يحاول نشطاء اليمين السياسي الأمريكي سنّ قوانين جديدة في الولايات الأمريكية الخاضعة للأغلبية الجمهورية، من شأنها أن تحظر توجيه النقد إلى إسرائيل واحتلالها الأراضي الفلسطينية في أي حرمٍ جامعي عام.
وقالت صحيفة The Guardian البريطانية، إن جماعات الضغط السياسي المحافظة والموالية لإسرائيل تحثُّ المشرِّعين في تلك الولايات على حظر الخطاب المعادي للسامية في كل مراحل التعليم العام، بدءاً من مرحلة الحضانة وحتى جامعات الدراسات العليا.
لكنَّ التعريف المُقترَح للخطاب المعادي للسامية شموليٌّ لدرجة أنَّ القانون الجديد، بالإضافة إلى احتياطات الحماية ضد الخطاب المشجِّع على كراهية اليهود، سوف يحرّم أيضاً أي نقاشٍ عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية.
منع انتقاد إسرائيل يُهدد حرية الرأي في الجامعات الأمريكية
يرى المدافعون عن التعديل الدستوري الأوَّل، الخاصّ بِحرية الرأي، في الانتشار المحتمل لمثل هذه القوانين خطراً يتهدَّد حرية الرأي في حرم الجامعات.
تتضمَّن النشاطات التي تمنعها القوانين الجديدة -إذا ما شُرِّعَت- إجراء تحقيقاتٍ تخصُّ حقوق الإنسان وتركِّز على إسرائيل بشكلٍ خاص. كذلك يُحظَر أي خطابٍ "يشيطن إسرائيل بإلقاء اللوم عليها في كلِّ التوتُّرات الدينية أو السياسية الراهنة"، أو "التقويض من شرعية دولة إسرائيل بالتشكيك في حقّ وجودها".
بدأ الضغط في ذاك الاتجاه من مؤتمر عقده مجلس التبادل التشريعي الأمريكي، والمعروف اختصاراً باسم منظمة أليك "Alec"، وهي شبكة من المحافظين لها تاريخٌ قديم في الدفع بسياسات اليمين على مستوى الولايات الأمريكية، من خلال توفيرها نماذج قوانين تُقدَّم جاهزة للتشريع. تصدَّرت المنظمة، التي وُصِفَت بأنَّها "مصنع تشريعات"، حملات الهجوم على اتّحادات العمال، ومعارضة مشروع أوباما للتأمين الصحي في أمريكا، وإجراءاتٍ لقمع المصوّتين الأمريكيين، ومجهوداتٍ لإعاقة تمرير قوانين تخاطب الأزمة المناخية.
اجتماعات "سرية" لجماعات الضغط الموالية لإسرائيل
كُشِف الاجتماع الذي عقدته منظمة أليك، في سلسلةٍ من الرسائل الإلكترونية التي خرجت للعلن بعد طلبٍ قدَّمه ديفيد أرمياك، وهو مدير الأبحاث بمركز الإعلام والديمقراطية المعنيّ برصد ورقابة الحريَّات في أمريكا، للمنظمة بموجب قانون حرية المعلومات الأمريكي، وشاركها مع صحيفة The Guardian البريطانية.
كشفت الرسائل الإلكترونية أنَّ عدة مشرِّعين جمهوريين اجتمعوا مع جماعات ضغطٍ سياسي موالية لإسرائيل في مدينة أوستن، بولاية تكساس، لتداوُل نشر قيودٍ جديدة على الخطاب الذي يتناول إسرائيل في أي حرمٍ جامعي داخل نطاق الولايات الوُسطى لغرب أمريكا، والمعروفة بمصطلح "قلب أمريكا".
عُقِد الاجتماع الخاص برئاسة راندي فاين، وهو سياسيّ جمهوري من ولاية فلوريدا كان ذا دورٍ حيوي في تمرير أوَّل قانون على مستوى ولاية أمريكية يحظر الخطاب المعادي للسامية بمواد التعليم العام في شهر مايو/أيار الماضي. وبعد أسبوعٍ من الاجتماع أرسل فاين إلى المشاركين في الاجتماع رسالةً إلكترونية بعنوان: "مشروع قانون معاداة السامية الذي جرت مناقشته في منظمة أليك".
كان فاين موضع جدلٍ في مواقف سابقة، من جرَّاء معارضته العدوانية لأي جدالٍ علني يدور حول إسرائيل. وفي وقتٍ أسبق من العام الجاري، لقَّب فاين ناخباً يهوديّاً محليّاً بـ "المبعوث اليهودي الخائن"، لأنَّ الرجل حضر منتدى نقاشٍ بعنوان: "فلسطين/إسرائيل، لنبدأ الحوار".
إنَّ لفظة "Judenrat" التي استخدمها فاين لذمّ الرجل، كلمة وُصِفت بها المجالس التي عيَّنها النازيون في الأحياء اليهودية خلال الحرب العالمية الثانية، وصارت تُستخدم للإشارة إلى اليهود المتعاونين مع النازيين.
بمشاركة مشرّعين من مختلف الولايات الأمريكية
حضر اجتماع منظمة أليك كذلك مشرّعون من ولايات ساوث كارولاينا، ونورث كارولاينا، وأركنساس، وأوكلاهوما، وكذلك ممثلون حاضرون عن جماعتَي ضغطٍ مواليتين لإسرائيل. كتب فاين مخاطباً إياهم: "سعدتُ بلقائكم في المؤتمر المعقود في منظمة أليك بمدينة أوستن الأسبوع الماضي، وبأن شاركت معكم موجزاً عن العمل الذي قمنا به لتمرير القانون رقم HB 741، وهو أقوى قانون أقرَّته الولايات المتحدة للتصدّي لمعاداة السامية".
شجَّع فاين، السياسي الجمهوري من ولاية فلوريدا، نظراءه في مجالس الولايات الأخرى على العمل مع إحدى جماعات الضغط السياسي، وهي ائتلاف العمل الإسرائيلي-الأمريكي، الذي قال إنَّه "أدى دوراً لا غنى عنه في توفير الدعم الخارجي وأنا أتقدَّم بمشروع القانون". وفي رسالة إلكترونية منفصلة موجَّهة إلى الحاضرين، قال جوزيف ساباغ ممثّل ائتلاف العمل الإسرائيلي-الأمريكي، إنَّه وفريقه القانوني قد أخذوا قانون فاين في فلوريدا و "صاغوه في صورة نموذج قانون يمكن التقدُّم به في ولاياتٍ أخرى. أحثُّكم على التواصل مع النائب ألان كليمونز والانتفاع بدعمنا السياسيّ إذا ما فكَّر أحدكم في التقدُّم بمشروع قانونٍ بهذا النموذج".
النائب كليمونز، وهو نائب جمهوري عن ولاية ساوث كارولاينا، هو الرئيس الإقليمي لمنظمة أليك. وكان كليمونز قد تقدَّم بتعريفٍ مشابه للخطاب معادي السامية في مشروع قانونٍ لميزانية ولايته عام 2018.
وهناك منظمة أمريكية واحدة وراء هذه الحملة لمنع انتقاد إسرائيل
أخبر ساباغ صحيفة The Guardian البريطانية بأنَّه من غير الصحيح افتراض أنَّ ائتلاف العمل الإسرائيلي-الأمريكي يشجع مشرّعي الولايات الأمريكية على تبنّي ذاك التعريف.
وقال إنَّ منظمته "تُقدِّم خدمات التحليل القانوني والموارد السياسية بناءً على طلب المشرّعين ممَّن يريدون الاستفادة بخبرتنا المتخصّصة. إنَّ معاداة السامية قضيةٌ تجد اهتماماً خاصاً في الوقت الراهن، ولذا بالطبع يوجد كثير من المهتمّين بها".
أنكر ساباغ كذلك أن يكون لمنظمة أليك أي يدٍ في الدفع بالتشريعات المذكورة. وقال: "لم تُقدَّم لمجلس التبادل التشريعي الأمريكي أي مشاريع قوانين تمهيداً لتكون نموذج قانون يُعطَى للمشرعين، ولم يعقد مجلس التبادل التشريعي الأمريكي أي نقاشاتٍ حول سياسة الموضوع، أو اتَّخذوا أي إجراء يخصُّ معاداة السامية".
وقال ساباغ إنَّ الرسائل الإلكترونية التي اطّلعت عليها صحيفة The Guardian البريطانية، "بدرت من تجمُّعٍ للأصدقاء والزملاء في غير ساعات العمل الرسمية، وليس مناسبةً عقدتها منظمة أليك، ولم تنظّم أليك أي منتدى أو نقاشٍ كهذا في مؤتمرها الرسمي".
طلبت صحيفة The Guardian البريطانية تعليق منظمة أليك على المزاعم، لكَّنها لم تتلقَّ رداً.
تحتوى الرسائل المتبادَلة على إشاراتٍ واضحة للدافع من وراء الضغط لتمرير قوانين معاداة السامية، وهو التصدّي للنقد الموجَّه إلى إسرائيل في الأحرم الجامعية الأمريكية.
كتب فاين مخاطباً الحاضرين أنَّه بموجب القوانين الجديدة، "سوف تُعامَل معاداة السامية (سواءً ارتكبها طلاب، أو إداريون جامعيون أو أعضاء هيئة تدريس، أو من خلال سياسات وإجراءات، أو منظَّمات طلابية، إلخ…) معاملة العُنصرية الصريحة. والآن تُعامل منظمة (طلاب من أجل العدالة في فلسطين) مثلها مثل جماعة الكلو كلاكس كلان كارهة السود، كما يستحقُّون".
إنَّ "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" جماعة بارزة من النشطاء الطلابيين الموالين لفلسطين، ذات حضورٍ فعال في 80 حرماً جامعياً على الأقل، تدعو إلى مقاطعة إسرائيل دولياً؛ احتجاجاً على احتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة.
وقد كانت المنظمة في صدارة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) في الولايات المتحدة؛ وهو ما دفع عدداً من الولايات الأمريكية بالفعل إلى سنّ قوانين جديدة تجرِّم حملات مقاطعة إسرائيل، وأثار حفيظة مدافعي حريَّة الرأي في الولايات المتحدة.