تشوش ذهني وسلوكيات غريبة وصداع وآلام في الجسم. هل تتخيل أنه من الممكن أن يتسبب تعاملك المُباشر مع القطط بكل هذه الأعراض؟ مرض التوكسوبلازما جوندي، مرض يغير شخصية الإنسان إذا ما تم التعاطي مع القطط الشاردة بطريقة غير واعية.
ما هو التوكسوبلازما جوندي؟
توكسوبلازما جوندي (T. gondii) هي كائن طفيلي وحيد الخلية يُصيب أغلب الحيوانات والطيور، لكن القطط البرية والمنزلية تحديداً هي العائل الأساسي لطفيل التوكسوبلازما جوندي لأن الكائنات المعدية من هذا الطفيل تفرز في براز القطط فقط.
يُعرف هذا الطفيل المعروف باسم "توكسو" بأنه متستر تماماً، ويمكن أن يتكاثر جنسياً فقط في أمعاء القطط، لكنه لا ينضج هناك، فيتم إفراز بويضاته، مع براز القطة، وهناك في البيئة المفتوحة، ينتظرون مضيفهم، والذي سيُمثل لهم المكان الذي يمكن أن تنضج فيه الطفيليات وتتضاعف.
يُمكن لهذه البويضات أن تبقى خاملة لمدة تصل إلى عام، وحينما يلامس المضيف هذه السموم، مثلاً عن طريق تناول شيء يحتوي على بويضات التوكسو، فإن هذه البويضات تنضج مرة واحدة داخل العائل.
لدى التوكسو عدة أدوات في جعبتها للتأكد من أنها ستنتهي في المكان المناسب في الوقت المناسب بالضبط.
فعندما يتم إطلاق البويضات الصغيرة في براز القطة، فإنها تنتظر مضيفها الوسيط، هذا المضيف هو أي حيوان من ذوات الدم الحار، والذي يقوم بتناول بويضات التوكسو عن غير قصد من خلال المياه الملوثة أو الأوساخ.
في حالة البشر يُعتبر التوكسوبلازما جوندي واحداً من الطفيليات الأكثر شيوعاً في العالم، وعادةً ما تحدث العدوى إثر أكل اللحوم الملوثة بالطفيل غير المطهوة جيداً، أو التعرّض للطفيل بواسطة براز قطة تحمله، أو بانتقالها من الأم للطفل في أثناء الحمل.
قد يُسبب الإصابة بالطفيل أعراضاً تُشبه الأنفلونزا لبعض الأشخاص، لكن معظم المصابين لا يعانون علامات أو أعراضاً، ولكنه قد يسبب مضاعفات خطيرة للأطفال المولودين من أمهات مصابة به، وللأشخاص ذوي الأجهزة المناعية الضعيفة.
كيف تصاب به القطط؟
تصاب القطط بهذا المرض عن طريق تناول القوارض المصابة والطيور وغيرها من الحيوانات.
تشير التقديرات إلى إصابة حوالي 40 ٪ من القطط في الولايات المتحدة؛ معظمها لا تظهر أي أعراض، لكنها قد تصاب باليرقان أو العمى وتتعرض لتغييرات في الشخصية إذا امتد الطفيل إلى الكبد أو الجهاز العصبي.
كيف يمكن الإصابة بالتوكسوبلازما؟
تحدث الإصابة بالتوكسوبلازما جوندي من خلال:
1- التعامل مع براز القطط التي تحتوي على الطفيل، فيمكن أن تبتلع الطفيليات دون قصد إذا لامست فمك بعد العمل بالزراعة، أو تنظيف صندوق القمامة أو ملامسة أي شيء تلوث ببراز القطط المصابة.
2- شرب ماء ملوث أو أكل الأطعمة الملوثة، فلحوم الخرفان والخنازير والغزلان أكثر عرضة للتلوث بالتوكسوبلازما جوندي، وقد تحتوي منتجات الألبان غير المبسترة أحياناً على الطفيل.
3- استخدام سكاكين ملوثة، أو ألواح تقطيع ملوثة أو أية أوعية أخرى، فأوعية المطبخ التي تلامس اللحم النيء يمكنها أن تحتوي على الطفيليات إلا إذا تم غسلها جيداً بالماء الدافئ والصابون.
4- تناول الفاكهة والخضراوات غير المغسولة، فالقشرة الخارجية للفاكهة والخضراوات ربما تحتوي على الطفيل، لذلك يجب غسل وتقشير كل المنتجات جيداً وبخاصة تلك التي تؤكل نيئة.
5- زرع عضو مُصاب بالعدوى أو تلقي دم مصاب، ففي حالات نادرة يؤدي نقل عضو مُصاب أو تلقي دم مصاب إلى الإصابة بالتوكسوبلازما.
أعراض الإصابة بالتوكسوبلازما جوندي
الأعراض الشائعة تشبه تلك المرتبطة بالإنفلونزا، بما في ذلك: آلام في الجسم، تورم العقد اللمفاوية، الصداع، الحمى، الإرهاق العام.
كيف يُمكن أن يُسبب التوكسوبلازما جوندي التشوش الذهني والسلوكيات الغريبة لحامله؟
لاحظ العلماء أن بعض الأشياء الغريبة تحدث عندما تدخل بويضات التوكسو وتستقر في مضيفها.
تخيل مثلاً أن الفئران تناولت بعض البويضات وأصبحت الآن مصابة، تعبر البويضات من الأمعاء إلى الدم، ثم تشق طريقها إلى أرض نضجها النهائي، وهي خلايا العضلات والجهاز العصبي المركزي، وهنا تستقر وتتحول من بويضة إلى كائن ويتضاعف عددها.
يبدو من المنطقي أن أي شيء يصيب الجهاز العصبي لا بد أن يسبب بعض التغييرات فيه، فيتسبب التوكسو في حدوث بعض التغييرات في الخلايا العصبية.
ففي حالة الفئران مثلاً، أصبحت الفئران تتفاعل بشكل أبطأ مع الخطر، فلا تُظهر خوفها المُعتاد من القطط مثلاً، ولوحظ أن إصابة الفئران أيضاً قد أثرت سلباً على عمليات الذاكرة والتعلم.
كل هذه السلوكيات الغريبة التي أصابت الفئران جعلت من السهل على القطط أن تأكل الفئران.
تأثير التوكسوبلازما على البالغين في البشر
في عامي 1930 و1940، أدرك العلماء أن التوكسوبلازما لها تأثيرات خطيرة بالنسبة للأفراد الذين يعانون من خلل في الجهاز المناعي، مثل مرضى الإيدز، فيصابون العمى والآفات الدماغية والخراجات.
وعلى الرغم من كون هذا المرض واسع الانتشار، إلا أنه لم يلق سوى القليل من الاهتمام لأنه لا يزال كامناً، في معظم البشر (فقط 10-20 ٪ من المصابين بعدوى تظهر عليهم الأعراض).
وتم إثبات أن التوكسو أيضاً يجعل الناس متهورين، مما يجعل الأشخاص أكثر عرضة للتورط في حوادث السيارات.
وعلى الرغم من بقاء الإصابة كامنة في البشر، إلا إنه ثبت أنها تُحدث بعض التغييرات السلوكية، فتم الإبلاغ عن أن المُصابين أصبحوا أكثر تهوراً وأقل خوفاً.
وأظهرت دراسة أُجريت عام 2002، وجود صلة بين حوادث السيارات والإصابة بالتوكسو، وقد أفادت الدراسة بأن المصابين بالتسمم كانوا متورطين في حوادث السيارات أكثر من نظرائهم الأصحاء.
وتبين أن الإصابة بالتوكسو تزيد من احتمال الإصابة باضطرابات نفسية، مثل انفصام الشخصية، حيث يتعامل التوكسو مع مستويات الدوبامين في المخ، لأنه يحتوي على إنزيم يمكنه إنتاج الدوبامين.
والدوبامين هو ناقل عصبي رئيسي في الحركة ومعالجة الخوف، مما يعطي تفسيراً واضحاً للاضطرابات السلوكية المذكورة أعلاه.
تأثير التوكسوبلازما جوندي على الأطفال
في حالة التعرض الأمهات للإصابة قبل الحمل مباشرة أو أثناءه، يمكنك نقل العدوى للطفل، حتى في حالة عدم ظهور العلامات والأعراض عليك.
يكون الطفل أكثر عرضة للإصابة بالتوكسو في حالة إصابة الأم بالعدوى في الثلث الأخير من الحمل، وأقل عرضة في حالة إصابتها خلال الثلث الأول.
لكن من ناحية أخرى فإن الإصابة كلما كانت خلال فترة مبكرة من الحمل، كانت النتائج أكثر خطورة بالنسبة للطفل.
تنتهي العديد من حالات الإصابة المبكرة بالعدوى بوفاة الجنين أو الإجهاض، من المحتمل أن يولد الأطفال الذين يتجاوزون المخاطر السابقة وهم يعانون من مشكلات خطيرة، مثل: النوبات، تضخم الكبد والطحال، اصفرار البشرة وابيضاض العينين، أمراض العيون الخطيرة.
يظهر على عدد قليل فقط من الأطفال المصابين بالعدوى علامات المرض عند الولادة، لكن في الغالب، لا تظهر علامات على الأطفال المصابين، وربما تتضمن الأعراض فقدان حاسة السمع، أو الإعاقة الذهنية أو أمراض العيون الخطيرة.