13 مليون دولار ليس مبلغاً كبيراً بالنسبة لدولة ثرية مثل السعودية، ولكنه مؤشر على غضب المملكة من السلطة الفلسطينية وعلى تدهور العلاقات السعودية الفلسطينية.
فقد أصبحت العلاقات بين السلطة الفلسطينية والسعودية تشهد حالة من الفتور والبرود بصورة واضحة للعيان، ورغم المحاولات الفلسطينية للتغطية على هذا التراجع في العلاقات مع المملكة، رغبة منها بعدم خسارة ما تبقى لها من علاقات إقليمية، لكن المؤشرات باتت تظهر تباعاً: سياسياً ومالياً وإعلامياً.
فقد اكتفت المملكة أوائل أغسطس/آب 2019 بتحويل 21 مليون دولار فقط للسلطة عن الأشهر الثلاثة التي سبقتها، بدلاً من 60 مليوناً دأبت على تحويلها لخزينة السلطة كل 3 أشهر، بمعدل 20 مليوناً شهرياً، لتنخفض فجأة إلى 7 ملايين شهرياً فقط! بمقدار 13 مليون دولار شهرياً.
سبعة أشهر دون لقاء والحجاج الفلسطينيون أولى ضحايا الأزمة
على الصعيد السياسي، فإن آخر زيارة قام بها عباس للرياض كانت في فبراير/شباط 2019، أي أن سبعة أشهر مرت عليه دون لقاء الملك سلمان أو ولي عهده، مع أنه دأب على زيارتها بصورة دورية، سواء لإطلاع المملكة على آخر التحركات السياسية، أو الاستماع لنصائح منها حول تطورات المنطقة.
وتحدث الحجاج الفلسطينيون أن موسم الحج الأخير شهد تعاملاً خشناً من السلطات السعودية معهم، حيث احتجزتهم على الحدود الأردنية ساعات طويلة، فيما استضافت قناة العربية السعودية فادي السلامين، المعارض البارز لعباس، الذي تحدث عن فساده وسوء إدارته، مما دفع قيادات فتحاوية لمهاجمة القناة وإدارتها.
فتش عن صفقة القرن
صحيفة الأخبار اللبنانية ذكرت أن الرياض قررت معاقبة رام الله على خلفية تسجيلات لمسؤولين فلسطينيين يتهمون فيها ولي العهد محمد بن سلمان، بدعم صفقة القرن، وإحراق متظاهرين فلسطينيين صوره، أثناء تظاهرات رافضة للصفقة.
عبدالله عبدالله، رئيس اللجنة السياسية في المجلس التشريعي، وعضو المجلس الثوري لحركة فتح، قال لـ"عربي بوست" إن "الرئيس أبو مازن لديه علاقات وثيقة مع الملك سلمان تعود لعام 1968، والسلطة تثق في السياسات السعودية الرسمية تجاه القضية الفلسطينية، ونحن حريصون على تطوير العلاقات الفلسطينية السعودية".
وأضاف أن "الدعم السعودي للسلطة لم يتوقف على مختلف الأصعدة: سياسياً واقتصادياً ومالياً، ولدينا تطلع لأن تساعدنا المملكة في توفير شبكة الأمان المالية التابعة للجامعة العربية وفقاً لقرارات القمة العربية لمواجهة الأزمة المالية التي تواجهنا بعد سلسلة العقوبات المالية الأمريكية والإسرائيلية".
هذا الموقف الفلسطيني الذي يحاول الحفاظ على العلاقة مع السعودية تجلى بإدانة السلطة للهجوم الذي تعرضت له منشآت نفطية سعودية من قبل الحوثيين، وتأكيدها الوقوف بجانب المملكة لمواجهة الاعتداءات الإرهابية.
كما أجرى عباس اتصالاً هاتفياً مع الملك سلمان عقب إعلان إسرائيل نيتها ضم غور الأردن إليها، ولايزال الفلسطينيون يذكرون كيف تبنت السلطة موقف المملكة كلياً في جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
السلطة الفلسطينية تطلب إرسال وفد الرياض ولكن لا مجيب
مسؤول فلسطيني رفيع المستوى، قريب من عباس، رفض الإفصاح عن هويته قال لـ"عربي بوست" إننا "لا نريد فتح جبهة مع أي دولة عربية، لكن تراجع الدعم السعودي الشهري لموازنة السلطة من 20 مليون دولار إلى 7 ملايين فقط، مؤشر واضح على حالة الفتور التي تسود علاقتهما.
وأضاف قائلاً: لا نريد لهذه الملايين السبعة أن تصل إلى الصفر، مع أننا حاولنا التخفيف من مستوى التراجع في العلاقة بطلبنا عبر جهات عربية، إرسال وفد رسمي للرياض لبحث أوجه الخلاف، لكن رداً إيجابياً لم يأتنا حتى الآن".
ولكن المملكة لديها تفسيرها الخاص لتراجع دعمها للسلطة
"وصلتنا من المملكة تبريرات غير مقنعة أن سبب تراجع الدعم السعودي للسلطة، يعود لعوامل اقتصادية، حسب المسؤول الفلسطيني.
يضيف قائلاً حسبما قالوا السبب في تقليل التمويل الأخير هو ما تعانيه الخزينة السعودية من مشاكل مالية، جراء حرب اليمن التي استنزفتها، وانخفاض أسعار النفط.
السلطة الفلسطينية من جانبها حاولت إبقاء موضوع تقلص الدعم السعودي بعيداً عن الإعلام، لعدم تفاقم أزمة الجانبين".
يعلم الفلسطينيون أن الدعم المالي الذي تقدمه السعودية، مشروط، ولو بشكل غير مباشر، بالتزام السلطة بالخط السياسي العام للمملكة، وفي اللحظة التي يخرجون عن هذا الخط سيتوقف هذا الدعم، أو يتراجع، وهو ما تم فعلاً.
رائد نعيرات، أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح الوطنية بنابلس، ورئيس المركز المعاصر للدراسات وتحليل السياسات-مداد، قال لموقع "عربي بوست" إن "السعودية تتصرف في الآونة الأخيرة بصورة سلبية تجاه قطبي القضية الفلسطينية.
إذ تشن حملة اعتقالات مكثفة ضد كوادر حماس ومؤيديها داخل المملكة، وفي الوقت ذاته تقلص الدعم المقدم للسلطة، وتبقي على مستوى تواصل منخفض معها".
وأضاف أن "السياسة السعودية تجاه القضية الفلسطينية تشهد إعادة تموضع، أملاً بأن تسفر الضغوط على الفلسطينيين على القبول بصفقة القرن، مما يعني أن السعودية والسلطة تخوضان "صراعاً صامتاً".
وأضاف إن المملكة تريد من سياستها الحالية تجاه الفلسطينيين، والمنسجمة مع السياسة الأمريكية، تحقيق أهداف تثبيت دعائم حكم ولي العهد محمد بن سلمان، المرتبط بعلاقات قوية مع دوائر صنع القرار في واشنطن، ويصعب القول إنه ينفذ هذه السياسة القاسية والغريبة عن السياسة السعودية التقليدية بمعزل عن التوافق مع الأمريكيين".
لقاء صادم بين الأمير محمد والرئيس الفلسطيني
لم يتوقف التوتر الفلسطيني السعودي عند التسريبات الفلسطينية والصحافة العربية، فقد سبق أن كشفت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية أن بن سلمان هدد عباس بإزاحته عن السلطة إن لم يتعاون معه بإنجاح صفقة القرن، حتى أن مسؤولاً فلسطينياً أكد أن بن سلمان كان وقحاً جداً مع عباس أثناء أحد لقاءاتهما.
وقال: اعتقدنا أننا جالسون مع بلطجي حاول الإملاء علينا، بعد أن عرض عليه 10 مليارات دولار مقابل دعم الصفقة.
أحمد يوسف، المستشار السياسي السابق لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، قال لـ"عربي بوست" إن "هناك إشارات سعودية واضحة لا تخطئها العين بممارسة الضغط على الحالة السياسية الفلسطينية عموماً، بهدف إضعافها. وليس سراً أن السعودية وعدت الرئيس ترامب وصهره كوشنير بأن تبذل جهوداً لتطويع الموقف الفلسطيني وترويضه للقبول بصفقة القرن، ومن هنا تأتي الضغوط المالية على السلطة، والأمنية على حماس، وكل ذلك بهدف كسر شوكة الفلسطينيين للقبول بأي عرض أمريكي".
يفسر الفلسطينيون التراجع بالعلاقات مع السعودية بجملة أسباب، أهمها رفض عباس الانخراط بصفقة القرن التي تدعمها السعودية بقوة، بجانب إصراره على إبقاء عدوه اللدود محمد دحلان مطروداً خارج حركة فتح، الذي يحظى بدعم سعودي إماراتي مصري، فضلاً عن إعلان عباس وقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، مما تسبب في غضب عدة دول عربية وعلى رأسها السعودية ومصر.
ويعتقد أن الدولتين بدأتا بالتحرك لإيجاد حلول للتعامل مع مواقف عباس أو تعطيل تنفيذه؛ خوفاً من تعطُّل مصالحهما، وتأثر علاقاتهما التي تشهد تطوراً إيجابياً مع إسرائيل.