قالت صحيفة The Guardian البريطانية إنَّ اثنين من رؤساء وزراء بريطانيا المحافظين سعيَا للتأثير على عائلة ملكية في الشرق الأوسط لمنح عقد نفط بمليارات الدولارات لشركة يرأسها أحد كبار المانحين للحزب.
وفي شهر مارس/آذار 2017، كتبت تيريزا ماي، حينما كانت لا تزال في رئاسة الوزراء، إلى نظيرها البحريني تطلب دعمه لشركة Petrofac للنفط في مزايدة مطروحة حول مشروع في الدول الخليجية.
وقبل ذلك بشهرين، وتحديداً بعد 6 أشهر من تنحي رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، روّج لذات الشركة حين كان في زيارة لمدة يومين للبحرين حيث التقى ولي العهد.
ثم عاد كاميرون إلى البحرين في طائرة يمتلكها أيمن أصفري، أحد مؤسسي شركة Petrofac والمدير التنفيذي لها وصاحب أكبر نسبة أسهم فيها. لكن لم تحصل الشركة في النهاية على العقد.
صفقات أجنبية ضخمة لصالح الأحزاب
وتبرّع أصفري وزوجته سوسن بما يقرب من 800 ألف يورو لحزب المحافظين منذ 2009. وقدم الزوجان هذه التبرعات بصفتهما الشخصية.
وتثير الوثائق التي حصلت عليها صحيفة The Guardian أسئلة حول الطريقة المثلى التي يمكن أن تتعامل بها الحكومة مع أي تضارب محتمل في المصالح ينشأ نتيجة تبرع رجال أعمال لأحزاب سياسية.
وقالت الحكومة إنَّ الوزراء معتادون على دعم مزايدات الشركات البريطانية للحصول على عقود صفقات أجنبية ضخمة. من جانبها، ذكرت شركة Petrofac أنَّها تلقت هذا الدعم الرسمي من خلال قنوات سليمة تماماً.
ويُحقِّق مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة البريطاني منذ ما لا يقل عن عامين في شبهات تقديم شركة Petrofac رشاوى وتورطها في الفساد وغسيل الأموال.
وترد تفاصيل دعم تيريزا ماي لمزايدات Petrofac في وثائق أفرج عنها المكتب بموجب قانون حرية المعلومات.
ووفقاً لهذه الوثائق، طلبت شركة Petrofac، في عام 2017، الاجتماع بوزير التجارة الخارجية آنذاك ليام فوكس "في إطار علاقتها المستمرة" مع الحكومة البريطانية.
تيريزا ماي تدخلت للحصول على الدعم
وفي 8 مارس/آذار، أرسل فوكس لماي يخبرها بأنَّ أصفري "طلب دعم الحكومة في مزايدة سيتقدم بعطاء فيها مع شركة أمريكية.
والمزايدة مطروحة حول توسعة ضخمة لشركة نفط البحرين (بابكو) المملوكة للدولة. ويعد المشروع بأكمله واحداً من أكبر مشاريع البحرين على الإطلاق بقيمة إجمالية 5 مليارات دولار.
وقال فوكس إنَّ 4 اتحادات تزايد على الفوز بالعقد وستُقيّم العطاءات قريباً. وأضاف: "يعتقد أصفري أنَّ توفير الحكومة دعماً رفيع المستوى للشركة سيُحدِث فرقاً جوهرياً".
وطلب من ماي إرسال خطاب لرئيس وزراء البحرين، الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة.
وبعدها بستة أيام، عقب اجتماع أصفري بفوكس في مكتبه بشارع وايت هول، أرسلت ماي إلى الأمير البحريني تطلب دعمه للعطاء المُقدّم من شركة Petrofac.
ورد رئيس الوزير: "أنا على ثقة بأنَّ شركة Petrofac ستفعل ما بوسعها لتقديم العطاء التجاري-التقني الأكثر جذباً للمشروع".
من جانبها، قالت ماي: "نظراً للأهمية الاستراتيجية التي يمثلها هذا المشروع للبحرين والعلاقات الاقتصادية التي تربط البلدين، تعهد (فوكس) بمتابعة المشروع ودعمه ضامناً لالتزام الحكومة البريطانية الكامل نحوه".
الشركة تلقت دعماً من رئيس الوزراء ووزير التجارة الخارجية
وقالت شركة Petrofac إنَّها سعت للحصول على دعم الحكومة البريطانية ليرسى العطاء عليها من خلال السفير البريطاني في البحرين، وفقاً للممارسات المعهودة.
وذكرت وزارة التجارة الخارجية، نيابةً عن ماي وفوكس: "الدعم الذي تلقته شركة Petrofac من رئيس الوزراء ووزير التجارة الخارجية آنذاك، اتبع الإجراءات الصحيحة، ونُفِّذ وفقاً للمبادئ الواجبة. وتدعم الحكومة الشركات البريطانية في الداخل والخارج، بما في ذلك مساندة الشركات حين تزايد للحصول على فرص دولية".
وزار كاميرون البحرين يومي 10 و11 يناير/كانون الثاني 2017 في طريق عودته من الصين.
وصرح مكتبه بأنها كانت فرصة لزيارة ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة عقب إلغاء زيارة مقررة حينما كان لا يزال رئيساً للوزراء.
وأضاف مكتب كاميرون أنه نفذ "جدول التزامات وزيارات واسع النطاق وُضِع بالتنسيق مع سفير بريطانيا لدى البحرين، الذي رافق كاميرون خلال جزء من زيارته".
"وبمناسبة الزيارة، اغتنم كاميرون الفرصة للمساعدة في تشجيع مصالح الشركة البريطانية؛ وهو ما تم بالتنسيق مع الحكومة البريطانية في ذلك الوقت".
وتابع المكتب: "طوال فترة تولي كاميرون رئاسة الوزراء وبعدها، كان مؤيداً متفانياً للشركات البريطانية حول العالم. ولم يتلقَّ أية أموال مقابل هذه المساهمة. ودعمه للشركة ليس له أية علاقة من أي نوع بالتبرعات المقدمة لحزب المحافظين". إضافة إلى ذلك، لم يرافق أصفري كاميرون خلال زيارته.
وجاء في سجلات وزارة الخارجية البريطانية أنَّ كاميرون زار مقر مجلس التنمية الاقتصادية البحرين.
وعرض خطاب ماري مقترحات شركة Petrofac لكيفية العمل مع المجلس للمساعدة في تدريب المهندسين البحرينيين.
وقال متحدث باسم شركة Petrofac إنها "لا تقدم تبرعات سياسية. وإن أية تبرعات قدمها أيمن أصفري وعائلته قُدِّمَت بصفة شخصية بحتة".
وأكد المتحدث أنَّ الحكومة البريطانية لم تقدم للشركة أية معاملة تمييزية نتيجة هذا التبرع الشخصي.
يُذكَّر أنَّ أصفري، الذي تُقدَّر ثروته بنحو مليار دولار، شارك في تأسيس شركة Petrofac، ترأس الشركة متعددة الجنسيات لأكثر من 20 عاماً. وتعمل هذه الشركة في تصميم منشآت صناعة النفط والغاز وبنائها، ويبلغ عدد موظفيها 11 ألفاً و500 موظف في 24 دولة.
مكتب مكافحة جرائم الاحتيال يحقق في أنشطة Petrofac
وفي عام 2014، اختار كاميرون أصفري واحداً من 43 سفير أعمال لرئيس الوزراء للعمل مع الحكومة البريطانية لتنشيط الاستثمار والتجارة.
وفي مذكرة صادرة عن رئاسة الوزراء لفوكس في 2017، وصفت الحكومة أصفري بأنه "سفير أعمال نشط للغاية، وموضع تقدير بالغ". لكن الحكومة البريطانية أوقفت برنامج سفراء الأعمال في وقت مبكر من العام الحالي.
وفي مايو/أيار 2017، أعلن مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة أنه يحقق في أنشطة شركة Petrofac. وخلال التحقيقات، اعتقل المكتب أصفري، وكذلك آخرين، واستجوبه للاشتباه في ارتكابه جرائم جنائية. لكن أُطلِق سراحه بعدها دون توجيه اتهامات.
وفي شهر فبراير/شباط 2019، أقرّ ديفيد لفكين، أحد المسؤولين السابقين في شركة Petrofac، والبالغ من العمر 51 عاماً، بأنه مذنب في 11 واقعة تتعلق بعرض رشاوى في الفترة ما بين 2011 و2016؛ في محاولة لتأمين حصول الشركة على عقود في السعودية والعراق. لكن لم يصدر حكمٌ بحقه بعد.