وقف الشيخ الستيني متكئاً على جدار بأحد الشوارع، ينتظر بلهفة أن يتسلم 1200 درهم مغربي، (نحو 124 دولاراً)، من طرف شاب كان يخبره بأن شخصاً أرسل إليه المبلغ المالي قصد مساعدته.
انتهى الشاب من عدِّ المال، في حين كان المسن الذي ملأت التجاعيد وجهه، يتحدث أمام كاميرا الهاتف، مؤكداً أنه سيسدد أجرة البيت الذي يقطنه بالإضافة إلى فاتورتي الماء والكهرباء، ويُمنِّي نفسه بقضاء حاجات أخرى.
كان المسن المدعو محمد عز الدين، يجزل الشكر لصاحب المال ولمن أوصله، قبل أن يبادر الشاب إلى الاستهزاء منه بكلمات خارجة، ليكتشف أنه كان ضحية مقلب سمِج، كل الغرض منه حصد علامات الإعجاب وزيادة المشاهدات على تطبيق "تيك توك".
احتقار كبير أبكى المغاربة
مقطع الفيديو الذي انتشر كالنار في الهشيم، أثار سخط المغاربة وحنقهم، بسبب احتقار الرجل الفقير والحط من كرامته وإنسانيته.
في حين انهالت التدوينات الشاجبة لهذا التصرف المهين، مطالِبةً بمتابعة صاحب الفيديو وإحالته إلى النيابة العامة، بتهمة "التشهير والمساس بخصوصية الآخرين".
مصادر محلية من مدينة مراكش، أكدت لـ "عربي بوست" استدعاء الشرطة للعم عز الدين، وأخذ إفاداته بخصوص ملابسات ما وقع، في انتظار قرار النيابة العامة.
ويعاقب القانون الجنائي المغربي "كل شخص نشر صوراً أو فيديوهات للغير دون موافقته، لغرض الإساءة إليه والتشهير به، بالحبس من 3 أشهر إلى 3 سنوات وغرامة مالية من 2000 درهم (206 دولارات) إلى 20000 درهم (2068 دولاراً)".
ظلمني.. ونال عقابه!
بتأثر بالغ، حكى محمد عز الدين خبارا لـ "عربي بوست"، تفاصيل ما جرى معه نهاية الأسبوع الماضي.
وأكد المتحدث أن الشاب يعمل حارس أمن خاصاً في أحد الفنادق المصنفة بمدينة مراكش، قبل أن ينادي عليه ويخبره بأن شخصاً يدعى "الحاج" ترك في معيَّته أمانة تقدَّر بـ1200 درهم مغربي (124 دولاراً).
"صوَّر محادثتنا، وأخبَرني بأن الفيديو دليل على تسليمه المال لي، واسترسل في الحديث معي، فأخبرته بأني محتاج وأني من دون أطفال، قبل أن يسبني بكلام سفيه وساقط"، يقول محمد عز الدين.
لا يخفي عز الدين إحساسه الكبير بالظلم والاحتقار الذي مارسه عليه الشاب، مؤكداً أن مدير الفندق تحدث إليه لاحقاً وتأسف لما أصابه، وأكد له أن الشاب تم فصله من عمله.
وانهالت المكالمات الهاتفية على مسؤولي الفندق المصنف بمدينة مراكش، والذي كان يُشغِّل صاحب الفيديو، مطالِبةً بفصله من عمله بسبب ما اقترفه، وأنهم كزبائن لن يتحملوا التعامل مع شخص غير متخلق ولا يملك أدنى حد من الإحساس بالآخرين.
متطوعات ينظفن منزل ضحية "تيك توك"
تضامن نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، لم يبقَ حبيس العالم الافتراضي، إذ حظي العم عز الدين بدعم كبير من طرف عدد من المواطنين وعلى رأسهم ساكنة مدينة مراكش، ممن قصدوا منزله الصغير بأحد أزقة المدينة القديمة.
وأصر متضامنون على تنظيم حملة تبرعات، لاقتناء كل ما يلزم الشيخ الستيني من ملابس وأثاث ومواد غذائية، في حين حرصت متطوعات شابات على تنظيف المنزل الصغير وترتيب محتوياته.
حنان موساوي، فاعلة جمعوية بمدينة مراكش، قررت رفقة أزيد من 10 جمعيات تنشط على مستوى المدينة الحمراء، تنظيم حفل عشاء تكريمي للشيخ المغربي لدعمه معنوياً، مع تقديم مجموعة من الهدايا له.
وقالت موساوي لـ "عربي بوست"، إنها تسعى لتنظيم لقاء صلح بين الشاب صاحب الفيديو ومحمد عز الدين، حتى يقوم الشاب بتقديم اعتذار رسمي للمسن أمم جميع المغاربة، وطلب السماح والعفو منه، معتبرة أنه لاقى جزاءه حين عاب عليه المغاربة ما فعله وانتقدوه بأشد العبارات، كما تم وقف صفحته على "فيسبوك" وطرده من العمل.