لم تنته قصة أحد أبرز القادة العسكريين في العراق، الفريق الركن عبدالوهاب الساعدي، عند قرار نقله من قيادة قوات جهاز مكافحة الإرهاب إلى إمرة الجيش، فالحدث الذي كان سبباً في زيادة السخط الشعبي على السلطات الحكومية لايزال يشهد تطوراً جديداً.
وعلم "عربي بوست" من مصادر مقربة متطابقة أن عبدالوهاب الساعدي تحت الإقامة الجبرية منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2019.
وأوضح المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن السلطات تخشى من الشعبية الواسعة التي يتمتع بها الساعدي، خاصة مع مطالبات شعبية بإسقاط النظام وتولي الفريق الركن عبدالوهاب الساعدي قيادة البلاد.
ورغم أن الاحتجاجات التي يشهدها العراق حالياً خرجت بالأساس نتيجة البطالة والفساد الحكومي الذي تسبب في تردي الخدمات، إلا أن البعض يعتبر نقل نائب رئيس جهاز مكافحة الإرهاب عبدالوهاب الساعدي إلى إمرة الجيش أحد أسباب زيادة الاحتقان وفقدان الثقة بحكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي الذي أصدر قرار إقالة الساعدي دون أسباب.
تحت الإقامة الجبرية
وأكد الصحفي العراقي عطيل الجفال، وهو على صلة بمقربين من الساعدي، المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" كون الساعدي تحت الإقامة الجبرية.
وقال إنه لا يمكن لأي شخص إخفاء الشعبية الكبيرة التي يحظى بها الساعدي لدى الشارع العراقي، خاصة الشباب منهم، بعد أن فقد العراق الرمزية البطولية لأي شخص، باستثناء زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
وأضاف في حديثه لـ"عربي بوست" إن هذه الشعبية أتت من خلال مدونين سوّقوا الساعدي خلال عمليات تحرير المدن من قبضة داعش الإرهابي، وخلقوا منه أسطورة عسكرية، وعلى الرغم من أن ما تتداوله صفحات المواقع الاجتماعي "لا يخلو من صحة للمعلومات، ولكنه بذات الوقت لا يخلو من مبالغة".
وأوضح الجفال: "المطالبات بأن يكون الساعدي رئيساً لحكومة العراق، أو رئيساً بانقلاب عسكري، أعتقد أنها دعوات عاطفية وخاطئة، فليس للرجل أي باع بالسياسة، بالإضافة إلى أن من يتابع الساعدي في لقاءاته المتلفزة سيستشف من الرجل أنه لا يملك الكاريزما الكافية لإصلاح هذا الكم من الخراب".
وذكر أن تجربة حكم العسكر في العراق منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي وحتى عام 2003 كانت "مريرة بكل المقاييس"، على حد قوله.
وتابع أن كثيرين يؤكدون أنه لا رغبة للساعدي بهذه المناصب، ولم تكن له أي نية لانقلاب عسكري، خاصة وأن جهاز مكافحة الإرهاب الذي كان يقوده قبل أن يذهب لإمرة وزارة الدفاع بأمر من عبدالمهدي، لا صلة له بالجيش العراقي، وهو يعمل تحت قانون خاص به.
من قائد عسكري إلى موظف في وزارة الدفاع
في نهايات سبتمبر/أيلول 2019، أشيع خبر نقل الفريق الركن عبدالوهاب الساعدي، من جهاز مكافحة الإرهاب الذي شغل فيه منصب نائب رئيس الجهاز، إلى إمرة الجيش العراقي، وفي وثيقة سرية يعود تاريخ صدورها إلى يوليو/حزيران 2019، جاء طلب بنقل الساعدي إلى الجيش وتعيين الفريق الركن سامي العارضي قائداً جديداً لقوات جهاز مكافحة الإرهاب.
القرار أثار موجة من الغضب الشعبي، كما جوبه باعتراض من قبل عبدالوهاب الساعدي نفسه، حيث عد القرار عقوبة وإهانة لتاريخه العسكري، ورفض الموافقة على القرار حتى وإن كلفه ذلك السجن بحسب ما أدلى به حينها من تصريحات صحفية.
عزل الساعدي ونقله إلى منصب إداري في وزارة الدفاع، أغضب النخب السياسية بالقدر الذي أغضب الشارع العراقي.
وعلَّق حيدر العبادي -الذي كان رئيساً للوزاء عندما كان الساعدي يقاتل في الموصل- "ما هكذا تكافئ الدولة مقاتليها الذين دافعوا عن الوطن، وهناك سياقات لتغيير أو تدوير المواقع العسكرية والأمنية، لكن يجب أن تكون على أساس المهنية وعدم التفريط فيمن قدموا للشعب والوطن في الأيام الصعبة" وتساءل رئيس الوزراء السابق: "هل وصل بيع المناصب إلى المؤسسة العسكرية والأمنية؟".
بعد أيام قليلة على قرار نقل الساعدي إلى إمرة الجيش، تصاعدت الحملات التضامنية مع الفريق الركن عبدالوهاب الساعدي، وتصاعد معها أيضاً إصرار رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي على ضرورة أن يمتثل الساعدي للأوامر العسكرية.
ولم يفوت العبادي الفرصة إلى التلميح من امتعاضه لقيام "بعض الضباط الكبار" بزيارة السفارات الأجنبية، وفي هذا إشارة لعبدالوهاب الساعدي الذي رد حينها أنه لم يقم بزيارة السفارات وإنما ذهب إلى السفارة الأمريكية في بغداد لغرض استكمال إجراءات الحصول على الفيزا من أجل السفر إلى الولايات المتحدة بدعوة من جامعة هارفارد.
من هو عبدالوهاب الساعدي؟
ولد عبدالوهاب الساعدي، عام 1963، في مدينة الصدر (مدينة الثورة سابقاً) في العاصمة العراقية بغداد، أكمل دراسته الأولية فيها، ثم التحق بجامعة الموصل شمالي العراق ليتخرج منها حاملاً شهادة البكالوريوس في الفيزياء.
لم يقف الساعدي عند هذا الحد، بل دخل الكلية العسكرية بالعاصمة العراقية بغداد وتخرج منها عام 1985 برتبة ملازم، ثم التحق بالقوات الخاصة في الجيش العراقي.
واصل عبدالوهاب الساعدي دراساته العسكرية في كلية الأركان، وتخرج منها عام 1996 برتبة رائد في الجيش، وكان حينها ضمن العشرة الأوائل، وهذا أهله للدراسات العليا في كلية القيادة، وتخرج منها برتبة عقيد، ثم نال شهادة الماجستير في العلوم العسكرية من كلية الحرب، واشتغل أستاذاً فيها عام 2000.
قيادة القوات العراقية في المعارك ضد داعش
برز نجم عبدالوهاب الساعدي بعد اجتياح تنظيم داعش للعراق وسيطرته على ثلاث محافظات كبيرة، هي الأنبار وصلاح الدين ونينوى، وكان ذلك عندما تولى عبدالوهاب الساعدي قيادة القوات العراقية المشتركة والمدعومة بالحشد الشعبي لاستعادة المدن من تنظيم داعش.
البداية كانت من محافظة الأنبار، حيث قاد الساعدي قوة من جهاز مكافحة الإرهاب والقوات الخاصة في وزارة الداخلية، ونجح في تحرير منطقة بروانة غربي الأنبار من تنظيم داعش، كما فك حصار التنظيم على مدينة حديثة إحدى أهم مدن الأنبار التي قاومت التنظيم ومنعت دخوله إليها.
هذا النجاح ساهم في تعزيز حظوظ الساعدي ليكون قائد المرحلة في قتال التنظيم، فأُنيطت له مهمة استعادة مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين، وبعد معركتين كبيرتين نجحت القوات العراقية المدعومة بالحشد الشعبي من استعادة المدينة بالكامل عام 2015.
من تكريت تحركت القوات العراقية بقيادة الساعدي نحو مدينة بيجي، التي كانت تعد من أكثر المدن التي تحصن بها التنظيم، وقد فشلت عدة محاولات من قبل ميليشيات الحشد الشعبي لاستعادتها، غير أنَّ الساعدي المدعومة قواته بطيران التحالف الدولي، خاض حرب شوارع في المدينة، انتهت باستعادتها في أكتوبر2015.
خلال معركة بيجي أصيب عبدالوهاب الساعدي إصابة كلفته الابتعاد عن ساحات المعارك لعدة أشهر، حيث تلقى العلاج في أحد مستشفيات العاصمة العراقية بغداد.
بعد عام على استعادة مدن صلاح الدين، وبعد تماثله للشفاء، كُلِّف الساعدي بمهمة قيادة القوات التي ستخوض معركة الفلوجة، والتي كانت تمثل تحدياً للقوات العراقية والتحالف الدولي على حد سواء، لما تتمتع به الفلوجة من رمزية كبيرة، اكتسبتها من معركتين كبيرتين خاضتها ضد الجيش الأمريكي عام 2004.
استطاع الساعدي استعادة مدينة الفلوجة من تنظيم داعش بعد شهرين من المعارك، ووصفت السلطات العراقية تلك المعركة بأنها الأسرع والأقل من حيث الخسائر البشرية والمادية، وفي حديث سابق مع كاتب التقرير أكد الفريق الركن عبدالوهاب الساعدي انَّ الدمار الذي تسببت به المعركة بلغ 5% فقط، فيما أشار إلى أنّ الدمار في مدينة الرمادي عند استعادتها بلغ 90%.
المعركة الكبرى
التحدي الأكبر لعبدالوهاب الساعدي كان يتمثل بمعركة الموصل، حيث قاد قوات المحور الشرقي في المدينة، وكان المحور الأكثر شراسة في المعارك والأكثر أيضاً من حيث الدمار والخسائر، حيث سقط ما لا يقل عن 9 آلاف قتيل من القوات المشاركة في المعركة وكذلك من المدنيين.
بعد سبعة أشهر وتحديداً في أكتوبر/تشرين الأول 2016، تمكنت القوات العراقية من استعادة مدينة الموصل، ورُفِع العلم العراقي على أنقاض جامع النوري، حيث أعلن عام 2014 زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي قيام دولة الخلافة في العراق والشام، وبعد إعلان العراق نصره النهائي على تنظيم داعش كان الفريق الركن عبدالوهاب الساعدي نجم وسائل الإعلام العراقية وكان الحديث عن مواقفه وشجاعته في قتال التنظيم يشغل مساحات واسعة من التغطيات الإعلامية التي تتغنى بذلك الانتصار.