات، يدرس إدارة الأعمال في جامعة سيتي بلندن.
ووجد تحقيق الوكالة الوطنية للجريمة أن نمط الحياة المفرط للابن، والذي شمل شقة بألف جنيه إسترليني (1289.17 دولاراً) يومياً في تشيلسي بانتهاوس، والسيارة البنتلي بنتايغا ذات الـ200 ألف جنيه إسترليني (257.83 ألف دولار)، تمولها ودائع ضخمة من شركات عبر البحر، منها شركات في جزر الكايمان وتركيا.
دُفعت مبالغ نقدية كبيرة إلى ثلاثة حسابات في بنك HSBC، وكان من بينها 98 ألف جنيه إسترليني (126.34 دولار) في ثلاثة أيام متتالية. وأظهرت صور على فيسبوك، الشاب البالغ 22 عاماً، يشرب الشمبانيا الفخمة نوع Dom Pérignon في حفلات شاطئية في سان تروبيز.
بما في ذلك "شراء" مقاعد في أرقى الجامعات
وبالنسبة إلى الأبناء الذين لم يكونوا بالذكاء الكافي للحاق بأعلى الكليات والجامعات وفقاً للاستحقاق الأكاديمي، وجد الباحثون تدفق ما يزيد عن 300 ألف جنيه إسترليني (386.75 ألف دولار) إلى "مستشارين تعليميين للمساعدة في تأمين أماكن في أرقى المعاهد".
دُفِعَت رسوم كبيرة إلى المستشارين التعليميين من أموال لها علاقة بمخطط Troika Laundromat، الذي يساعد الآباء على تأمين أماكن لأولادهم في أرقى المدارس الخاصة.
قال دانيال بروس، الرئيس التنفيذي لمنظمة الشفافية الدولية بالمملكة المتحدة: "حققت الحكومة ووكالات إنفاذ القانون تقدماً حقيقياً في الأعوام الأخيرة، في خفض أماكن اختباء الأفراد الفاسدين، إلا أن نتائجنا تؤكد أنه لا يزال يسهل تماماً على المجرمين والفاسدين السعي إلى الإفلات من العقاب، بمساعدة شركات الولايات المتحدة".
وأضاف: "وعلى الرغم من تفاني العديد من الموظفين المحترفين في الحرب ضد الفساد، لا يزال هناك الكثير من الممارسات غير السليمة التي تمنعنا من افتراض أن السلوكيات السيئة مقتصرة على بعض القلة الفاسدة. وينبغي على الحكومات والشركات تكثيف مجهوداتهما المضاعفة، من خلال الموارد والإرادة، لصدّ يد العون لهؤلاء الذين أساؤوا استغلال مناصب السلطة وسرقوا من شعوبهم".