تعاملت وسائل الإعلام المصرية، التابعة للدولة والمؤيدة لها، بحالة من الإنكار للتظاهرات التي اندلعت مساء أمس الجمعة 20 سبتمبر/أيلول 2019، ضد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وهو تحرك شعبي هو الأول من نوعه منذ 6 سنوات.
وشنت وسائل إعلام مصرية هجوماً ضد المتظاهرين، ووسائل الإعلام التي نقلت تحركهم في الشوارع، في مشهد يعيد للأذهان ما قالته وسائل الإعلام الموالية للدولة عندما اندلعت ثورة يناير/كانون الثاني في العام 2011، عندما أنكرت في البداية نزول المتظاهرين إلى الشوارع.
وردّدت مواقع إخبارية ومحطات تلفزيونية عبارات دأبت على تكريرها عند مواجهة أي مضمون إعلامي موجه ضد السيسي، من قبيل حديثها عن"فبركة، وكذب، وتزييف للحقائق التي تريد النَّيل من مصر" .
وبينما كان مصريون يبثون على مواقع التواصل بشكل مباشر المظاهرات ضد السيسي، من القاهرة وعدد من المحافظات الأخرى، كان مضحكاً وصادماً لدى البعض قول وسائل إعلام مصرية إن الفيديوهات تعود إلى العام 2011، وهو تاريخ ثورة يناير، التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق حسني مبارك.
وقادت 3 وسائل إعلام مؤيدة للسيسي بشكل رئيسي مهمة تحريف الوقائع، حيث قال موقع "اليوم السابع" نقلاً عن اللواء محمود الرشيدي، وهو مساعد وزير الداخلية سابقاً، قوله إن الفيديوهات المنشورة للتظاهر ضد السيسي، والتي أظهرت متظاهرين في ميدان التحرير وسط القاهرة "مضروبة"، وتعود إلى العام 2011، أثناء الاحتجاجات ضد مبارك.
لكن الموقع على ما يبدو فاته سماع الهتافات في مقاطع الفيديو المنشورة، حيث طالب المتظاهرون برحيل السيسي، وهو ما دفع أحد المعلقين للتهكم على خبر الموقع، وقال له: "هي الناس في 2011 كان بتقول ارحل يا سيسي.. أنا مشوفتش غباء بالشكل ده أقسم بالله"، بحسب تعبيره.
واتهم الموقع "قناة الجزيرة" بأنها تتعمد "مونتاج اللقطات بطريقة سريعة حتى لا تعطي الفرصة للمشاهدين" في اكتشاف حقيقة الفيديوهات التي وصفها الموقع بـ "المفبركة" .
كذلك كررت جريدة "الدستور" نفس طريقة التعامل مع تظاهرات، أمس الجمعة، ووصفت الفيديوهات المنشورة بأنها "مفبركة" .
أما الإعلامي عمرو أديب، فقاد هو الآخر مهمة مهاجمة المتظاهرين، وإنكار حدوث مظاهرات ضد السيسي، حيث أفرد مساحة في برنامجه الذي يُبث على قناة "إم بي سي مصر"، للحديث عن "فبركة فيديوهات التظاهرات" .
ورغم قول أديب بأن هناك مظاهرات وصفها بـ "المحدودة"، إلا أنه قال إن "جماعة الإخوان ركبت احتفالات جمهور النادي الأهلي، وإظهارها على أنها مظاهرات ضد النظام"، بحسب تعبيره، وأضاف أن "قنوات الأعداء سوف تتلاعب بالفيديوهات وتضخم الحدث البسيط" .
وفي نفس السياق، أنكرت قناة "دي إم سي"، التي يقول مصريون إنها مملوكة للمخابرات العامة، المظاهرات التي خرجت للمطالبة برحيل السيسي، وقال الإعلامي رامي رضوان، إن مقاطع الفيديو المصورة للمظاهرات "مفبركة" .
"ما فيش حد نزل"
ومع تطور التكنولوجيا بات من السهل جداً نقل الحدث لحظة بلحظة، فالأمر لا يتطلب أكثر من باقة إنترنت، وجهاز محمول متطور قليلاً، وحساب على فيسبوك أو تويتر، والبدء بالبث المباشر.
وعلى الرغم من أن هذا ما حدث في الأمس عندما صوّر مصريون لحظة بلحظة تجمع متظاهرين عند ميدان التحرير، وميدان طلعت حرب في القاهرة، ومناطق أخرى في الإسكندرية والسويس، إلا أن وسائل الإعلام المؤيدة للسيسي كانت قد كذبت في البداية ما نُشر على مواقع التواصل حول تجمع لمصريين في تلك المناطق.
وتزامن ذلك مع نشر حسابات موالية للسيسي على موقع تويتر، تغريدات زعموا فيها أنه لم ينزل أحد للشوارع للتظاهر ضد الرئيس.
وبعد ساعات من استمرار التظاهرات وتدخل قوات الشرطة لفضها بالقوة، ما أدى إلى خلو الشوارع من المتظاهرين، نزلت وسائل الإعلام المؤيدة للسيسي بعد منتصف الليل وعرضت صوراً من الميادين، وقالت إنها فارغة من المتظاهرين، وإنه لا إجراءات استثنائية فيها.
وعرضت قناة "سي بي سي" لقطات من ميدان التحرير، لتؤكد فيها على خلوه من التظاهرات، إلا أن القناة وهي تبث على الهواء مباشرة تقدم أشخاص نحو الكاميرا ورفعوا إشارة النصر من وراء المراسل، الذي خشي على ما يبدو أن يتفوهوا بشيء ضد السيسي، ليبتعد عنهم فيما بعد.
وخرجت تظاهرات أمس الجمعة استجابةً لدعوات تمّ إطلاقها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ولاسيّما من جانب الفنان ورجل الأعمال المصري محمد علي، الذي ينشر منذ أيام مقاطع فيديو تحدث فيها عن "فساد في الجيش وإهداره للمال العام، واستغلال السيسي للسلطة".
وكان بعض الشباب المصري قد بدأوا النزول لميدان التحرير، أمس الجمعة، بشكل فردي أو جماعي "حيث لا يتعدى عددهم 3 أشخاص"، مناشدين من خلال مقاطع فيديو بثوها على مواقع التواصل الاجتماعي ضرورة التوجه إلى ميدان التحرير، للاحتشاد من أجل التظاهر ضد السيسي، وتلبية لدعوات محمد علي.
واعتُقل العديد من الأشخاص بينما كانوا يتظاهرون للمطالبة برحيل السيسي، وقالت وكالة الأنباء الفرنسية إن اعتقالات حدثت خلال تظاهرة ليليّة في ميدان التحرير، الذي شكّل مركزاً للثورة ضدّ حكم الرئيس الأسبق مبارك عام 2011، وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين في محيط الميدان، وكان هناك انتشار أمني كثيف.
ونُشرت على الإنترنت لقطات من التظاهرات التي هتف فيها المتظاهرون "ارحل يا سيسي"، باستخدام وسم #ميدان_التحرير، كما تظاهر مصريون في ميدان "طلعت حرب" الشهير وسط القاهرة، وكذلك من أحد ميادين مدينة المحلة العمالية الشهيرة، شمالي البلاد، والشرقية (دلتا النيل/شمالاً)، والإسكندرية (شمالاً)، والسويس (شمال شرق).
وفي مشهد يعيد للأذهان التصدي العنيف للمتظاهرين أثناء ثورة يناير/كانون الثاني عام 2011، نشر مصريون على مواقع التواصل مقطع فيديو لعناصر تعتدي بالضرب المفرط على المتظاهرين في القاهرة، كما أظهرت مقاطع فيديو أخرى عناصر من الشرطة تشارك في اعتقال المتظاهرين.