الحضارة التي لم تَبُح بكامل أسرارها بعد.. علاقة أنوبيس بـ«لعنة الفراعنة»

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/09/20 الساعة 11:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/20 الساعة 14:00 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية/istock

الحضارة المصرية القديمة هي أكثر الحضارات إبهاراً ولا يزال الكثير من ألغازها وأسرارها عصياً على الاستيعاب أو الفهم رغم التقدم العلمي والتقني الذي وصلت إليه البشرية، أنوبيس إله الموتى عند الفراعنة قصته طويلة ومليئة بالألغاز ولها أيضاً علاقة بما يعرف بلعنة الفراعنة، فما هي قصته؟

موقع آل ذات إنترستينج الأمريكي نشر تقريراً مطولاً عن القصة بعنوان: "أنوبيس: إله المصريين القدماء الذي ألهمهم بالتضحية بثمانية ملايين كلب".

كان لكل الحضارات القديمة آلهةٌ للموت. وبالنسبة للحضارة المصرية القديمة كان هذا الإله هو أنوبيس، ذو رأس ابن آوى، الذي أشرف على تحنيط الموتى وحكم على جدارة أرواحهم في الحياة الآخرة.

وكان يُقال إنَّ تمثال إله الموتى المصري أنوبيس، المنحوت على شكل كلبٍ أسود أو رجلٍ قوي البنية برأس ابن آوىً أسود، يُشرف على كل مراحل الموت. إذ كان يُسهِّل التحنيط، ويحمي قبر الميت، ويُقرر ما إذا كانت روحه جديرة بالحياة الأبدية أم لا، والغريب أن تُجسد حضارة، معروفة بكونها تعبد القطط، الموت على شكل كلب.

أصل أنوبيس، الكلب المصري المقدس

ويعتقد المؤرخون أنَّ فكرة أنوبيس تطوَّرت في وقتٍ ما قبل عصر الأسرات المصرية القديمة في الفترة ما بين عامي 6000 و3150 قبل الميلاد، حين ظهرت أول صورةٍ له على جدران القبور خلال عصر الأسرة المصرية الأولى، ضمن أول مجموعةٍ من الفراعنة تحكم مصر الموحدة.

والمثير للاهتمام أنَّ الإله المسمى أنوبيس هو إغريقيٌ في الواقع. ففي اللغة المصرية القديمة كان اسمه "أنبو" أو "إنبو"، وهي كلمةٌ مشتقة من الكلمة التي تعني "الطفل الملكي"، وكلمة "أن تتحلل". عُرِفَ أنوبيس كذلك بأسماء مثل "إمي-أوت"، والذي يعني تقريباً: "الذي هو في مكان التحنيط"، و"نب-تا-جسير" الذي يعني "رب الأرض المقدسة".

وبتحليل أسمائه، يمكن استنتاج أنَّه كان إلهاً من أصولٍ ملكية، وكان مسؤولاً عن الموت.

ولعل تجسيد أنوبيس كذلك مرتبطٌ بالكلاب الضالة وبنات آوى، التي تميل لنبش القبور الحديثة والاقتيات على الجثث المدفونة فيها. ومن هنا جاء ارتباط تلك الحيوانات بمفهوم الموت. وكثيراً ما يُلتبس بينه وبين الإله ابن آوى القديم وبواوت.

وعادةً ما تكون رأس أنوبيس سوداء، في إشارةٍ إلى ارتباط اللون بالموت، أو بتربة النيل لدى المصريين القدماء. وعليه، فإنَّ تمثال أنوبيس يحتوي اللون الأسود وتلك الأشياء المرتبطة بالموت، مثل ضمادات المومياوات.

وكما ستقرأ، فإنَّ أنوبيس يتولى الكثير من المهام في عملية الموت وما يليها. فأحياناً يُساعد الناس في المرور للعالم الآخر، وأحياناً يُقرر مصائرهم ما أن يصلوا إلى هناك، وأحياناً يحمي الجثة ببساطة.

وبالتالي يُرى أنوبيس إجمالاً على أنه إله الموت، وإله التحنيط، وإله الأرواح الضائعة.

كيف نشأت عملية التحنيط؟

لكن إلهاً آخر للموتى اشتُهر إبان عصر الأسرة الخامسة في القرن الـ25 قبل الميلاد: وهو أوزوريس. وبسبب ذلك، خسر أنوبيس مكانته كملكٍ للموتى، وأُعيدت كتابة قصة أصله ليُوضع تحت إمرة أوزوريس ذي البشرة الخضراء.

وفي الأسطورة الجديدة، كان أوزوريس متزوجاً بشقيقته الجميلة إيزيس. وكانت لدى إيزيس شقيقةٌ توأم هي نفتيس، والتي كانت متزوجةً بشقيقهم الرابع ست، إله الحرب والفوضى والعواصف.

ويُفترض أن نفتيس لم تُحب زوجها، بل كانت تُفضل أوزوريس القوي العظيم. ووفقاً للحكاية فقد تنكرت في هيئة إيزيس، وأغوته.

ورغم أنَّ نفتيس كانت عاقراً، نتج عن تلك العلاقة حملٌ بطريقةٍ ما. وأنجبت نفتيس أنوبيس الصغير، لكنها سرعان ما تخلَّت عنه خوفاً من عقاب زوجها، غير أنَّ إيزيس حين عرفت بأمر العلاقة والصغير البريء، بحثت عنه وتبنَّته، ولكن ست كذلك علم بالأمر. وانتقاماً، قتل أوزوريس ومزَّقه، ثم رمى أجزاء جثته في النيل.

وبحث أنوبيس ونفتيس وإيزيس عن أجزاء الجسد الممزق، ووجدوها كلها باستثناء جزءٍ واحد. وأعادت إيزيس جمع جسد زوجها، بينما كان أنوبيس يجلس قربه لحمايته.

وبهذا نشأت عملية التحنيط المصرية الشهيرة، واعتُبر من حينها الإله المعني بالتحنيط.

وتستمر الأسطورة، فتقول إنَّ ست كان غاضباً لعلمه أنَّ أوزوريس قد جُمع مجدداً. فحاول تحويل الجسد الجديد إلى جسد فهد، لكن أنوبيس حمى والده وكوى جلد ست بقضيبٍ حديديٍ ساخن. ووفقاً للأسطورة، فإن هذا هو سر البقع على جلد الفهد.

وبعد هذه الهزيمة، سلخ أنوبيس ست وارتدى جلده ليكون بمثابة تحذيرٍ في وجه أي أشرار يحاولون تدنيس القبور المقدسة للموتى.

ووفقاً لعالم المصريات جيرالدين بينش، فإن "ابن آوى الإله أمر بارتداء الكهنة جلد الفهد في ذكرى انتصاره على ست".

وحين رأى رع، إله الشمس المصري، ما حدث؛ أحيا أوزوريس مرةً أخرى. غير أنَّه ونظراً للظروف، لم يستطع أوزوريس أن يحكم مرةً أخرى كإلهٍ للحياة. لكنه عوضاً عن ذلك، تولَّى منصب إله الموت المصري، ليحل محل ابنه أنوبيس.

حامي الموتى وحامي الأسرار

مع أنَّ أوزوريس تولَّى منصب ملك الموتى عند المصريين القدماء؛ استمر أنوبيس في لعب أدوارٍ بارزةٍ في الموت. وأبرزها كان تنصيبه إلهاً للتحنيط، وهي عملية حفظ أجساد الموتى التي اشتُهر بها قدماء المصريين.

لعنة الفراعنة لا تزال موضوعا شيقا تتناوله السينما

ويرتدي أنوبيس وشاحاً حول رقبته يُمثِّل حماية الآلهة، ويُشير إلى أنَّه نفسه يتمتع بقوى حامية. وكان المصريون يعتقدون أنَّ ابن آوى كان قادراً تماماً على حماية جثامين موتاهم المدفونين من الكلاب القمّامة.

وكان أنوبيس مسؤولاً كذلك، بموجب مسؤوليات دوره، عن معاقبة أولئك الذين يرتكبون واحدةً من أشنع الجرائم في مصر القديمة: سرقة القبور.

أما لو كان المرء جيداً ويحترم الموتى، فكان يُعتقد أنَّ أنوبيس سيحميه ويوفر له حياةً آمنةً وهانئة بعد الموت.

كان ابن آوى الإله موهوباً بقوى سحرية. إذ يقول بينش: "كان أنوبيس حارساً على كل أسرار السحر".

وكان يُعتبر مُنفِّذ اللعنات -ربما نفس اللعنات التي كانت تُطارد علماء الآثار عند نبشهم القبور المصرية القديمة، مثل قبر توت عنخ آمون-، وكان يُزعم أنه مدعومٌ بكتائبٍ من الشياطين الرُسل.

طقس وزن القلب

واحدٌ من أهم الأدوار التي كان أنوبيس يضطلع بها، هو رئاسة طقس وزن القلب: وهي عمليةٌ تُحدِّد مصير روح المرء في الحياة الآخرة. كان يُعتقد أنَّ تلك العملية تجري بعد أن يتجاوز جثمان المتوفى عمليتي التطهير والتحنيط.

إذ تدخل روح المرء أولاً ما كان يُعرف باسم قاعة الحكم. وهناك تتلو اعترافها بآثامها، وهناك تتبرَّأ من 42 خطيئةً، وتُكفِّر عن ذنوبها أمام الإله أوزوريس، وماعت إلهة الحقيقة والعدل، وتحوت إله الكتابة والحكمة، و42 قاضياً، وبالطبع أنوبيس، الإله ابن آوى المصري للموت والموتى.

وكان يُعتقد في مصر القديمة أن القلب هو محل المشاعر، والأفكار، والإرادة، والأخلاق. ولكي تعبر الروح إلى الحياة الآخرة؛ يجب الحكم على القلب بالطُهر والصلاح.

ويزن أنوبيس قلب المرء باستخدام ميزانٍ ذهبي، أمام وزن ريشة الحقيقة. ولو كان القلب أخف من الريشة، فسيعبر المرء إلى حقول القصب، وهو مكانٌ لحياةٍ أبدية تُشبه إلى حدٍ كبير الحياة على الأرض.

ويصف قبراً يرجع للعام 1400 قبل الميلاد تلك الحياة، فيقول: "ولأمشي كل يومٍ دون انقطاعٍ على ضفاف مائي، ولترقد روحي على أفرع الأشجار التي زرعتها، ولأُنعش نفسي بظلال جميزتي".

أمَّا لو كان القلب أثقل من الريشة، فهذه إشارةٌ إلى خطايا صاحبه، وسوف تلتهمه أميت، وسيتعرض الشخص لعقابٍ متنوع.

وكثيراً ما صُوّر طقس وزن القلب على جدران المقابر، لكن أبرز ذكرٍ مفصلٍ له كان في كتاب الموتى القديم.

إذ يذكر الفصل الـ30 من الكتاب تحديداً هذه الرسالة: "وا قلبي الذي ورثته عن أمي! وا قلب أعماري المختلفة! لا تقف شاهداً عليّ، لا تكن خصمي في المحكمة، ولا تكن عدوي في حضرة حافظ الميزان".

سراديب الكلاب المحنطة

كان دور أنوبيس بالغ الأهمية لإيصال روح الميت إلى الحياة الأبدية، فكثُرت بالتالي معابد إله الموت المصري عبر البلاد. غير أنَّه وبعكس بقية الآلهة، فإنَّ غالبية معابد أنوبيس تظهر في صورة قبورٍ ومدافن.

ولم تحوِ كل تلك المقابر والمدافن جثثاً بشرية. وفي عصر الأسرة الأولى، كان يُعتقد أنَّ الحيوانات المقدسة هي تجسيدٌ للآلهة التي تُمثلها.

وبناءً على ذلك، فإنَّ هناك مجموعةً مما يُعرف باسم سراديب الكلاب المحنطة، أو السراديب تحت الأرضية المليئة بنحو ثمانية ملايين كلبٍ محنط، أو غير ذلك من الحيوانات من الفصيلة الكلبية، مثل بنات آوى والثعالب، لتكريم إله الموت ابن آوى.

وكثيرٌ من الكلاب في تلك القبور جراء، وأغلب الظن أنها قُتلت بعد ساعاتٍ من مولدها. أما الكلاب الأكبر التي وُجدت، فقد أوليت عنايةً أكثر؛ فكانت غالباً ما تُحنَّط وتُوضع في توابيت خشبية، وأغلب الظن أنَّها كانت تبرعات من مصريين أثرياء.

وكانت تلك الكلاب تُقدَّم قرابين لأنوبيس، أملاً في أن يرد الجميل للمتبرعين بها في الحياة الآخرة.

وتُشير الأدلة كذلك إلى أنَّ كلاب السراديب المُحنطة تلك كانت جزءاً مهماً من الاقتصاد المصري في سقارة حيث وُجدت، فكان التجار يبيعون تماثيل الإله، وكان مربو الحيوانات يُربون الكلاب لتحنيطها قُرباناً لأنوبيس.

صنمٌ لأنوبيس؟

في ما نعرف الكثير عن أنوبيس، تظل بعض الأشياء غامضةً حتى اليوم. فمثلاً، لا يزال المؤرخون في حيرةٍ من أمرهم بشأن صنم إموت: وهو تمثالٌ مرتبطٌ بأنوبيس. و"الصنم" هنا ليس ما قد تُفكر فيه.

فالصنم هو تمثالٌ يُصنع بربط جلد حيوانٍ محشوٍ منزوع الرأس إلى عمودٍ بذيله، ثم ربط زهرة لوتس عند طرفه. ووُجدت تلك الأصنام عند مقابر الكثير من الفراعنة والملكات، بما فيها قبر الملك الصغير توت عنخ آمون.

ولأنَّ الأصنام وُجدت في قبورٍ ومدافن، فعادةً ما تُسمى أصنام أنوبيس، ويُعتقد أنَّها قرابين من نوعٍ ما لإله الموتى.

غير أنَّ الأكيد هو أمرٌ واحدٌ: لقد لعب أنوبيس، الإله المصري ابن آوى، دوراً رئيسياً في تعبير قدماء المصريين عن قلقهم وهوسهم بما يجري بعد أن نزفر آخر أنفاسنا.

علامات:
تحميل المزيد